الأحد، 1 سبتمبر 2019

مسؤولية رئيس الدولة في الأنظمة الدستورية للدول الأوروبية و العربية



تتشابه كافة الأنظمة الدستورية في العالم من حيث إقرارها لمنصب رئيس الدولة، سواء أكانت تلك الأنظمة : رئاسية، برلمانية، أم شبه رئاسية، و عند دراستنا لمهام رئيس الدولة في مقارنة بين الأنظمة الدستورية الأوروبية و العربية يثير انتباهنا مسألة غاية في الأهمية، هي كون مؤسسة رئيس الدولة في الأنظمة الأوروبية تتنوع بين الدول التي تعتمد النظام البرلماني أو الرئاسي أو شبه الرئاسي، في حين، نجد كافة الدول العربية تعتمد النظام شبه الرئاسي.
فللإحاطة بالموضوع سنتطرق إلى تعريف رؤساء الدول (مبحث أول)  ثم مسؤوليتهم (مبحث ثان)
المبحث الأول: رئيس الدولة في الدول الأوروبية و العربية
نظرا لتنوع الأنظمة الدستورية في أوروبا سنتناول كل نظام على حدة في مطالب متتالية.
المطلب الأول: رئيس الدولة في الأنظمة الرئاسية
النظام الرئاسي هو  نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية و لا تقع تحت محاسبتها و لا يمكن أن تقوم بحلها، و تعود أصول النظام الرئاسي إلى النظام الملكي في العصور الوسطى (كفرنسا، و بريطاني) و التي كانت فيها السلطات التنفيذية تصدر من التاج الملكي و ليس من الحكومة، و حاليا تتبنى بعض الدول الأوروبية هذا النظام استلهاما للنظام الرئاسي الأمريكي الذي يتميز عن أنظمة العصور الوسطى بكونه نظاما يعتمد على انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة.
و من الدول الأوروبية التي تعتمد هذا النظام نجد بلاروسيا
و من الدول العربية التي تأخذ بهذا النظام بشكل جلي نجد المملكة العربية السعودية بحيث ينص دستورها على أن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية من خلال ترأسه لمجلس الوزراء و تعيين هؤلاء و إعفائهم من مهامهم و يكونوا مسؤولون أمامه مباشرة و لا يخضعون لأية رقابة برلمانية و يعتبر الوزراء مجرد معاونين للملك في أداء مهامه التنفيذية. (المواد من 55 إلى 58 من النظام الأساسي لملكة العربية السعودية) .
المطلب الثاني: رئيس الدولة في الأنظمة البرلمانية
النظام البرلماني هو نظام حكم يتميز بازدرواجية السلطة التنفيذية ( رئيس الدولة، رئيس الحكومة) ، في مثل هذا النظام يكون رئيس الحكومة هو الرئيس التنفيذي و تكون الحكومة منبثقة عن البرلمان/ أما رئيس الدولة في كثير من الأحيان يكون صوريا (يسود و لا يحكم) و هو إما رئيس منتخب شعبيا أو من قبل البرلمان أو عاهلا وراثيا. و تأخذ غالبية الدول الأوروبية بهذا النظام و إن كانت انجلترا هي مهده .
(المملكة المتحدة، ألبانيا، النمسا، بلجيكا، بلغاريا، كرواتيا، تشيك، الدنمارك، استونيا، فنلندا، ألمانيا، اليونان، المجر، ايسلاندا، إيرلاندا، أيطاليا، لاتفيا، لتوانيا، إسبانيا، لوكسمبورغ، مقدونيا، مالطا، مولدوفيا، الرأس الأسود، هولنذا، بولونيا، صربيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، سويسرا)
المطلب الثالث: رئيس الدولة في النظام شبه الرئاسي
النظام شبه الرئاسي هو نظام مختلط بين النظام الرئاسي و النظام البرلماني، بحيث يكون فيه رئيس الدولة و رئيس الحكومة شريكان في تسيير شؤون الدولة ، و توزيع المهام بينهما يختلف من بلد لآخر
(فرنسا، أذربيجان، جورجيا، لتوانيا، شمال قبرص، أبخازيا، البرتغال، رومانيا، روسيا، أوكرانيا، أرمينيا)
أما باقي الدول العربية فبالرغم من حجم المهام التي يضلع بها رؤساء الدول إلى أن السلطة التنفيذية فيها تقوم على أساس الثنائية بحيث تلعب الحكومات و مؤسسة رئيس الحكومة(المغرب، تونس) أو رئيس الوزراء(مصر، الإمارات، الكويت، العراق،سوريا، قطر، ليبيا، عمان، اليمن، لبنان، الأردن، البحرين، موريتانيا، الصومال، جيبوتي، السودان) أو الوزير الأول(الجزائر) دورا مهما في تسيير شؤون الدولة الشيء الذي يطبع هذه الأنظمة بطابع النظام شبه الرئاسي
المبحث الثاني: مسؤولية رئيس الدولة في الأنظمة الأوروبية و العربية
يقصد بمسؤولية رئيس الدولة المسؤولية السياسية و المسؤولية الجنائية.
المطلب الأول: المسؤولية السياسية لرئيس الدولة
تتفق مجمل الدساتير العربية و الأوروبية على عدم محاسبة رؤساء الدول من الناحية السياسية استنادا إلى مبدأ الحصانة التي يتوجب للرؤساء التمتع بها، في حين تسمح تلك الدساتير بالمحاسبة الجنائية
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية لرؤساء الدول.
سمحت الدساتير الأوروبية و العربية على المحاسبة الجنائية لرؤساء الدول وفق شكليات معينة ، و إن كانت تؤكد على هذه المحاسبة في حالة الخيانة العظمى إلا أنها لم تستثني مسؤوليته عن الجرائم الجنائية التي قد يرتكبها أثناء مزاولته لمهامه، و تختلف المساطر المتبعة في المحاسبة من بلد لآخر و يتعلق الأمر بكيفية توجيه التهمة و التقاضي و الجهة المخولة بمقاضاة رئيس الدولة.
فإذا كانت الدساتير الأوروبية قد اعتمدت مبدأ المحاسبة الجنائية فإن الدول العربية التي تبنت هذا نهج نجد لبنان و اليمن و مصر... مثلا في حين أغلب الدول العربية نحت منحى يجنب رؤساءها أية محاسبة سواء أكانت جنائية أم سياسية.


الخميس، 8 أغسطس 2019

مقدمة حول الإدارة والسياسة


يبدو جليا من خلال العنوان ذاته مدى الاتصال القائم بين الإدارة والسياسة على غرار ما كان رائجا من اتصال الفلسفة بالدين من حيث سعي كلاهما إلى الحقيقة، بالقدر الذي تسعى فيه السياسة والإدارة إلى تحقيق الصالح العام من خلال سياسة المقدرات  والإمكانات المتاحة للمجتمع وتدبيرها من خلال الإدارة.
ولما كان الهدف المشترك الذي تصبو إليه السياسة والإدارة محددا في الصالح العام مع ما يتفرع عنه من أنشطة وممارسات، فإن أوجه الترابط والاتصال بين المكونين يبقى مبررا ومشروعا، غير أن هذا الترابط والاتصال لا يرقى إلى المستوى الذي تنصهر فيه الإدارة بالكلية فيما هو سياسي، بل لا يتعدى ذلك كون الإدارة هي الأداة التنفيذية التي من خلالها يتوخى السياسي بلورة تصوراته ومخططاته على أرض الواقع.
فإذا كان الاتصال بين الإدارة والسياسة مبررا ومشروعا، فهل الدعوة إلى فصل المكونين عن بعضهما تجد هي أيضا مبرراتها ومشروعيتها؟
إن الباحث لا يجد أية مغالاة في الجواب بنعم على هذا السؤال، ذلك أن علاقة الإدارة بالسياسة قد تناولتها ثلاث أطروحات رئيسية تتمثل بحسب ما يطرحه الدكتور حسن العرافي في:
1-  الأطروحة القائمة على مبدأ تبعية الادارة للسياسة
2 -  الأطروحة القائمة على مبدأ الفصل المطلق بين الادارة و السياسة
3 -  الأطروحة القائمة على مبدأ التكامل بين الادارة و السياسة
     فالأطروحة الأولى بحسب نفس المصدر تفقد الإدارة خصائصها ومكانتها من منظور علم الإدارة، على اعتبار أن الموظف الذي يوضع رهن إشارة المواطن؛ لخدمته؛ لا يتمكن من ممارسة مهامه  بحرية كافية، لأن مجرد إحساسه بتبعيته للرئيس الإداري الأعلى بالقطاع يفقده «الاستقرار النفسي»، ويزداد الأمر حدة على مستوى الجماعات الترابية على حد تأكيد الأستاذ "حسن العرافي"، وقد عبر عن هذا التصور  في مفهوم «مَوْظفة الدولة» الذي يؤدي بدوره إلى مفهوم «تسييس الإدارة».
  أما الأطروحة الثانية و القائلة "بالفصل المطلق بين الإدارة و السياسة"، مصدرها الفصل بين السلطات الذي نادى به "مونتسكيو" في القرن الثامن عشر (عصر النهضة الأوربية). ويقوم تبرير هذه الأطروحة على أن الادارة عندما يصبح لها توجه سياسي فإنه يؤثر سلبا على حياديتها، ومن تم يتغير توجهها بتغير السياسي القائم على إدارة أمورها. و نتيجة لذلك تظهر التبعية وويلات للإدارة ذهب ضحيتها المواطن، حسب تصور الأستاذ "حسن العرفي"،  ويعتبر الفصل التام بين الإدارة و السياسة، أنها مسألة مُعابة من وجهة نظر أنها لا تعتمد فصلا دقيقا ومنطقيا بين المكونين، وأنها لا تأخذ بعين الاعتبار  تأثير القوى الاجتماعية داخل البلد. وخلص إلى أنه في جميع الأحوال والحالات لا يمكن تصور حكومة بدون آلة تنفيذية.
وبالنسبة للأطروحة الثالثة  القائمة على أساس "التكامل بين الادارة و السياسة"، فتنطلق من نظرية نفي وجود تبعية مطلقة ولا فصل مطلق بين الإدارة و السياسة، وأساس ذلك أن الإدارة لا يمكن تصورها بمعزل عن محيطها و بيئتها. ومن ثم طرح إشكالية حقيقية حول مدى وإمكانية تصور تركيبة سحرية لتحقيق توازن بين الأطروحتين، لأن تأثير السياسة على الإدارة له آثار سلبية على دواليب الدولة، و يرى الدكتور العرافي في التجربة الفرنسية ما قبل الثورة الفرنسية و التي عرفت خلق نظام ريعي في بيع المناصب الإدارية، نموذجا يؤكد أن هذه التبعية المطلقة تؤدي حتما إلى الانتقال من مفهوم الفساد السياسي إلى مفهوم الفساد الاداري. ففي ظل التبعية الإدارية لما هو سياسي، يفقد الموظف صفته الحقيقية ليصبح-فقط- أداة لتنفيذ الإرادة السياسية.
كما يحيل الدكتورحسن العرافي إلى واقع الجماعات الترابية في المغرب كنموذج حي لفهم مدى هيمنة السياسي على الإداري، حيث يظهر بجلاء أن رؤساء المجالس الجماعية "للأسف" يضعون تصورات وقراءات سياسية للهياكل الإدارية للجماعات التي يشرفون على تدبير شؤونها، مما يجعل اللمسات السياسية تطغى أكثر من سواها على القرارات الإدارية المحلية، التي ينبغي أن تنبني بالضرورة على معايير واقعية، وكذلك تسخير ميزانياتها التي هي عبارة عن أموال عمومية لخدمة مصالح  سياسية و التضحية بمعايير الجودة و المردودية لصالح الاعتبارات الحزبية و الإنتخابوية. فتكون نتيجة ذلك ذات آثار سلبية حتما، لأنه يتم الانتقال من مفهوم الفساد السياسي إلى مفهوم الفساد الإداري الذي لا يمكن تصور نمو الحكامة تحت وطأته. و لعل السياسات العمومية المختلفة الرامية إلى تخليق  الحياة العامة هي نتيجة تلك العلاقة المتوترة ما بين الإدارة و السياسة بل وهيمنة هذه الاخيرة على الأولى.
     ومن مظاهر "النظرية الإنقسامية"، التي ترتكز على هيمنة التوجهات الحزبية و الانتمائية، أورد لنا "الأستاذ حسن العرافي " مثالا على الولوج لبعض المناصب في بلادنا، خاصة في بعض المؤسسات العمومية بحد ذاتها، التي تعتمد ميزا انتمائويا عرقيا واضحا (مثال وزارة البريد سابقا)، مما يضرب في العمق المبدأ الدستوري القائم على مساواة الجميع أمام تقلد المناصب بالإدارات العمومية. 
أما الظاهرة النقابية في بلادنا، فيضيف "الاستاذ العرافي"، بأنها لا تقل أهمية نموذجية في هذا السياق، فمعظم النقابات الموجودة حاليا في المغرب ذات امتدادات سياسية و حزبية، حيث يتم احتضانها من لدن الأحزاب  التي تبدو متعاطفة مع الملف المطلبي للشغيلة، لتصبح هذه  النقابات مرتعا خصبا لنمو اديولوجية تلك الأحزاب. وبالتالي تطغى كل الاعتبارات الضاربة في العمق "مبدأ الحيادية الإدارية أو "الحيادية الوظيفية" إن صح القول.
   وأشار الأستاذ العرافي إلى أهمية الدستور المغربي الجديد في تكريس أطروحة التكامل بين السياسة و الإدارة حينما جعل الادارة رهن إشارة الحكومة (الفصل69  من الدستور)، وتطرقه في نفس الوقت لمفهوم "التدبير الحر"(الفصل 149 من الدستور). كما أدلى في هذا النطاق، على سبيل الاستفهام الاستنكاري، بأمثلة عن بعض القطاعات الحكومية التي ترتبط بأدائها الإداري الصرف رغم أنها جزء لا يتجزأ من الحكومة (الامانة العامة للحكومة، المندوبية السامية للتخطيط ، والي بنك المغرب وغيرها). ولتحقيق هذه الغاية (التناغم بين الادارة والسياسة) طرح الاستاذ العرفي مجموعة من المتطلبات، يمكن إيراد البعض منها كما يلي:
       *الإيمان بأن الموظف له حقوق سياسية و نقابية ؛
       *عدم القيام بتحريات في الآراء السياسية فيما يتعلق بالتوظيفات الادارية؛
       * استبعاد الخلفيات السياسية في التعامل مع الموظفين و الأطر داخل الإدارة؛
       * يجب عدم هدر حقوق الموظف، لأن هيبة الدولة من هيبة الإدارة و هيبة الادارة من هيبة الموظف ([1]).
ان فصل الادارة عن السياسة يؤدي الى استقرار التنظيم الداخلي للمؤسسة والذي يولد شعورا لدى كافة افراد التنظيم بحصانة المؤسسة، هذا الشعور الذي يتحقق من خلاله الامان والاستقرار الوظيفي وتصبح الادارة قادرة على مواجهة الصراعات البسيطة والمعقدة من اجل ضمان سلوكيات الافراد والجماعات داخل التنظيم وتامين كفاءة وفاعلية الاداء التنظيمي . اضافة الى تمكين ذوي الاختصاص في مجال الادارة من ادارة هذه المؤسسات وفق نظرة علمية تتضمن مجموعة من المبادئ الفكرية الثابتة والقوانين العلمية التي تميزها عن غيرها من العلوم
إن ما نعايشه من تمازج السياسي بالإداري يجعلنا نطرح مسألة تقييم الأداء المنبثق عن تلك العلاقة، و هل يرقى ذلك الأداء إلى انتظارات المواطنين؟ و هل يجعل من المناخ السائد داخل الأجهزة الإدارية ما يثير الدوافع الوطنية و القدرات العلمية و الميول الإبداعية لدى العاملين في تلك الأجهزة؟
إن المشرع الدستوري المغربي يجعل الإدارة موضوعة تحت تصرف الحكومة([2]) لتنفيذ سياساتها، و هذا الموضع الذي تأخذه الإدارة بحسب القانون المؤسس يجعل ارتباطها بالسياسي أمرا لا محيذ عنه، غير أن هذا الارتباط لا يعني بأي حال من الأحوال هيمنة السياسي على الإداري و بالتالي هيمنة السياسة على الإدارة، فكلاهما علم منفصل عن الآخر له ظواهره التي يدرسها و قوانينه التي يستخلصها من الدراسات العلمية  الممارسات التجريبية، و في هذا السياق يرى أحمد الشحات أن "الإدارة علم منظم له قواعده ومبادئه وخطوطه العريضة وإجراءاته المعروفة ، فضلاً عن الخبرة الطويلة في تطبيقاته ، والممارسة العملية له في كثير من المجالات والأماكن ، أما السياسة فهي فن يعتمد على الخبرة والممارسة أكثر من اعتماده على القوانين والنظم ، والأهم من ذلك فإن المعايير التي تحكم السياسة عادة ما تخرج قليلاً أو كثيراً عن نطاق التشريعات واللوائح والنظم إلى محددات أخرى تتوقف على مدى التواؤمات والظروف وتخضع للمتغيرات والمستجدات بشكل دائم مستمر"([3]).
و حقيقة الأمر، أن المطالبة بفصل الإدارة عن السياسة بدأ منذ القرن 19 على يد العديد من المفكرين في مجال العلوم الإدارية و على رأسهم "ودرو ويلسون" الذي يعد الرائد الأول لحقل الإدارة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية،  بحيث عبر في مقالته المعنونة (دراسة الإدارة) عام 1887 عن مطالبته بقيام حقل مستقل للإدارة العامة و بضرورة الفصل بين السياسة و بين الإدارة العامة اعتبارا لكون الخلط بينهما يقود إلى الفساد، كما أن المسائل الإدارية ليست بالضرورة مسائل سياسية، فالسياسة و إن كانت تقرر للإدارة مهامها، إلا أنها لا تنفذها بنفسها([4]).


([1]) حسن العرافي، الحكامة العمومية بين الإدارة و السياسة، الدرس الافتتاحي الأول، منتدى الباحثين في العلوم الإدارية و المالية، كلية الحقوق أكدال، الرباط، 23\11\2012. http://tadbir3omoumi.blogspot.com/2015/04/blog-post_27.html
([2]) الفصل 89 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
([3]) أحمد الشحات، فروق هامة بين الإدارة و السياسة، مقال منشور في موقع:"أنا سلفي"، http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=48814
([4]) صلاح الدين الهيتي و نعمه عباس الخفاجي، تحليل أسس الإدارة العامة "منظور معاصر" دار الياوزري العلمية للنشر و التوزيع، عمان، 2009، ص 29.

دراسة مقارنة بين النظامين الدستوريين الاسباني و المغربي


يعد الدستور أسمى قانون في البلاد، إذ يحتل مركزا متميزا بين القوانين الأخرى السارية المفعول داخل الدولة، و ذلك لكونه يتولى تنظيم علاقات السلطات العامة بعضها ببعض من جهة و عىقاتها بالأفراد و الجماعات من جهو أخرى، فالدستور يحدد وفق التوجهات السياسية لكل دولة، و يختلف باختلاف الأنظمة الدستورية السائدة، فهذه الدساتير لم تأتي بمحض الصدفة و لم تتحقق بين عشية و ضحاها بل جاءت نتيجة عوامل تاريخية و سياسية و اجتماعية و كذا الظروف الدولية التي أثرت بشكل مباشر في الوضع الدستوري للدول بصفة عامة و في العلاقات بين السلط بصفة خاصة، حيث نجد أن المغرب مثلا عرف تحولات و تطورات في جميع المجالات ساهمت بشكل جلي في نظامه الدستوري، إذ شهد المغرب ستة دساتير منذ حصوله على الاستقلال الأمر الذي يعكس حركية المشهد السياسي المغربي، و كذا تغيير العلاقات بين السلط حيث تطلعت الدساتسر الستة إلى تحقيق التوازن بين السلط ممثلة في المؤسسات الدستورية التي تضطلع بممارسة هذه السلط.
و تعد المؤسسات الدستورية بمثابة الركائز التي تقوم عليها في إطار السيادة التي تمارسها، وتبعا لذلك فهذه البنيات المؤسساتية تضم ثلاث ركائز أساسية وهي رئاسة الدولة و البرلمان و الحكومة وتعد رئاسة الدولة عماد هذه المؤسسات إلا أن مؤسسة رئيس الدولة تختلف باختلاف طبيعة النظام السياسي البرلماني و الرئاسي و الملكي . وقد نجد تباين في النظام الواحد كالملكية مثال التي قد تكون مطلقة أو مقيدة يتنازل فيها الملك عن بعض صلاحياته أو ملكية تسود و تحكم كما هو في الشأن في المغرب أو تسود وال تحكم مثل ملك اسبانيا، وهذا ما سنعالجه في هذا المطلب من خلال وضع مقارنة بين الملكية في نظام هذا ألأخير ونظيره المغربي على مستوى صلاحيات كل ملك وعلاقته مع باقي الأجهزة السياسية الأخرى كالحكومة والبرلمان بناءا على الوثيقتين.
المبحث الأول: السلطة التنفيذية في النظامين الاسباني و المغربي 
يتميز النظام السياسي في المغرب بازدواجية السلطة التنفيذية حيث نجدها على غرار الأنظمة البرلمانية و الأنظمة شبه الرئاسية ممثلة في رئاسة الدولة (المطلب الأول) و الحكومة (المطلب الثاني) مع اختلافات بينة في مستوى تقاسم الصلاحيات و الاختصاصات بين المؤسستين.                                                                      
المطلب الأول: رئاسة الدولة
الفقرة الأولى: رئاسة الدولة في النظام الاسباني                                                                                            
تعد رئاسة الدولة مصدر قوة و دفع إلى الأمام و تعتبر و انكماش وتسميته رئيس الدولة أطلقه الدستور الاسباني لسنة 1987 على الملك كما أطلق عليه عبارة التاج وكل من هاته العبارات تستعمل بمعنى واحد و موجود فالأول الملك له طبيعة رمزية و تمثيلية أما الثاني التاج فهو يحتل مرتبة متقدمة في النسيج الدستوري الاسباني باعتبار الحبس الضروري لانجاز العبور الديمقراطي و نجد من بين اختصاصات الملك في المجال التنفيذي:                                          
أولا: تعيين رئيس الوزراء و باقي أعضاء الحكومة
 فهو يقترح المرشح لرئاسة ويعينه وكذا محدد مهامه المنصوص عليها في الدستور في مادة 62 التي تحيلنا ان الملك له سلطة مطلقة في تعيين رئيس الوزراء دون قيد أو شرط إلا أن المادة99 من الدستور تنص انه بعد كل تجديد للكورتيس في مجلس النواب يقترح الملك بواسطة رئيس مجلس النواب مرشحا لرئاسة الحكومة بعد استشارة المجموعات السياسية داخل المجلس                                                           
ثانيا:رئاسة الملك للمجلس الوزاري
 فقد حصر الدستور الاسباني اختصاصات الملك التنفيذية في دور أدبي يتمكن من خلاله توجيه النصح و الإرشاد السلطات العامة للدولة و بالأخص الحكومة دون ان يستند إليه دور في مباشرة شؤون الحكم.
ثالثا: اختصاصات الملك المدنية و العسكرية
حيث منح الدستور للملك القيادة العليا للقوات المسلحة حيت يضمن المشرع  الاسباني حياد المؤسسة العسكرية و اقتصار دورها في الدفاع عن حوزة الوطن و ضمان سلامة ترابه ضمن الحدود المعترف بها دوليا.                                                                                                            
الفقرة الثانية: رئاسة الدولة في النظام المغربي                                                                                               
يعتبر الملك في المغرب رئيس الدولة و ممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة و دوام الدولة و استقرارها و من بين .        
أولا:اختصاصات الملك في المجال التنفيذي
 نجد انه في الفصل 50 يصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال 30 يوم التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه.                                                                                             
كما يرأس الملك المجلس الوزاري الذي يتألف من ر رئيس الحكومة و الوزراء كما يقوم الملك في الفصل 47 من الدستور بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب و على أساس نتائجها و يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.      
ثانيا: الاختصاص الديني للملك
باعتباره أميرا للمِؤمنين فيما يخص التقسيم، فإن إمارة المؤمنين ترتبط في الدستور الحالي بالفصل 41 حيث صلاحية حماية الملة والدين من جهة، ثم ضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية من جهة ثانية، وبهذه الصفة يرأس المجلس العلمي الأعلى الذي يعمل على دراسة القضايا التي تحال إليه والذي يصدر الفتوى الرسمية بشأنها، كما أن إمارة المؤمنين التي تخول الملك إدارة وتسيير الشأن الديني بموجبها تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وعمله بظهير.
ثالثا: اختصاصات الملك في علاقته بالبرلمان
نص الدستور المغربي لسنة 2011 من خلال بابه السادس على علاقة الملك بالبرلمان و التي تدخل في إطار التعاون في مجال التشريع من جهة و علاقة الرقابة من جهة ثانية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مكامن التعاون بين الملك و البرلمان و الآليات المستعملة من طرف الملك للممارسة الرقابة على البرلمان.
يعد الملك المشرع الأسمى في النظام الدستوري المغربي، إذ يتبوأ مكانة بارزة في كل السلطات داخل الدولة، و في مجال التشريع يشكل الملك طرفا رئيسيا، و تظهر صفة المشرع لدى الملك من خلال اختصاصاته و صلاحياته التشريعية سواء في حالة غياب البرلمان أو إبان وجوده.
فإن كان الدستور قد اختص مجلسي البرلمان بالمبادرة التشريعية، فإن الملك يبقى متحكما في مسار العملية التشريعية سواء عن طريق رئاسته للمجلس الوزاري حيث يتولى التقرير في مشاريع القوانين التي يعتزم رئيس الحكومة التقدم بها أما البرلمان، أو عن طريق طلب قراءة جديدة لمقترح القانون قصد إعطاء الأمر بتنفيذه، أي أن مصير المشروع أو الاقتراح يبقى في النهاية مقرونا بإرادة الملك فإما أن يوافق عليه أو يرفضه.
كما يمارس الملك سلطة الرقابة على البرلمان من خلال آلية حله فجدير بالذكر أن حل البرلمان بمقتضى الفصل 51 يدخل في إطار الاختصاصات الممارسة بظهائر التوقيع بالعطف، وهو اختصاص مرتبط بالشروط الواردة في الفصول 96و97 98 ويتعلق الأمر بما يلي:
-         استشارة رئيس المحكمة الدستورية
-         إخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين
-         الحل بظهير يليه خطاب موجه إلى الأمة.
رابعا: الاختصاص الملكي في إطار العلاقة مع السلطة القضائية
 يتجلى هذا الاختصاص في مجال التعيين حيث خول الفصل 19 للملك سلطة الموافقة و إجازة تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى  للسلطة القضائية الذي يتولى رئاسته مما يجعل صيغة الموافقة غير ذات حمولة ما دام يتولى رئاسة المجلس الذي يمارس صلاحية التعيين، كما أنه يفرغ مبدأ فصل السلط المنصوص عليه في الفقرة 2 من الفصل الأول تتجلى عالقة الملك بالسلطة القضائية في علاقته بالمحكمة الدستورية الوارثة الاختصاصات المجلس الدستوري مع تعزيز لصلاحياتها في إطار دستور 2011، وهكذا فإن الملك يتولى سلطة تعيين نصف أعضا المحكمة الدستورية أي 6 أعضاء بموجب المقطع الثالث من الفقرة الأولى من الفصل 130 كما يعين رئيس المحكمة من بينا الأعضاء الذين تتألف منهم المحكمة حيث يمكنه تعيين الرئيس سوا من ضمن الأعضاء الذين عينهم أو من ضمن الأعضاء المنتخبين من طرف مجلسي البرلمان.
خامسا: الاختصاص الملكي في مجال تعديل الدستور
     بمقتضى الفقرة 1 من الفصل 174 فإن الملك هو المخول دستوريا بعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور بظهير مستثنى من التوقيع بالعطف، على الشعب بقصد الاستفتاء.
سادسا: اختصاص الملك في إعلان حالة الاستثناء
يمكن للملك بمقتضى الفصل 59 من الدستور إعلان حالة الاستثناء وقد أورد الفصل الحالات التي يمكن على أساسها اللجوء إلى إعلانها وهي تهديد حوزة التراب الوطني أو وقوع أحداث معرقلة للسير العادي للمؤسسات الدستورية.
     أما شروط إعلان حالة الاستثناء فتتمثل في استشارة رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، رئيس المحكمة الدستورية ثم توجيه خطاب إلى الأمة.
       بمجرد استيفاء شروط إعلانها فإن الملك يصبح مخولا باتخاذ ما يناسب من الإجراءات الهادفة إلى الدفاع عن الوحدة الترابية والرجوع في اقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية، في هذه الحالة لا يحل بها البرلمان إذ يستمر قائما غير أن الملك يصبح مشرعا عاديا ورئيسا للحكومة بمقتضاها مما يعني تعطيل عمل البرلمان.
سابعا: الاختصاص الملكي في المجال الدبلوماسي
 المجال الدبلوماسي بالمغرب يؤطره الفصل 55  من الدستور الذي يجعل من الملك البوابة الحقيقية للعلاقات الخارجية للدولة مع المنظمات الدولية والدول الأجنبية، وهكذا فإن النص الدستوري حافظ على الاختصاص الملكي في اعتماد السفراء لديه واعتماده السفراء لدى الأطراف الدولية، لكن الوثيقة الدستورية الجديدة أضافت بموجب الفصل 49  دور المجلس الوزاري الذي أصبح من ضمن اختصاصاته التداول في تعيين السفراء باقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني وهو وزير الخارجية في هذا السياق.
ثامنا: الاختصاص الملكي في المجال العسكري
 يتم إسناد مهمة القيادة العليا للجيش في أغلب الأنظمة إلى رئيس الدولة بحيث يخول له الدستور قيادة القوات المسلحة وكذا صلاحية إعلان الحرب مع اشتراط احترام بعض الشروط كاستشارة أو موافقة البرلمان،وسيرا على هذا النهج فإن الدساتير المغربية السابقة في الفصل 30 ودستور 2011 الفصل 53 خولت للملك سلطة رئاسة القوات المسلحة     الملكية،والملاحظ أن النص حافظ على نفس الصياغة بحيث اسند مهمة الرئاسة بالإضافة إلى التعيين في الوظائف العسكرية. الحكومة في النظام السياسي المغربي.
إن المقارنة بين النظامين من حيت مسالة مسؤولية رئاسة الدولة فان الأمر متشابه في كل من المغرب و اسبانيا إذ ينص الدستور على حصانة الملك و التي تكمن في عدم إمكانية مساءلته.
أما على مستوى الاختصاصات فالملك في المغرب يتميز بسلطات واسعة عكس الملك في اسبانيا فهو مقيد في اختصاصاته  حيث كونه يسود و لا يحكم و الاختصاصات التي يمارسها لا تعدو ان تكون شكلية ولا بد من موافقة الكورتيس عليها أولا.                                                                                            
المطلب الثاني: الحكومة
الفقرة الأولى: الحكومة في النظام الاسباني                                                                                                
 يكاد الدستور الاسباني لا يختلف عما هو شائع في النظم البرلمانية المعاصرة من حيت وظائف الحكومات إذ تستند إلى الحكومة الوظيفية التنفيذية كما تقود الحكومة في النظام الاسباني السياسة الداخلية و الخارجية للدولة و الإدارة المدنية و العسكرية و الدفاع الوطني و اعدد مشروع الميزانية العامة للدولة و تتجسد عملية تشكيل الحكومة في اسبانيا في مرحلتين مختلفتين تماما.                                                                                                                    
المرحلة الأولى:يعرض المرشح لرئاسة الحكومة برنامجه المتعلق بالحكومة برنامجه المتعلق بالحكومة على المجلس النواب للنضر فيه.
المرحلة الثانية:يقترح الرئيس على الملك بعد حصوله على ثقة المجلس و تعيينه من جانب الملك تعيين  الوزراء و هدا الواقع إلى جانب توجيه عمل الحكومة يبرز ان منصب رئيس الحكومة في التنظيم الداخلي للسلطة التنفيذية.                                   
الفقرة الثانية: الحكومة في النظام المغربي
في ما يخص صلاحيات و اختصاصات الحكومة في النظام المغربي وفق المنظور الجديد الذي جاء به دستور 2011 فان الحكومة تتألف مع رئيسها و الوزراء و يمكن ان تضم كتابا للدولة. و عليه بعد تعيين جلالة الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلس البرلمان مجتمعين و يعرض البرنامج الذي تعتزم تطبيقه.                                                          
فالحكومة المغربية تمارس هي الأخرى السلطة التنفيذية و تعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي و على ضمان تنفيذ القوانين.                                                                                                                                          
و في ما يخص صلاحيات و اختصاصات المخولة لرئيس الحكومة فقد منحه الدستور الجديد التعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية و في الوظائف السامية في المؤسسات و المقاولات العمومية و دلك دون إخلال بأحكام الفصل 49 من الدستور. كما تم توسيع في اختصاصات السلطة التنفيذية همت أيضا تحويل المجلس الحكومي في حق التداول في القضايا و النصوص التالية.
-         السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري                                                                                   
-         السياسات العمومية و القطاعية                                                                                                                 
-         طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها                                                                       
-         القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان و بالنظام العام                                                                                      
-         مشاريع القوانين كمشروع المالية                                                                                                              
-         مشاريع المراسم التنظيمية                                                                                                                      
-         المعاهدات و الاتفاقيات الدولية                                                                                                                 
و بالتالي فان المقارنة بين كل من النظامين الاسباني و المغربي من حيت السلطة التنفيذية للحكومة تتجلى في أن الملك في المغرب لديه سلطة مطلقة في تعيين الحكومة.
 في حين ان المادة 64 من الدستور الاسباني تنص على ان الملك يقترح و يعين رئيس الحكومة و كدا أعضائها بعد موافقة رئيس الكورتيس و مشاورة ممثلي المجموعات السياسية ذات التمثيل  البرلماني، كما ان الملك في اسبانيا لا يترأس جلسات المجلس الوزاري إلا بطلب من وزير الدولة عكس الملك في المغرب.                       
        المبحث الثاني: السلطة التشريعية و القضائية في كل من النظامين.
المطلب الأول: السلطة التشريعية في النظام الاسباني
ممارسة السلطة التشريعية للدولة الاسبانية منوط بالبرلمان الذي يمثل الشعب الاسباني و يراقب عمل الحكومة و هو معروف باسمcontes générales  (كورتيس خينراليس) أي المحاكم العامة و هو يتألف من مجلسين. مجلس الشيوخ و مجلس النواب و هدا الأخير ينفرد بممارسة جزء كبير من مهام البرلمان عن طريق تعيين استعراض جميع مشاريع و مقترحات القوانين فيما يمارس مجلس الشيوخ حق الاعتراض الفيتو على النص الذي يصوغه مجلس النواب أو حق طلب تعديله مع احتفاظ مجلس النواب بسلطة اتخاذ القرار النهائي بشأنه بعد إعادة النضر فيه و بالتالي فالبرلمان الاسباني يمثل السلطة التشريعية و يمتلك سلطة سن القوانين و تعديلها كما له سلطة تنقيح  الدستور و تنصيب و عزل رئيس الحكومة .
المطلب الثاني: السلطة التشريعية في النظام المغربي
النظام المغربي شبيه بالنظام الاسباني ، فالبرلمان هو الأخر مصدر السلطة التشريعية بامتياز لا تنازعه فيها لا حكومة و لا رئيس الدولة فهو يصوت على القوانين و يراقب عمل الحكومة و يقيم السياسات العمومية كما فوضت له مجموعة من الاختصاصات:
-           قانون المالية.
-          التخطيط.
-         القوانين التنظيمية.
-         مشروع تعديل الدستور.   
المبحث الثالث:السلطة القضائية في النظام الاسباني و المغربي   
المطلب الأول: السلطة القضائية في النظام الاسباني                                                                                         
حسب المادة 117 من الباب السادس من الدستور الاسباني المتعلق بالسلطة القضائية فان العدالة تنبع من الشعب و تطبق بسم المالك من طرف قضاة السلطة القضائية و موظفوها القضائيين و لا بد من هدا السياق من إبراز وحدة الاختصاص القضائي في المقام الأول دلك بان إقامة العدل من اختصاص جهاز واحد من القضاة و الموظفين القضائيين و هو المجلس العام للسلطة القضائية الذي يعتبر هيئة إدارة القضاة و الموظفين القضائيين و يتألف من رئيس المحكمة العليا الذي يترأس المجلس و 20يعينهم الملك باقتراح من البرلمان تشترط فيهم 12 عضوا صفة القاضي أو الموظف القضائي هدا فيما يخص النظام الاسباني.
المطلب الثاني: السلطة القضائية في النظام المغربي
أما فيما يتعلق بالسلطة القضائية بالمغرب فحسب الفصل 107 من الدستور فهي مستقلة عن السلطة التشريعية و التنفيذية و الملك هو الضامن لاستقلالها حيت تصدر الأحكام باسم الملك و يعين هدا الأخير ا لقضاة باقتراح من المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يرئسه الملك و الذي يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص تعيينهم و تقاعدهم و تأديبهم كما يضع تقارير حول منظومة العدالة كما يصدر بطلب من الملك أو الحكومة و البرلمان أراء مفصلة تتعلق بسير القضاة مع مراعاة مبدأ فصل السلط.  
المبحث الرابع: الجهوية في النظامين الاسباني و المغربي 
تكمن أهمية الجهوية عند دراستنا للأنظمة الدستورية باعتبارها مدخلا للانتقال الديمقراطي في العديد من الدول الأوروبية التي عانت من الحكم الشمولي كألمانيا و إيطاليا و البرتغال، و خاصة الجارة إسبانيا،[1] و بالرغم من الاختلاف بين التجربة الجهوية الإسبانية و المغربية من حيث السياق التاريخي الذي تبلورت فيه، إلا أن توجه المغرب نحو اعتماد الجهوية كأساس لتنظيمه الإداري يخدم بلا شك عملية التطور الديمقراطي[2] أو ما يصطلح عليه بالمسلسل الديمقراطي.
و من هذا المنطلق تتحدد أهمية القيام بمقاربة للتجربتين من خلال دراسة مقارنة تستند على الوثيقتين الدستوريتين للبلدين الجارين، و ذلك بالتطرق إلى السياق التاريخي (المطلب الأول) ثم إلى الضمانات الدستورية للجهة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: السياق التاريخي للجهوية في المغرب و إسبانيا
الفقرة الأولى: السياق التاريخي للجهوية الإسبانية
تبلورت الجهوية الاسبانية في سياق تقسيم السلطات لضمان التوازنات السياسية لعدم العودة إلى الدكتاتورية مرة أخرى، فالإرث الذي خلفه نظام فرانكو جعل النخبة السياسية الاسبانية تربط بين الدكتاتورية و الدولة الموحدة المركزية، لهذا جعلوا من اللامركزية مدخلا لتحقيق الديمقراطية و ضمانا لاستمراريتها.
و تبني اللامركزية في اسبانيا شكل بدوره أرضية نقاش و خلاف بين دعاة الفيدرالية و دعاة الدولة الموحدة، ففي الوقت الذي رأى فيه التيار الرافض للدولة الموحدة أن هذا المعطى شكل تهديدا للديمقراطية و مقدمة للعودة إلى الدكتاتورية ، رأى الاتجاه الآخر في الفدرالية إضعافا للدولة و عدم مراعاة المطالب الشعبية، و قد حسمت الوثيقة الدستورية هذا الصراع من خلال تبني نظام جهوي يقع بين النظام الفدرالي و بين الدولة الموحدة حيث بقيت اسبانيا دولة موحدة مع تمتع المجموعات المستقلة سلطات هامة على المستويات: التشريعية، التنفيذية، و القضائية، و حتى المالية.
الفقرة الثانية: السياق التاريخي للجهوية المغربية
عرف المغرب التقسيم الجهوي منذ عهد الحماية، و أخذت طابعا أمنيا محضا بسبب سعي الاستعمار بسط نفوذه و هيمنته على جميع أرجاء التراب الوطني، و في هذا السياق عملت سلطات الحماية على تقسيم المغرب إلى جهات عسكرية[3] و أخرى مدنية[4].
و بعد الاستقلال احتفظ المغرب بالتنظيم الجهوي الموروث عن الاستعمار إلى غاية 1971 حيث أصدر ظهير 171.77 بتاريخ 16/06/1971 المحدث للجهات و ظهرت وفقه 7 مناطق جهوية ذات طابع اقتصادي.
 و نتيجة لفشل هذه التجربة أولى المغرب أهمية قصوى للجهة تجسدت واقعيا من خلال الإصلاح الدستوري لسنوات 1992 و 1996 الذي جعل من الجهة وحدة ترابية معترف لها بالشخصية المعنوية و بالاستقلال المالي و الإداري لكنها ظلت خاضعة في تدبيرها لسلطة العمال الشيء الذي جعل منها مجرد مؤسسة من مؤسسات اللاتركيز الإداري قبل أن تصبح جماعة ترابية تمثل لا مركزية حقيقية.
المطلب الثاني: الضمانات الدستورية للجهة بإسبانيا و المغرب
الفرع الأول: الجهوية الاسبانية وفق دستور 1978
شكل الدستور الاسباني لسنة 1978 محطة تاريخية مهمة في مسار إسبانيا، حيث جعل منها دولة اجتماعية ديمقراطية قائمة على القانون، تؤمن و تدافع عن الحرية، العدالة، المساواة، و التعددية السياسية كقيم عليا لنظامها، كما نظم التقطيع الترابي بشكل متميز وفق خصوصيات كل إقليم على حدة ، حيث جعل من المجموعات المستقلة وحدات تتمتع بالاستقلال الذاتي في تسيير مصالحها وفقا لقانونها الأساسي التي تسهر بنفسها على تشريعه قبل الموافقة عليه من طرف السلطة المركزية، و يبقى إنشاء المجموعات المستقلة رهين بإرادة ذاتية للبلديات و المحافظات الاسبانية دون تدخل من الإدارة المركزية للدولة.
الفقرة الأولى: اختصاصات المجموعات المستقلة الإسبانية
في مجال تنظيم الاختصاصات حصر الدستور الاسباني اختصاصات الحكومة المركزية في الفصل 149 في حين حدد اختصاصات المجموعات المستقلة في الفصل 148 و مكن هذه المجموعات من ممارسة اختصاصات تفوق تلك المحددة على أن لا تتعدى اختصاصات الدولة، و هذا معناه أن صلاحيات المجموعات المستقلة لم ترد على سبيل الحصر بل أطلق الدستور لهذه المجموعات حرية ممارسة كافة الصلاحيات ما عدا تلك التي تدخل ضمن اختصاصات الدولة، و في هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة الدستورية الاسبانية بتاريخ 30/11/1982 يؤكد الحدود التي لا ينبغي للبرلمان المحلي للمجموعات المستقلة تجاوزها، و هي: ضمان وحدة الشروط الأساسية لممارسة الحقوق، و التنقل الحر للممتلكات في كافة تراب الدولة، ثم الوحدة الاقتصادية و وحدة القضاء.[5]
لذلك تنحصر اختصاصات المجموعات المستقلة في المجالين التشريعي و الإداري:
الفقرة الثانية: الجهوية المغربية وفق دستور 2011
الفرع الثاني: أوجه التشابه و الاختلاف في النظام الجهوي المغربي و الاسباني
يعتبر النموذج الجهوي الاسباني من أرقى التجارب في الدول الغربية الحديثة، لأنها لا تقوم على استقلالية الجهة تجاه السلطة المركزية فقط، بل تمثل الجهة بإسبانيا سلطة سياسية موازية تقوم على أساس انتخاب أجهزتها بالاقتراع المباشر، هذا فضلا عن توفرها على سلطة تشريعية و قضائية مضمونة دستوريا، لا يحدها سوى السيادة الرمزية للدولة الاتحادية، و عموما فالجهوية الاسبانية هي استجابة نوعية لضرورة التوفيق بين التعددية السياسية و الثقافية و العرقية من جهة، و من جهة أخرى تعد أساسا للاندماج الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و التضامن الوطني المتكامل، لأن الفلسفة التي بني عليها النموذج الجهوي الإسباني تسمح بخلق تعايش سياسي عمودي بين سلطة المركز و سلطات المحيط.
أما في المغرب، فلا تزال تجربة الجهوية في خطواتها الأولى، تقتصر على ما هو إداري و في شكل محدود، بالرغم من تقلص دور سلطات الوصاية في علاقتها مع الجهة بحيث أصبحت هذه الأخيرة جهازا لامركزيا حقيقيا.
و سنحاول في هذا الفرع تبيان أوجه التشابه و الاختلاف بين الجهة المغربية و نظيرتها الاسبانية.
الفقرة الأولى: الجهوية بين اللامركزية و عدم التركيز
اتخذت الجهوية في المغرب في ظل دستور 2011 شكل الجهوية المتقدمة متجاوزة شكل عدم التركيز المحاكي للوضعية الفرنسية لما قبل صدور قانون 1982، و الذي أطره الفصل 102 من دستور 1996.
أما الجهوية الإسبانية فقد اتخذت منذ البداية شكل لامركزية موسعة تتمتع في ظلها المجموعات المستقلة بصلاحيات واسعة على الصعيد المالي و الإداري و القضائي و التشريعي
الفقرة الثانية: أساس شرعية الجهوية
أولا: الشرعية القانونية
بخصوص الأساس القانوني لشرعية الجهوية بالمغرب، فهو يقوم على أساس القواعد الدستورية و القوانين التنظيمية على خلاف ما كانت عليه الجهة في ظل دستور 1996 و القانون رقم 47.96 حيث اختص التشريع العادي بوضع قواعد الجهوية سواء تعلق الأمر بتنظيمها أو باختصاصاتها أو بمواردها المالية و البشرية، و بالتالي فالجهات أصبحت تمارس اختصاصات إدارية استنادا إلى دستور 2001 و القانون التنظيمي 111.14 الذي ينص على أن المجالس الجهوية تدبر أمورها بشكل حر وفقا للشروط المحددة في القانون.
لهذا فإن الأساس القانوني للجهوية يسمح بإعطاء سلطات حقيقية و استقلال نسبي تجاه السلطة المركزية.
أما بالنسبة للتجربة الإسبانية فإن المجموعات المستقلة تتمتع باستقلالية حقيقية تجاه السلطة المركزية.
ثانيا: الشرعية الديمقراطية
بالنسبة لانتخاب أعضاء المجلس الجهوي في المغرب فالطريقة المعتمدة للاقتراع هي الاقتراع العام السري و المباشر و التي عوضت طريقة الاقتراع غير المباشر، و هذا النظام الانتخابي يجسد التمثيل الحقيقي للمواطنين المحليين.
أما إسبانيا فقد عرفت هذا النظام منذ البداية.
خاتمة.                                                                                                                                           
رغم تشابه النص بين الدستور الاسباني و المغربي من حيت طبيعة و شكل النظام إلا ان اختلافا كبيرا يوجد بينهما من حيت تماثل القواعد و تطابق الممارسة.                                                                                                               
ان الفارق بين المملكتين يكمن أساسا في مدى الفصل بين السلطات و مبدأ التمثيلية و مبدأ الشرعية السياسية و اللعبة البرلمانية.
فالنظام الدستوري المغربي يجمع بين خصائص النظام الرئاسي فيما يتعلق باختصاصات رئيس الدولة و نضام برلماني معقلن من زاوية العلاقة بين البرلمان و الحكومة . كما ان الدستور الاسباني يقر صراحة و لا رجعة في العلاقة بين الدين و الدولة بناء على نضام علماني عكس ما تجده في الدستور المغري من خلال الفصل 3 الذي يعتبر ان الإسلام الدولة و الفصل 41 الذي يقرأن رئيس الدولة كونه أمير المؤمنين و هذا مالا نجده في الأنظمة السياسية المقارنة.       


قائمة المراجع

-          رشيد لزرق، باحث في العلوم السياسية، الجهوية الموسعة و السياق التاريخي، الحوار المتمدن، 28/09/2010
-          أحمد أبو عاشق، عضو اللجنة الاستشارية للجهوية، ندوة الجهوية المتقدمة و الحكامة الترابية / جامعة عبد المالك السعدي و جامعة الأندلس الدولية، تطوان 26/03/2015.
-          مرسوم 20/12/1935 المنظم للمناطق العسكرية (فاس، مراكش، مكناس)
-          مرسوم 29/09/1935 خاص بالمناطق المدنية ( وجدة، الرباط، الدار البيضاء)
-           صلاح المستف، الجهة بالمغرب، رهان جديد لمغرب جديد، المنشورات الجامعية المغربية، الطبعة الأولى، مراكش 1993.


[1]  رشيد لزرق، باحث في العلوم السياسية، الجهوية الموسعة و السياق التاريخي، الحوار المتمدن، 28/09/2010
[2]  أحمد أبو عاشق، عضو اللجنة الاستشارية للجهوية، ندوة الجهوية المتقدمة و الحكامة الترابية / جامعة عبد المالك السعدي و جامعة الأندلس الدولية، تطوان 26/03/2015.
[3]  مرسوم 20/12/1935 المنظم للمناطق العسكرية (فاس، مراكش، مكناس)
[4]  مرسوم 29/09/1935 خاص بالمناطق المدنية ( وجدة، الرباط، الدار البيضاء)
[5]  صلاح المستف، الجهة بالمغرب، رهان جديد لمغرب جديد، المنشورات الجامعية المغربية، الطبعة الأولى، مراكش 1993، ص 30.