الخميس، 8 أغسطس 2019

الشأن الديني في المغرب على ضوء دستور 2011

مقدمة
يعتبر تدبير الشأن الديني من القضايا الحساسة في الساحة المغربية، كما هو على امتداد الساحة العربية والإسلامية، ويكتسي في المغرب حساسية أكبر، نظرا لطبيعة الدولة المغربية التي تشكل الهوية الدينية والأصالة التاريخية أحد أهم مرتكزاتها، حيث ينص الدستور على إسلامية الدولة، ويعتبر الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين.[1]
فتدبير الشأن الديني بالمغرب منوط بإمارة المؤمنين بمقتضى عقد البيعة، و باعتبار صاحب الجلالة الملك محمد السادس هو رئيس الدولة وفي نفس الوقت أمير المؤمنين والساهر على "حفظ الكليات الخمس المتمثلة في حماية الدين والنفس والنظام العام والأموال والعرض" [2]،
فالمملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة. وتتميز الهوية المغربية بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها. مع التشبث بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار.[3]
وتستند الأمة في حياتها العامة على الثوابت الجامعة والتي تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي. والإسلام دين الدولة والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.[4]
ولا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، و لا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي أو بالمبادئ الدستورية أو الأسس الديمقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة. [5]
و الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. ويرأس المجلس العلمي الأعلى. ويمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين والمخولة له حصريا بواسطة ظهائر.[6]
وإذا كان احترام الدستور من المقاصد الكبرى لسيادة الدولة فإن الملك يعين ستة أعضاء من مكونات المحكمة الدستورية من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين.
فمن خلال ما سبق يمكن اعتبار أن الشأن الديني في المغرب يقوم على العديد من المرتكزات (المبحث الأول) و المؤسسات (المبحث الثاني).
المبحث الأول: المرتكزات التي يقوم عليها الشأن الديني بالمغرب
لقد نص الدستور المغربي على العديد من المرتكزات يمكن إجمالها في: إسلامية الدولة (المطلب الأول)، مناهضة التطرف (المطلب الثاني)، فصل الدين عن السياسة ( المطلب الثالث)، و حفظ الدين (المطلب الرابع)
المطلب الأول: إسلامية الدولة
بالمقارنة مع دستور 1996 يمكن القول أنه لم يطرأ أي تغيير على مستوى الصياغة، فصيغة دستور 1996 تؤكد في التصدير أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، وهي نفس الصياغة التي اعتمدت في دستور 2011 بفارق جوهري هو التنصيص في دستور 2011 على ان التصدير يعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور، وهو ما لم يتم التنصيص عليه في دستور 1996 وهو تحول مهم لجهة تعزيز الطابع الإسلامي للدولة الإسلامية .
المطلب الثاني: مناهضة التطرف
نص الدستور على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان، و يعتبر هذا النص بالإضافة إلى نصوص أخرى وردت في الدستور المغربي لسنة 2011[7] الإطار القانوني المرجعي للحيلولة دون انزلاق الأفراد و الجماعات إلى الميول المتطرفة، و في هذا الصدد اعترف تقرير الخارجية الأمريكية بأهمية الإطار القانوني المغربي في تعزيز حرية الرأي وحرية التدين خصوصا دستور 2011 ودور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تأطير الأئمة والخطباء و المرشدين ، بما يجعلهم لا ينتجون خطابات تحريضية أو خطاب الكراهية، ويثمن التقرير أيضا أن الفتوى لا يصدرها إلا المجلس العلمي الأعلى وبأن القانون يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي. مع الإشارة إلى أن الإطار القانوني لا يمنع أحزابا تميل نحو المرجعية الإسلامية، وبأن الجمعيات والحركات الدينية المغربية يلزمها الترخيص لجمع التبرعات بشكل عمومي وعلني وأن الجمعيات التي تهدف إلى التهجم على الإسلام أو إلى زعزعة العقيدة مرفوضة وأن القانون يمنع الإفطار العلني في رمضان.[8]
المطلب الثالث: فصل الدين عن السياسة
حرصا منه على ضمان فصل الدين علن السياسة و عدم إقحام الدين في الشأن السياسي أو تبرير القرارات و المواقف السياسية تبريرا دينيا الشيء الذي قد يضفي طابع الصراع الديني على قضايا ليست دينية، و تفاديا لعد استغلال الدين في غير محله، عمد المشرع الدستوري المغربي من خلال الوثيقة الدستورية لسنة 2011 على النص صراحة على أنه: (لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان) الفقرة 4 من الفصل 7.
كما أحدثت الوثيقة الدستورية تحولا جوهريا لجهة استقلالية الديني عن السياسي بالنسبة للمؤسسة الملكية، وقد تم هذا التحول الدستوري بانشطار الفصل 19 الذي كان يؤسس لنسق تراتبي عمودي في الجهاز الإداري للسلطة يتقاطع فيه الديني والسياسي ويسمو فيها الأول عن الثاني، إلى الفصلين 41 و 42 حيث صار كل من الديني والسياسي يستقل بنظام اشتغال محدد، وبالتالي فان دستور 2011 يؤسس لنسق تماثلي أفقي يجعل من المؤسسة الملكية محوره الناظم. فلم تعد إمارة المؤمنين تعلو عل سلطة الملك الدستوري بل موازية لها ومستقلة عنها في نطاق اشتغالها.
المطلب الرابع: صيانة الدين
سن الدستور المغربي لسنة 2011 مقتضيات جديدة تمنع المساس بالدين الإسلامي كما في الفصل السابع الذي يمنع تأسيس الأحزاب التي يكون من بين أهدافها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي...
كما نص الفصل 64 على انه لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ماعدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك.
و نص الفصل 175 على أنه لا يمكن أن تتناول مراجعة الدستور الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور.
من جهة أخرى وضع الدستور المغربي الجديد حدودا للمعاهدات الدولية لجعلها تسمو على المواثيق الوطنية، و من بين هذه الحدود الهوية الوطنية الراسخة،[9] التي يعتبر الإسلام من أهم مقوماتها، و يمارس المغرب حق التحفظ الذي يكفله القانون الدولي بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة سنة 1969 على بعض البنود التي يرى، من وجهة نظره، أنها لا تتوافق و أحكام الشريعة الإسلامية[10]، ويشرح المدير التنفيذي للمركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والدولية محمد فقيهي هذا الموقف مشيرا إلى أن المواثيق الدولية تسمو على القوانين الداخلية للمغرب ما لم تكن مقتضياتها تتعرض و مقومات الدولة المغربية[11].
المبحث الثاني: المؤسسات الدينية بالمغرب
ينص الفصل 41 من الدستور على ان : (الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.
ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.)
فالحقل الديني يقوم على بنية مؤسساتية تضم إمارة المؤمنين كمؤسسة رئاسية والمجلس العلمي الأعلى كهيئة تشريعية في القضايا الدينية عبر ممارسة الإفتاء.[12]
و بالتالي يتضح جليا أن الشأن الديني في المغرب يتمثل في مؤسستين دستوريتين هما: مؤسسة إمارة المؤمنين ( المطلب الأول) و مؤسسة المجلس العلمي الأعلى (المطلب الثاني)
المطلب الأول: إمارة المؤمنين
يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر.
فدستور 2011 قد أفصح عن فلسفة جديدة في تناول إمارة المؤمنين، فلسفة تتماهى مع منطق الدولة الحديثة دون الانسلاخ عن الخصوصية الثقافية للبلد ، فهو نسق تماثلي لأنه صار يشتمل على نظامين واحد ديني والأخر سياسي لكل منهما فلسفته الخاصة في تدبير برامجه وإدارة مؤسساته، وهو أفقي لان لكل من النظامين مرجعه الخاص، إمارة المؤمنين بالنسبة للديني والملكية الدستورية بالنسبة للسياسي، وذلك وفق حقلين متوازيين، مما يحول دون استعلاء أحد النظامين على الأخر.
لقد تبلور كل ذلك في تجربة الحكم التي قادها الملك محمد السادس منذ 1999، وخصوصا بإطلاق عملية إصلاح الحقل الديني سنة 2003، قبل أن يكرسها التعديل الدستوري لسنة 2011 في القانون الأسمى للدولة في تزامن مع وصول موجة ما سمي بالربيع العربي للشارع المغربي والذي جعل من فصل الدنيوي عن الديني من أبرز مطالبه.
المطلب الثاني: المجلس العلمي الأعلى
يكاد يُجمع المراقبون على أن أهم حدث يمكن تسجيله ضمن مكاسب الشأن الديني في المغرب ، هو النص على دسترة المجلس العلمي الأعلى، وهي أعلى مؤسسة علمية رسمية في البلاد، تعنى بالإفتاء ويترأسها الملك، وتضم في عضويتها 47 عالما وعالمة.
ونص الدستور الجديد، الذي صادق عليه المغاربة بشكل كثيف في الفاتح من شهر يوليو المنصرم، على أن المجلس العلمي الأعلى مؤسسة دستورية يرئسها الملك، ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى في موضوع القضايا التي تحال عليه، انطلاقا من مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة.
وأتاح الدستور الجديد لشريحة العلماء أن يكون لهم حضور وازن في العديد من المؤسسات الدستورية الأخرى، حيث يمكن لهم أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفي المحكمة الدستورية، وفي مجلس الوصاية أيضا، وفق بنود دستور عام 2011.
ويرى متتبعون أن دسترة المجلس العلمي الأعلى جاءت لتواكب ما تستوجبه مؤسسة إمارة المؤمنين من مقتضيات دستورية معينة، بهدف ترسيخ مكانة الدين الإسلامي عند المغاربة، الشيء الذي اعتبره الكثير من المراقبين خطوة إيجابية، في أفق إنزال المكانة اللائقة بفئة العلماء الذين يضطلعون بأدوار التوجيه والإصلاح والتجديد في المجتمع.[13]
[1] سعد الدين العثماني، تدبير الشأن الديني بالمغرب ملاحظات و مقترحات، جريدة التجديد، 05/11/2008

[2] أحمد النوفيق، وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية، تدبير الشأن الديني بالمغرب، الموقع الالكتروني للوزارة، 4 أبريل 2016. http://www.habous.gov.ma/

[3] تصدير دستور المغرب لسنة 2011

[4] الفقرة 3 من الفصل 1 من دستور 2011

[5] الفقرة 4 من الفصل 7 من دستور 2011.

[6] الفصل 41 من دستور 2011

[7] الفقرة 3 من الفصل 1: (تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي). الفصل 3 ( الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية).

[8] المركز المغربي للدراسات و الأبحاث المعاصرة، تقرير الحالة الدينية في المغرب 2013-2015، جريدة جديد بريس 20/04/2016 http://www.jadidpresse.com/

[9] تنص الفقرة ما قبل الأخيرة من تصدير الدستور المغربي لسنة 2011 على (جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، و في نطاق أحكام الدستور، و قواعد المملكة، و هويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، و العمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة).

[10] المادة 2 من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة و التي عبر عن استعداده لتطبيق أحكامها بشرط ألا تمس متطلبات الدستور التي تنظم قواعد وراثة عرش المملكة المغربية و ألا تتعرض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

[11]

[12] محمد بوشيخي، إمارة المؤمنين و الحقل الديني في ضوء دستور 2011، موقع إسلام مغربي، 8 مارس 2013. http://www.islammaghribi.com/

[13] حسن الشرف، منجزات و عثرات الحقل الديني المغربي، موقع إسلام أون لاين، 28/12/2011 http://islamonline.net/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق