تقديم
عرف المرفق العام تطورات و تحولات كبيرة نتيجة، من جهة، لتطور
الأدوار المنوط بالدولة القيام بها في إطار ما عرف بالدولة المتدخلة التي امتدت
نشاطاتها لتشمل قطاعات و مجالات كانت حكرا على المبادرات الفردية خاصة ما يتعلق
منها بالمجالين الاقتصادي و الاجتماعي، ومن جهة أخرى للتحول الذي عرفه النظام
العالمي في المجالات الاقتصادية و السياسية والتكنولوجية فيما أصبح يعرف بالعولمة
، مما طرح مجموعة من التحديات و الرهانات على الدولة و المرفق العام.
و قد أنتج هذا التطور تنوعا في المرافق العامة بحيث
انضافت إلى جانب المرافق العامة الإدارية مرافق ذات طبيعة صناعية و تجارية، فهذه
الأخيرة بالإضافة إلى الدور الذي قامت به في تلبية حاجيات المجتمع و إشباعها شكلت
صرحا عتيدا للدول انطلقت من خلاله إلى بناء اقتصاديات قوية مستفيدة من إمكانياتها
الضخمة و التي لم تكن لتتوفر للقطاع الخاص إلا بعد سنوات طويلة من تطور العلاقات
التجارية و الصناعية و آليات تفعيل تلك
العلاقات على الصعيد المحلي و الدولي.
و هكذا أصبح المرفق العام تمظهرا للإدارة سواء على مستوى
النشاط أو التنظيم، فالمرفق العام و من خلال التعريف الذي اتفق عليه غالبية الفقه
و الذي اعتبره نشاطا صادرا عن منظمة يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة تحت إشراف الدولة
يحيلنا إلى مكونات القانون الإداري و اللذان هما النشاط و التنظيم الإداريين، فإذا
كان القانون الإداري هو المرجع القانوني الذي يحتكم إليه المرفق العام كقاعدة
عامة، فإن التطور الذي عرفه المرفق العام رسخ استثناء على هذه القاعدة بحيث أصبح
القانون الخاص أيضا حاكما للمرفق العام في بعض معاملاته و تخصصاته.
و ما دام المرفق العام عبارة عن نشاط و تنظيم و ما دام
أيضا مظهرا للإدارة فمن المؤكد أنه يخضع إلى تخصصات العلوم الإدارية كعلم التدبير
و سوسيولوجيا الإدارة و علم الاقتصاد السياسي و غيرها، في المجالات المختلفة
كالتخطيط، التنسيق، الإشراف، التنظيم، إدارة الأعمال، إدارة المشروعات، الإدارة
العامة، الإدارة الصناعية، المحاسبة، الإحصاء، نظم المعلومات الإدارية، الإدارة
المالية... و هي التخصصات التي استندت عليها الإدارة العصرية في المشروعات الخاصة
لتمتد إلى المشروعات العامة ما دامت الدولة و من خلال مرافقها العامة قد خاضت في
القطاع الاقتصادي و أصبح القطاع العام ركيزة الاقتصاديات الوطنية إلى جانب القطاع
الخاص.
فالاعتماد على العلوم الإدارية قد أتاح بلا شك إمكانية
تأهيل و تحديث المرافق العامة من خلال استخدام تقنياتها و أدواتها لمعالجة حالات
الخسارة و الإخفاق و تعزيز حالات النجاح و الربح ([1]).
و مما لا شك فيه، أن تحديث المرفق
العام يتطلب تحديث أساليب التدبير و الأداء و تحديث وسائل التواصل مع المرتفقين
إضافة إلى تحديث تدبير الموارد البشرية و الأساليب التقنية و تحديث وسائل الرقابة
و الافتحاص و هذه المجالات كلها تشكل مادة للعلوم الإدارية، فكيف يتجلى دور هذه
العلوم في تحديث المرفق العام؟
هذا ما سنعالجه من خلال التصميم
التالي:
المبحث الأول : العلوم الإدارية
ودواعي تحديث تدبير المرفق العمومي
المطلب الأول: دواعي تحديث
التدبير العمومي وتجاوز اختلالا ته
الفقرة الأولى: تطور دور الدولة و
إكراهات العولمة
الفقرة الثانية : تعاظم تحديات
و رهانات المرفق العام
الفقرة الثالثة : تغير مشروعية
المرفق العام
المطلب الثاني : دور العلوم
الإدارية في تأهيل المرفق العام
الفقرة الأولى: علم التدبير و
تجاوز اختلالات تسيير المرفق العام
الفقرة الثانية : سوسيولوجية الإدارة ودورها في تحديث المرفق
العام
الفقرة الثالثة : الاقتصاد السياسي و تجديد أدوار المرفق العام
المبحث الثاني: العلوم الإدارية و
دورها في التأسيس لنموذج جديد لتحديث تدبير المرفق العام بالمغرب
المطلب الأول :محددات التدبير العمومي الجديد للمرفق
العام بالمغرب
الفقرة الأولى : اللاتمركز كآلية
لتحسين تدبير المرفق العام بالمغرب
الفقرة الثانية : تغيير منظور
علاقة الإدارة بالمرتفقين
الفقرة الثالثة : الإدارة
الإلكترونية و ترسيخ مبدأ الشفافية
المطلب الثاني : مقاربات
التدبير العمومي الجديد وتحديث المرفق
العام بالمغرب
الفقرة الأولى: تطوير التدبير
المالي و رهان تحديث المرفق العام
بالمغرب
الفقرة الثانية: تأهيل العنصر البشري ضمانة أساسية لتحديث
المرفق العام
الفقرة الثالثة : تحديث أنظمة
الرقابة و نجاعة التدبير العمومي.
المبحث الأول : العلوم الإدارية ودواعي تحديث
تدبير المرفق العمومي
ساهمت العلوم الإدارية بشتى
حقولها في النهوض بآليات تدبير المرفق العام (المطلب الثاني)، وذلك نتيجة
الاختلالات التي عرفها التدبير العمومي التقليدي و انسجاما مع التحولات التي
يعرفها دور الدولة في ظل العولمة و إكراهاتها ( المطلب الأول)
المطلب الأول: دواعي تحديث التدبير العمومي وتجاوز اختلالا ته
إن التحولات التي عرفتها الدولة
في وظائفها و أدوارها من جهة ، و الإكراهات التي باتت تفرضها العولمة من جهة أخرى
(الفقرة الأولى) أصبحت تفرض تحديات اقتصادية و اجتماعية وتكنولوجية على المرفق العام(الفقرة الثانية) مؤسسة بذلك
لمشروعية جديدة للمرفق العام تقوم على الجودة و الفعالية بدل الصالح العام(الفقرة
الثالثة).
الفقرة الأولى: تطور دور الدولة و إكراهات العولمة
أولا : تراجع دور الدولة
عرفت
المرافق العامة تحولات عميقة وتطورت أدوارها وفق الأزمات الاقتصادية والسياسية. فخلال العقود الأخيرة ، شهد المرفق
العام نقاشات عميقة حول منطقه التقليدي وتنظيمه و أشكال تسييره ومستوى أدائه.
فأزمة الدولة الراعية أبرزت للوجود اختلالات التسيير العمومي و أوقدت ، ليس فقط ،
فتيل مشروعية المرافق العامة بل حتى
مشروعية الدولة نفسها . مما أبرز أهمية ودور العلوم الإدارية في تحديث القطاع
العام و مما أدى أيضا إلى بعث أفكار الليبرالية الجديدة المناهضة لمناهج التدبير
العمومي التقليدي[2].
لقد
وضعت الأزمة العميقة للنموذج الاقتصادي و الاجتماعي المنبثق بعد الحرب العالمية
الثانية دور الدولة في التنمية الاقتصادية و في تنظيم المجتمع محل التساؤل، و فرضت
إلقاء نظرة نقدية حول أداء كل من الدولة و القطاع العام[3] .
و
في هدا الإطار ، تم طرح العديد من
التساؤلات، التي اشتغلت عليها كل الحقول المعرفية والعلوم المهتمة بتطوير العمل
الإداري، و من أهمها :هل سيتنحى القطاع
العام أمام فعالية القطاع الخاص ؟ ألا يمكن تجاوز المنطق التقليدي للتدبير
العمومي للتأقلم مع التحديات الجديدة للدولة وللمرفق العام؟ وما مدى أهمية العلوم
الإدارية في إنتاج مفاهيم و أسس جديدة تجيب على مشاكل وتحديات المرفق العام؟
ويمكن إيجاز أهم العوامل التي أدت إلى تراجع دور الدولة
في:
ü
الأزمة الاقتصادية و
تصاعد النفقات العمومية ، خصوصا النفقات الاجتماعية ، التي أضعفت قدرة مؤسسات
الدولة على ممارسة دور إعادة توزيع الثروات ، وهو ما يعبر عنه بأزمة الدولة الراعية.
ü
تطبيق نظريات علم
التدبير والاقتصاد السياسي خصوصا نظرية
الليبرالية الجديدة ، فأمام تعدد الأزمات المالية و النقدية والتضخم العالمي، تصدى
مجموعة من المفكرين الاقتصاديين من بينهم ميلتون فريدمان و كارل بوبر و رابار وليم
فريدمان فون هايك ، إلى النظريات السائدة في تلك الفترة ودعوا إلى العودى إلى فكرة
- دعه يعمل دعه يمر- و المعارضة الجدرية
لمبادئ الكيترية و النظام الإنتاجي الفوردي.
ü
ظهور أشكال جديدة
للحكامة فالمواطنون أصبحوا يشاركون في رسم و تفعيل السياسات العمومية كما برزت
أهمية انخراط المواطنين في تدبير الشأن
العام. ودلك نتيجة التحولات التي عرفتها المؤسسات و المجتمعات في العقود الأخيرة[4].
ثانيا : إكراهات العولمة
إن
العولمة تفرض على الدولة إعادة النظر في
دورها وفي مكانتها داخل المجتمع لكي يكون اقتصادها أكثر تنافسية داخل
الأسواق العالمية و يستفيد من دينامية الاقتصاد المعولم ، كما يدفع بالقطاع العام
إلى تحسين أداءه ، فأي شكل لعدم الفعالية فيما يخص توفير البنيات سيقلص من
التنافسية الوطنية.
كما
أن المحيط العام الذي تعمل فيه المرافق العمومية أصبح متميزا بضعف الثقة في قدرة
الدولة على حل المشاكل الجديدة ، حيث لم تعج قادرة على إعطاء إجابات و حلول لكل
القضايا و الإشكالات المطروحة. فالعلاجات التقليدية التي كانت تتمثل في رفع
النفقات أو إصدار تشريعات جديدة ، أصبحت و
لا تتوافق مع طبيعة وحجم المشاكل الجديدة،وهو
ما فرض تيني مقاربات مجددة و مبدعة[5].
وسط
هدا المحيط المتطور الذي فرضته إكراهات العولمة أصبحت المرافق العامة مجبرة على
التكيف مع التحولات السريعة و المتعددة حتى تتمكن الدولة من مواجهة هدا التحدي
الجديد.
باختصار
، فإن تطور العولمة و فقدان الدولة احتكار المجال الاقتصادي الوطني و الهيمنة على
المعاملات الاقتصادية عبر القومية لفائدة قوى
غير دولاتية تتبنى مبدأ الفعالية بدل الشرعية،[6]كان
له تأثير ملموس على زعزعة الاستقرار الذي يميز القطاع العام ، و بالتالي أجبرت
الدولة على الدخول في تنافسية مع بعضها البعض ، كما لو أنها مقاولات تعمل وفق
المنطق المقاولاتي.
الفقرة الثانية : تعاظم تحديات و رهانات المرفق العام
شكلت التحديات السياسية و
الاقتصادية و الاجتماعية و التطورات التكنولوجية أحد العوامل الأساسية في اهتمام
العلوم الإدارية بإشكالات تطوير و تحديث المرفق العام لجعله قادرا على مواكبة
ومسايرة التحولات التي تفرضها التنمية المستدامة و الحكامة الجيدة. وتحسين تنافسية
الاقتصاديات الوطنية.
أولا:التحديات السياسية و
الاجتماعية
من الناحية السياسية يعتبر بناء
دولة الحق و القانون و إرساء المؤسسات الديمقراطية و جعل الإدارة كجهاز موضوع رهن
إشارة الحكومة ، يساهم في الحفاظ على حقوق المواطنين و المرتفقين و يعمل دائما على
تقديم خدمات تتوفر فيها مواصفات الجودة و الاستمرارية الملائمة لصالح المواطنين
بدون تمييز و بتكافؤ بين كل الجهات.
إن التحول في العلاقة بين الإدارة
و المواطن يعتبر لوحده تحديا سياسيا رئيسيا بالنسبة للمرافق العامة من حيث كونه
يتوقف على قدرة الطرفين على تشجيع قيم التخليق و الشفافية و الإنصاف و احترام
المساواة في الممارسات اليومية وينضاف إلى دلك إعادة النظر في مسألة توزيع السلط و
مركزتها وظيفيا و مجاليا حتى تتحول العملية التنموية إلى عملية ممركزة إلى عملية
تشاركية قائمة على أبعاد لامركزية و لاممركزة أساسها التعاون المتوازن بين أقطاب
العملية التنموية.[7]
أما من الناحية الاجتماعية فالإدارة
مطالبة في إرساء آليات كفيلة بالحفاظ على
تماسك النسيج الاجتماعي و محاربة الفوارق الاجتماعية و تأهيل الفئات المهمشة و
محاربة أثار البطالة و الأمية و الفقر.
إن التحولات الاجتماعية فرضت
إعادة نظر الإدارة في أدوارها التقليدية والتوجه نحو إدارة التنمية و إدماج كافة
فئات المجتمع في سيرورتها ، و هدا لن يتأتى إلا بإدخال مفاهيم جديدة ،مستقاة من
حقل العلوم الإدارية، على أسلوب التدبير الإداري و على الفلسفة المتحكمة في
السياسة الإدارية ، فالحكامة و سياسة القرب و الشفافية الإدارية أصبحت مفاتيح ومفاهيم
ضرورية في التدبير الإداري الحديث.
ثانيا :التحديات الاقتصادية والتكنولوجية
في
محيط اقتصادي أصبح فيه التغيير هو القاعدة و الاستقرار هو الاستثناء، تجد الإدارة
العمومية نفسها ملزمة بتعديل مهامها و بنياتها حسب الدور الجديد للدولة، و التحكم
في تبعات سياسة التبادل الحر و العولمة، و المساهمة في تحسين أداء الاقتصاد
الوطني.فالإدارة مطالبة من جهة بمواجهة الإكراهات المالية المتزايدة وحجم كتلة
الدين العمومي، و من جهة أخرى مطالبة بالإنجاز الأحسن بأقل الموارد.
وبدلك
يتمثل التحدي الاقتصادي في التحكم في الكلفة و
كتلة الأجور و الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية و ترشيد النفقات
العمومية و توفير محيط قانوني و مؤسساتي و مالي يساعد على تنمية الاستثمار وتقديم
خدمات ذات جودة عالية ، فاحتدام التنافس بين الأ قطار على رؤوس الأموال الأجنبية
لاستقطابها من أجل الاستثمار في مختلف قطاعات الإنتاج يستلزم توفير هياكل
الاستقبال الضرورية على المستويات الإدارية و القانونية و القضائية و الخدماتية
بالإضافة إلى التجهيزات التحتية المادية.
إن
هناك علاقة عضوية و جدلية بين إصلاح الإدارة و تأهيل الاقتصاد و المقاولة و إيجاد
الأجوبة الضرورية على مستلزمات و إكراهات العولمة[8].
إن
المناخ الدولي الجديد يتطلب فتح أوراش الإصلاح الإداري، لتمكين الأجهزة الإدارية
من ولوج هده المرحلة الدقيقة التي تفرض على الدول الانخراط في السوق الدول و
الالتزام بالقواعد الدولية في مجال التجارة الدولية المؤطرة بشروط المنظمة
العالمية للتجارة و بالاتفاقيات الدولية في إطار العلاقات التي تربط الدول فيما
بينها و المؤسسات المالية الدولية.
أما
فيما يخص التحدي التكنولوجي الذي تواجهه الإدارة فهو لا يقل أهمية من باقي
التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية،فتسارع وثيرة التقدم التكنولوجي و
انعكاساتها على الدولة و المجتمع بات يدعو إلى ضرورة إحداث تغيرات مهمة في المرفق
العام ودلك بإعادة النظر في المفاهيم الحالية و خلق جسور التواصل بين مختلف
الأجهزة و الهياكل الإدارية و بمحيطها الوطني و الدولي.
إن
الاستعمال الأمثل للتكنولوجيات و المعلومات و أدوات التواصل يأتي في سياق سعي
الدولة إلى توفير أكبر قدر من الخدمات بأقل تكلفة و هو ما يستوجب توفر المعلومات
الكافية و المضبوطة لاتخاذ القرار القدرة
على معالجة تدفق المعلومات و حسن اختيار الأفضل منها و الأنسب[9]
أمام
هدا التحدي فالمرفق العام مطالب بإدماج و استيعاب التقنيات التكنولوجية الحديثة في
مجال الاتصال و التواصل لتحسين قدرته على تجويد خدماته و إشباع رغبات المرتفق،
ودلك من بالأساس من خلال قدرته على مواجهة المهام الجديدة و التحرر من الروتين و البطء
و النظرة القانونية الجامدة،مما من شأنه تعزيز مشروعية المرفق العام داخل المجتمع.
الفقرة الثالثة : تغير مشروعية المرفق العام
إن فكرة استمداد المرفق العام
مشروعيته من مبدأ الصالح العام عرفت أزمة حقيقية أضعفت وهددت بشكل كبير حتى وجود
المرفق العام ذاته ،حيث ظهر منطق الفعالية مكان منطق الصالح العام، الشيء الذي دفع
بالعلوم الإدارية إلى مساءلة طرق تدبير المرفق العام و إلى مساءلة النموذج
البيروقراطي التقليدي ، بمضمونه وأسسه.
أولا : من مبدأ الصالح العام إلى منطق
الفعالية
يعتبر مفهوم المصلحة العامة
الركيزة الأساسية للنشاط العمومي، والذي يحدد أهداف المرافق العامة ويدعم
مشروعيتها. ولعل ما يميز هذا المفهوم هواختلاف مضمونه حسب ظروف استعماله ( الظروف
الزمنية و المجالية و الأشخاص الذين يستعملونه)، وهو ما جعل من الصعب تحديد معايير
عملية لتعريفه و ضبطه وتفعيله، و ساهم في انتقاده بشكل كبير . فعدم وضوح مضمونه و
الإمكانيات التي يوفرها للسلطات العمومية، جعل العديد من الفقهاء يعتبرونه كوسيلة
لبسط سلطات الإدارة و للإفلات من احترام القانون[10].
إن تبني أفكار الليبرالية الجديدة
و تطبيق برامج التقويم الهيكلي و إحلالها محل المردودية الاجتماعية، أدى إلى تغيير
أهداف المرافق العامة بشكل ملموس و تركيزها على البحث عن المردودية. وهو ما استوجب
أشكالا جديدة للتسيير تعتمد على حسن الأداء المالي وتشجيع مبادئ الفعالية و
الفاعلية و الاقتصاد.
ثانيا :مساءلة النموذج
البيروقراطي الفيبري
يعد النموذج البيروقراطي
الفيبري نموذجا مثاليا الحكامة المنظمات
العمومية ، ونظريا النموذج الأكثر تطابقا مع الوظائف والمهام، بحيث يعتبر مبدأ
التسلسلية الوسيلة الأكثر فعالية للحفاظ على رقابة الإدارات و المنظمات العمومية،
وضمان قيامها بالمهام المنوطة بها، و من وجهة نظر المرتفقين فالنموذج الفيبري يضمن
المعاملة المتساوية طبقا لمبادئ عادلة و شفافة .
إلا انه خلال العقود الأخيرة،عرف
الإطار العام لتدبير المرافق العامة العديد من الانتقادات الشديدة ، حيث أن
النموذج التقليدي للتسيير لم يعد قادرا على مواجهة التحديات الجديدة و لا على
الاستجابة لمتطلبات الفعالية و حسن الأداء . فالتطبيق الصارم للقواعد ولد البطء
والتعقيد، وأفرز مبدأ التسلسلية ، واللامبالاة و غياب الدينامية و المبادرة، و
التي تعززت بأنظمة الأجور و الترقيات التي تهمل المجهود الفردي و عنصر الاستحقاق ،
و لا تأخذ بعين الاعتبار المردودية و الإنتاجية[11].
وبذلك فإن النموذج البيروقراطي
لتنظيم وعمل المرافق العامة، بات غير متوافق مع متطلبات المرونة و سرعة ردود الفعل
وقابلية الانفعال و القدرة على التكيف السريع الذي يتطلبه حسن الأداء. و أصبح
النظام القانوني التقليدي للمرافق العامة يبدو كعائق للتنمية و كإكراه
للأداء،ينبغي تجاوزه حتى تستجيب المرافق العامة لتحديات المحيط الجديد و لمتطلبات
الفعالية.
المطلب الثاني : دور العلوم الإدارية في تأهيل
المرفق العام
سنتطرق في ما يلي إلى علم التدبير(الفقرة
الأولى) و سوسيولوجية الإدارة (الفقرة الثانية) و الاقتصاد السياسي(الفقرة
الثالثة) ودورها في تحديث المرفق العام و تجديد أدواره و تجاوز اختلالات تسييره .
الفقرة الأولى: علم التدبير و تجاوز اختلالات
تسيير المرفق العام
ساهمت مدارس علم التدبير (
المدرسة العلمية لهنري فيول، نظرية المنظمات لهربرت سيمون ومدرسة العلاقات الإنسانية..) بمختلف مقارباتها في الإجابة عن مختلف
الاختلالات التي تعرفها الإدارة سواء من ناحية نشاطها أو تنظيمها ، ويعتبر نموذج
التدبير العمومي الجديد أهم البراديكمات الجديدة الذي أسس لمفاهيم و مقاربات من
شأنها الإجابة عن الإشكالات التي تعترض التدبير الجيد للمرفق العام، وفي هذا الإطار
سنقتصر على دراسة أربعة نماذج أساسية و هي:
أولا: نموذج الفعالية
ظهر في بداية الثمانينيات من
القرن الماضي في بعض الدول الانكلوسكسونية ، ويهدف إلى جعل المنظمات العمومية أكثر
فعالية من خلال مقارنتها بمنظمات القطاع الخاص[12]. ويسعى هذا النموذج إلى تحقيق مستويات من الاقتصاد
في عمل المصالح الإدارية وتحسين أدائها الإنتاجي، وذلك من خلال اعتماد ميكانيزمات
السوق مثل خلق تنافسية مابين الأفراد ووحدات الوظيفة العمومية،واستعمال أساليب
تحفيزية كالأجر حسب الاستحقاق.بالإضافة إلى عقود للخدمات تربط مابين السلطات
العمومية و الأجهزة الإدارية، وترفق هذه العقود بمخطط مفصل لتدبير الأداء. و من
بين البلدان الرائدة التي طبقت بنجاح هذا النموذج نذكر نيوزلاندا.
ثانيا : نموذج اللامركزية و
اللاتمركز
وهو أسهل نماذج التدبير العمومي
الجديد، وتقوم فكرته المحورية على تقليص البنيات البيروقراطية مع لامركزية
المسؤوليات الإدارية.
يتعلق الأمر إذن بإقصاء جزء كبير
من البنيات الوسيطة على مستوى المصالح الإدارية،وذلك من خلال تفويض المسؤوليات إلى
المستويات التي لها اتصال مباشر مع المرتفقين. ومن جهة أخرى،إسناد تنفيذ بعض
السياسات و البرامج إلى منظمات أخرى غير المصالح الإدارية ( وفق مسار تعاقدي
خارجي) مثل التعاقد من الباطن .
ويتمثل الهدف من هذا النموذج في
تحقيق مرونة تنظيمية من خلال تفويض المسؤوليات و الفصل الصارم مابين القرارات الإستراتيجية
و الأنشطة العملية ، و الرقابة على المهام و الوظائف المفوضة للمنظمات التي تتمتع
باستقلالية كبيرة.
ثالثا :نموذج البحث عن التفوق
يهتم هذا النموذج برفع جودة
الخدمات العمومية و مصداقيتها في نظر المرتفقين – الزبناء وفق معايير للجودة و ذلك
بهدف تعديل ثقافة المنظمات العمومية بشكل يجعلها تسعى إلى التعلم و التحسين
المستمر لمسارات الإنتاج و الخدمات المقدمة .
ويركز هدا النموذج على لامركزية القرارات
و توزيع المسؤوليات ، و قلب الهرم التسلسلي ، و على مسارات التعلم ، و إيصال صوت
الزبناء من خلال تحقيقات الإشباع التي يمكن أن تترجم إلى التزامات بالجودة يتم
تقييمها بشكل منتظم.
رابعا : نموذج التوجه نحو المرفق
العام
يقدم هذا النموذج نظرة مندمجة
أكثر من النماذج السابقة و يمزج بين مبادئ كل من القطاع العام و القطاع الخاص
.يتعلق الأمر بتعزيز وظائف القطاع العام من خلال تطبيق مبادئ مستمدة من تدبير
المقاولات الخاصة.
بعبارة أخرى،ينبغي التركيز على
تحسين الخدمات العمومية من خلال أخذ القيم و المهام الخاصة بالمرفق العام بعين
الاعتبار . في هذا الإطار فإن إعادة الدينامية للمسارات الديموقراطية تأخذ مكانة
أكبر من إعادة تحديد مسارات إنتاج النشاط العمومي [13].
وتتمثل نقاط التحديث في هذا الإطار في : جودة الخدمات،حسن الأداء بهدف بلوغ تفوق
القطاع العام،أخذ رغبات الزبناء بعين الاعتبار و المحافظة على القيم و المهام
الخاصة بالمرفق العام.....
الفقرة الثانية : سوسيولوجية الإدارة ودورها في تحديث المرفق العام
لقد ساهمت السوسيولوجيا دورا مهما في
دراسة العديد من الظواهر و الإشكالات المرتبطة بالعمل و النظام المرتبط بالإدارة ـ
حيث استفادت هذه الأخيرة من مخرجات هذا العلم .
ولقد
اتفق رواد المدرسة السوسيولوجية على أن علم الإدارة مجرد فرع من علم الاجتماع أو فرع من علم
السياسة.
أولا
: علم الاجتماع السياسي
هناك سببان على الأقل يزكيان انتماء
علم الإدارة إلى علم السياسة، أولهما يتمثل في كون الإدارة أداة وجانب ضروري ومهم
في نشاط الدولة، هذا الطرح يمكن ربطه بنظرية الفقيه جورج بيردو Georges Burdeau، الذي ينعت الإدارة بالدولة الوظيفية، ثانيهما يتمثل في البعد الاجتماعي
للدراسات السياسية ومن هنا تطرق علم الاجتماع السياسي إلى السلطة البيروقراطية
والتقنقراطية.
ثانيا
: علم اجتماع المنظمات
ظهر هذا العلم عند عالم الاجتماع
الألماني ماكس فيبر Max Weber، حيث اهتم بالتحليل النظري
للبيروقراطية انطلاقا من نظرية أن كل منظمة لضمان نجاحها وإستمراريتها يجب أن تخضع
لتنظيم معقلن، كما ظهر هذا العلم عند فئة من علماء النفس الذين اعتبروا أن المنظمة
هي كائن يتميز عن مكوناته، ويتعرض لنكسات وأزمات يمكن البحث عن أسباب وتحديد
العلاج لها.
إن علم اجتماع المنظمات يتميز عن
علم التسيير ذلك أن الأخير يعتمد أساسا على القواعد التي توجد داخل المنظمة للحصول
على تسيير محكم وفعال، أمام علم اجتماع المنظمات فيضيف إلى ذلك العناية بالجوانب
السيكولوجية كالتحفيز المعنوي والعلاقات العامة، والسلوك داخل المنظمة.
الفقرة الثالثة : الاقتصاد السياسي و تجديد أدوار المرفق العام
يرتبط إصلاح المرفق العام
بمقاربات الاقتصاد السياسي الجديد الذي يهدف إلى العقلنة الاقتصادية للفاعل
العمومي ،ولهذا استقطبت المنظمات العمومية والدولة بشكل عام اهتمام الاقتصاديين ،
ويعتبر آدم سميث من الأوائل الذين اهتموا بدراسة ونقد بيروقراطية الدولة.إلا أن أول
تحليل اقتصادي عميق للبيروقراطية يتمثل في نقد فون ميز الذي يستند على كون الخدمات
المقدمة من طرف البيروقراطيات تتهرب من إكراهات السوق ولا تخضع للرقابة الفعالة
مما يقود إلى تبذير المال العام سيما مع اتساع النشاط العمومي . وسنتطرق في ما يلي
إلى ثلاث نظريات جديدة للاقتصاد السياسي و التي كان لها التأثير البالغ على
المنظمات البيروقراطية و التي ساهمت في إعادة بناء دور جديد للمرفق العام.
أولا : نظرية الاختيارات العمومية
يطلق على هذه النظرية كذلك نظرية
الخيارات الاجتماعية ونظرية الخيارات المعقلنة. وترتكز على فكرة محورية مفادها أن
كل تصرف إنساني محكوم بمصلحة شخصية، ولهذا فكل الخيارات الإستراتيجية تستبطن مكاسب
شخصية مادية كانت أو معنوية. فقد هذه النظرية الضوء على عيوب القطاع العام و سلوك
الفاعلين في المجال العمومي، وإعطاء تفسيرات بديلة ترتكز على العقلنة . ومن رواد
هذه المدرسة نذكر جيمس بوشنان و بروتون .
وتنتقد نظرية الاختيارات العمومية عدم فاعلية المنظمة
العمومية و تبرز أن تطور التدخلات العمومية لا يستند إلى مبدأ المصلحة العامة ولكن
المصلحة الفردية لبعض الجماعات ، ولعل النتيجة الأساسية لذلك هو التوزيع
اللاعقلاني للموارد من طرف الدولة، ويكمن الحل حسب رواد هذه النظرية في تقليص دور
الدولة وتركيزه كلما أمكن.
وتعتبر هذه النظرية مسألة تضخم الإدارات
العمومية أمرا منظما وممنهجا يخفي وراءه سلوكا انتهازيا للبيروقراطيين مما
يؤدي إلى عدم فعالية المرافق العامة.
وتتلخص الحلول المقدمة من طرف
منظري هذه المدرسة في التحكم في العجز المالي للدولة وتغيير نمط الإدارة العمومية
من خلال تقريبها من السوق وهو ما سيسمح بلامركزية و مرونة الوحدات الإدارية،
وسيفسح المجال للمنافسة مابين القطاع الخاص والعام ويجعلها أكثر فعالية [14].
ثانيا : نظرية الوكالة
وتعرف كذلك بنظرية التفويضات
وتهتم بدراسة نتائج العلاقة ما بين المفوض والمفوض إليه، داخل نفس الوحدة
الاقتصادية أو نفس الإدارة أو نفس المقاولة. وترى هذه النظرية أن العلاقة
التعاقدية(الوكالة) هي الأكثر فعالية في معالجة الإشكاليات التي تعترض نشاط المفوض
بسبب عدم كفاية المعلومات لديه عند اعتماده على المفوض إليه. ويكمن تعريف علاقة
الوكالة حسب M.C. JENSEN و
W.H.MECKLING على أنها "عقد بموجبه يلزم شخص أو
أشخاص(المفوض) شخصا آخر (المفوض إليه) بتنفيذ مهمة ما باسمه،مع تفويضه بعض سلطاته
التقريرية لصالح المفوض إليه".
وفي
هذا الإطار يرتكز الاهتمام على البحث عن أفضل صيغة يتحقق بها رضا كل الأطراف
الملتزمة بعلاقة الوكالة ،مع بدل أقصى ما يمكن لتقليص التكاليف الناتجة عن تعاقدهم
أو ما يعبر عنه بتكاليف الوكالة.فاختلاف المصالح مابين المفوض و المفوض إليه
وتفاوت المعلومات فيما بينهم غالبا ما ينتج عنه تكاليف مثل نفقات الرقابة، التحفيز
و التأمين .
فمؤيدو
نظرية الوكالة يقرون أن عدم فعالية المنظمات العمومية ناتجة بالأساس عن تكاليف
المناورات التي تقوم بها الأطراف الفاعلة من أجل تحقيق أولوياتهم ( مثلا رفع الميزانية
الإدارية أو الارتقاء بمكانتهم الشخصية ، الزيادة في عرض بعض الخدمات العمومية،
حماية وظيفتهم في فترة تراجع الوظيفة العمومية...).وينتج عن هذه الوضعية زيادة
تكاليف الدولة و عدم الفعالية في تسييرها الداخلي ، و التضخيم المنظم للقطاع العام
بسبب القرارات الإستراتيجية و المالية الغير الصائبة.
ومن
أجل مواجهة هذه الوضعيات المنحرفة لابد من التحديد السليم للمهام العمومية و
الوسائل التي يتوفر عليها المفوض إليهم لتحقيق الأهداف المحددة من طرف المفوضين . وحسب التدبير العمومي الجديد
ف‘ن عقود الخدمات تعتبر كحل لهذه الإّشكالية فهي تسمح بتحديد أهداف سياسية واضحة و
قابلة للقياس و تحقيق الشفافية.
ثالثا :
نظرية تكاليف المعاملة
يعتبر أوليفي وليامسون و هربرت سيمون من أهم رواد هذه
النظرية اللذين حاولوا البحث عن البنية الفعالة للمنظمة التي تسمح بتقليص
التكاليف، ويتعلق الأمر ببنية متعددة الأقسام أو الوحدات منظمة في شكل خطوط
للإنتاج وينظم نفسه بشكل وظيفي[15]
وقد تم تطبيق نتائج
هذه النظرية على المنظمات العمومية ،من خلال التحليل الاقتصادي لتكاليف معاملتها ،
من أجل ترشيد نفقاتها وذلك عبر التحكم في بنياتها و العاملين فيها و تحقيق مستويات
مهمة من الاقتصاد.وتستند هذه النظرية في حكمها هذا على كون صلابة بنيات المنظمة
العمومية تعقد مسارات اتخاذ القرار و تفرض تفويض السلطات، و هو ما يولد بدوره ظهور
بنيات ثقيلة و تدابير للرقابة جد مكلفة،
وكخلاصة،
يمكن القول أن التحليل الاقتصادي لنظرية تكاليف العمل العمومي ينضاف إلى مجموع
النظريات التي ساهمت في إبراز العديد من الإشكاليات المرتبطة بنمط عمل منظمات
القطاع العام و يشكل مضمونها أحد الأسس التي تساهم في تحديث تدبير المرفق العام.
المبحث الثاني: العلوم الإدارية و دورها في
التأسيس لنموذج جديد لتحديث تدبير المرفق العام بالمغرب
لقد عمل المغرب على إدماج مقاربات
التدبير العمومي الجديد في إصلاح الإدارة وتحديث تدبير المرفق العام ( المطلب
الثاني) ، و ذلك من خلال دعم مسلسل اللاتمركز وترسيخ مبادئ الشفافية وبط المسؤولية
بالمحاسبة ( المطلب الأول).
المطلب الأول :محددات التدبير العمومي الجديد للمرفق العام بالمغرب
إن تغيير منظور علاقة الإدارة
بالمرتفقين (الفقرة الثانية) ، ونهج آلية اللاتمركز الإداري(الفقرة الأولى) ، و
ترسيخ مبدأ الشفافية من خلال الإدارة الإلكترونية(الفقرة الثالثة) تشكل أهم محددات
التدبير العمومي الجديد بالمغرب.
الفقرة الأولى : اللاتمركز كآلية لتحسين تدبير
المرفق العام بالمغرب
إن التزايد الكبير للمهام
المنتظرة من الإدارة يجعلها مطالبة بأن تعيد هيكلة آليات اشتغالها اعتمادا على
نموذج لامتمركز ،يتم فيه توزيع المهام و الاختصاصات على ثلاثة مستويات على الأقل
:وطني،جهوي و محلي[16].
لقد شكلت عملية اللاتمركز الإداري
إحدى أهم الرهانات لبرنامج إصلاح الإدارة
و خيارا استراتيجيا لتحسين جودة خدمات المرفق العام.فهو إحدى الركائز
الأساسية لقيام جهاز إداري حديث و فعال.وتتحدد أهمية هذا المبدأ من حيث كون أن
الإدارة مطالبة بممارسة المهام المنوطة بها بشكل أكثر فعالية و على المستوى
الترابي الملائم، الشيء الذي يتطلب اعتماد مبدأ اللاتمركز و تدعيم السلطات و
الوسائل المخولة للمصالح اللاممركزة بهدف تنفيذ السياسات العمومية و تعزيز
التوجهات الإستراتيجية المرتبطة بمهام التأطير و الإشراف و تقييم السياسات العامة
بالإدارة المركزية.
ولقد احتل ورش اللاتمركز الإداري
بالمغرب مكانة متميزة في الخطاب السياسي كالخطب الملكية و مخططات التنمية و
التصاريح الحكومية، و لتجسيد هذه الإرادة في إطار قانوني تبنت الحكومات المتوالية
مقاربة أكثر ديناميكية تبلورت في إعداد العديد من المشاريع الإصلاحية، باعتبار
اللاتركيز الإداري رافعة للإصلاح الإداري ومدخلا لإصلاح الدولة وتحقيق نجاعة
وفعالية المرفق العام. وتشكل الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول المتعلقة
بالتدبير ا للامتمركز للاستثمار بتاريخ 9 يناير 2002 بمثابة الانطلاقة الحقيقية
لورش اللاتمركز الإداري، كما دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة
انعقاد الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير في 12 دجنبر 2006، إلى تسريع
مسلسل اللاتمركز كرافعة لجميع الجهود التي تم بذلها في مجال اللامركزية و الجهوية
. ولقد سعى دستور 2011 إلى ترسيخ هذا الورش الإصلاحي من خلال تقوية دور الولاة والعمال في مجال
اللاتركيز الإداري بمنحهم صلاحيات واسعة في هذا المجال[17]،
حيث يقوم الولاة و العمال ، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح
اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها من جهة و الارتقاء بوضعية
مندوبيات الوزارات على المستوى الترابي من جهة أخرى. وذلك باختيار المشرع الدستوري
لمصطلح المصالح اللاممركزة بدل مصطلح المصالح الخارجية، مما يدل على الأهمية التي
يحظى بها تدعيم نظام اللاتركيز الإداري ببلادنا[18].
وسعيا لترسيخ مبدأ اللاتمركز الإداري
تمت مراجعة إطاره القانوني المعمول به منذ سنة 1993 وإصدار المرسوم رقم 2.05.1369
سنة 2005 بشأن تحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية و اللاتمركز الإداري.
الفقرة الثانية : تغيير منظور علاقة الإدارة
بالمرتفقين
إن تحسین الاتصال بین الإدارة والمرتفقبن ترتبط ارتباطا وطیدا بتطویر ظروف
الاستقبال وبنیانه داخل الإدارات وذلك استجابة لمتطلبات المترفقين، وتسھیلا
لاستفادتھم من الخدمات التي یؤدیھا المرفق العام لفائدتھم.
ھكذا فعملیة الاستقبال
التي تعكس الاتصال الأولي للمرتفقین مع الإدارة، والتي تمتد من لحظة دخول المرتفق
إلى الإدارة إلى خروجه منھا، تعد من الوظائف التي یتعین الاعتناء بھا من لدن الإدارة
سعیا إلى توجیه المرتفقین وإرشادھم عبر مختلف المصالح التابعة لهذه الھیئة، وتقدیم
المعلومات اللازمة للمرتفقین وكذا المطبوعات والوثائق الواجب ملؤھا، والمعالجة
السریعة لكل طلب شخصي وتقدیم النصح والمساعدة للمرتفق، مع تطوير ظروف الاستقبال
سواء على المستوى الزمني أو على مستوى الفضاء الذي یتم فیه الاستقبال، كما ینبغي
تحسبن ظروف استقبال المرتفقین على اختلاف شرائحھم الاجتماعیة وعلى مستوى كافة الإدارات
العمومیة، وتبيان أوقات الافتتاح، وتھييء أنظمة الانتظار لتحقیق ظروف الراحة
للمرتفقین .وكذا تعمیق مبدأ عدم تركیز المسؤوليات مما يمكن الموظفين من اتخاذ بعض
القرارات في عين المكان قبل إحالتھا إلى رؤسائھم المباشرین، ھذا مع العمل على
توزیع أمثل لأیام استقبال الجمھور یأخذ فبي الاعتبار خصوصیات أصنافه المختلفة وذلك
في أفق تحقیق مبدأ المساواة فیما بینھم في ولوج المرافق العامة مع تحسبن ظروف
استقبال المستثمرین، ومن شأن ذلك أن یحافظ على مصالح مستعملي المرافق العامة ويجعل
العلاقة معھم ترقى إلى مستوى الشراكة، لاسیما في ظل التوجھات الجدیدة للدولة
الرامیة إلى إحداث الجو الملائم لإنعاش المبادرات الفردیة وتشجیعھا من أجل
المساھمة في الاضطلاع بجھود التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة للبلاد.[19]
لذلك اعتبر موضوع تحسین استقبال المواطنین وإرشادھم من المواضیع الأساسیة المندرجة في إطار تحدیث الإدارة أو الاصلاح الإداري بالمغرب، بحیث صدر منشور فبي ھذا الشأن عن الوزیر الأول بتاربخ 28أبریل 1995خص بتحسین شروط استقبال المواطنین والاستماع إلیهم، إذ حاول تجسید التدابیر التالیة:
لذلك اعتبر موضوع تحسین استقبال المواطنین وإرشادھم من المواضیع الأساسیة المندرجة في إطار تحدیث الإدارة أو الاصلاح الإداري بالمغرب، بحیث صدر منشور فبي ھذا الشأن عن الوزیر الأول بتاربخ 28أبریل 1995خص بتحسین شروط استقبال المواطنین والاستماع إلیهم، إذ حاول تجسید التدابیر التالیة:
- إحداث وحدات استقبال على مستوى الإدارات المركزیة والمصالح الخارجیة
والجماعات المحلیة والمؤسسات العمومیة المتوفرة على الوسائل الضروریة لتأمین شروط
استقبال أفضل.
- تبسیط المساطر الإدارية[20]عن طريق توحیدھا و الذي یھدف بالأساس إلى تقریب
الادارة من المنتفعین من خدماتھا بجعلھا في متناول الفئات العریضة منھم، وكذا
إحداث نوع من المساواة في الاستفادة من خدمات المرافق العامة. . .
- إحداث أكشاك إدارة الخدمات السريعة، والتي ستمكن من خروج الإدارة لأول مرة
من محيطها الاعتيادي، وتوسيع المجال الزمني لنشاط الإدارة لتيسير الحصول على
الخدمة الإدارية خارج أوقات العمل. هذه التدابير من شأنها دعم ثقة المواطن في الإدارة[21].
ومن شأن ھذه التدابیر أن تتیح شفافیة الإدارة العمومیة وان تجسد كما یقول
البعض البیت الزجاجي حيث تمارس الادارة جمیع أعمالھا في إطار العلنیة، من ھنا
تندرج الشفافیة الاداریة في إطار مفھوم أشمل یعتبر من بین المفاھیم الأساسية للإدارة
الحدیثة وھو مفھوم "العلاقات العامة" الذي یعرف بانه "طریق للسلوك وأسلوب للإعلام والاتصال
یھدف إلى إقامة علاقات مفعمة بالثقة والمحافظة علیھا بین المنظمات والفئات
المختلفة من الجماھیر داخل المؤسسة وخارجھا التي تتأثر بنشاط تلك المنظمة.
ھكذا فالإدارة الشفافة تسعى إلى إیصال رسالتھا الاعلامیة بطرق سلیمة مستعینة
في ذلك بمختلف التقنیات العصریة للتواصل، فالعلاقات العامة ھي قبل كل شيء فلسفة
اجتماعية تھدف إلى دمقرطة عمل الادارة داخلیا وخارجیا، وترك الحریة للفرد في
التعرف على الحقیقة ومناقشتھا [22].
الفقرة الثالثة : الإدارة الإلكترونية و ترسيخ
مبدأ الشفافية
تعتبر
الإدارة الإلكترونية أداة من أدوات التدبير الإداري العصري، حيث إنه ولمسايرة
تحديات العوامة دأبت مجموعة من الدول على نهج هذا الأسلوب المتطور والمعتمد
بالأساس على مفهوم إدارة بلا ورق. والإدارة بهذا المفهوم نجدها تعتمد مجموعة من
المكونات الأساسية تتمثل في مجموعة من النقاط:
-1 - يوجد الورق ولكن لا نستخدمه بكثافة، وبالمقابل يوجد الأرشيف الإلكتروني والبريد الإلكتروني والأدلة والمفكرات الإلكترونية والرسائل الصوتية ونظم تطبيقات المتابعة الآلية؛
- 2 - إدارة بلا زمان، فالعالم أصبح يعمل في الزمن الحقيقي 24 ساعة في اليوم؛
- 3 - إدارة بلا تنظيمات جامدة، فبيتر دراكر تحدث عن المؤسسات الذكية التي تعتمد على عمال المعرفة، فالشمال أصبح يتجه إلى صناعات المعرفة ويقذف بصناعة اللامعرفة للجنوب...
وبالتالي ولتكريس النمط
الإلكتروني داخل الإدارة المغربية، وجب القيام برسم مجموعة من التوجهات العملية
والمتجلية في ضرورة:
-
1 - إدارة الملفات بدلا
من حفظها؛
-2 - استعراض المحتويات بدلا من القراءة؛
-3 - مراجعة محتوى الوثيقة بدلا من كتابتها؛
-4 - البريد الإلكتروني بدلا من الصادر والوارد؛
5 - - الإجراءات التنفيذية بدلا من محاضر الاجتماعات؛
6 - الإنجازات بدلا من المتابعة؛
7 - - اكتشاف المشاكل بدلا من المتابعة؛
8 - - التجهيز الناجح للاجتماعات.
-2 - استعراض المحتويات بدلا من القراءة؛
-3 - مراجعة محتوى الوثيقة بدلا من كتابتها؛
-4 - البريد الإلكتروني بدلا من الصادر والوارد؛
5 - - الإجراءات التنفيذية بدلا من محاضر الاجتماعات؛
6 - الإنجازات بدلا من المتابعة؛
7 - - اكتشاف المشاكل بدلا من المتابعة؛
8 - - التجهيز الناجح للاجتماعات.
من هنا،
فالتطبيق الصحيح لهذه التوجهات سيحيلنا مباشرة على تسليط الضوء على إيجابيات
الإدارة الإلكترونية، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
-1
- إدارة موارد المؤسسة إلكترونيا؛
2 - إ-دارة الأعمال عن بعد؛
3 - - حفظ كافة الوثائق والأعمال بشكل إلكتروني؛
4 - - وسيلة سريعة لنشر المعلومات والتعليمات على كافة المستويات الإدارية على اختلاف مكانها في أقل وقت ممكن وبأقل التكاليف؛
5 - - التحول إلى المجتمع اللاورقي؛
6 - - حماية وسرية تداول البيانات والمعلومات؛
7 - - نظام ذاكرة مؤسسية يشتمل على خطط العمل، وتقييم الأداء، ونظام إدارة التكليفات، والحضور، والانصراف، والموارد المالية، والاجتماعات، وأجندة أحداث العالم بالكامل، والتعلم الذاتي، والبحوث، الصادر والوارد...
2 - إ-دارة الأعمال عن بعد؛
3 - - حفظ كافة الوثائق والأعمال بشكل إلكتروني؛
4 - - وسيلة سريعة لنشر المعلومات والتعليمات على كافة المستويات الإدارية على اختلاف مكانها في أقل وقت ممكن وبأقل التكاليف؛
5 - - التحول إلى المجتمع اللاورقي؛
6 - - حماية وسرية تداول البيانات والمعلومات؛
7 - - نظام ذاكرة مؤسسية يشتمل على خطط العمل، وتقييم الأداء، ونظام إدارة التكليفات، والحضور، والانصراف، والموارد المالية، والاجتماعات، وأجندة أحداث العالم بالكامل، والتعلم الذاتي، والبحوث، الصادر والوارد...
إن
المغرب، وباعتباره دولة تتوفر على مؤهلات طبيعية وبشرية متميزة وقادرة على
المساهمة في تقدمه بشكل يتماشى ومتطلبات العولمة، مطالب بإدخال تعديلات جوهرية على
نمطه الإداري، وذلك بغية توفير أرضية ملائمة للعمل بمبادئ الإدارة الإلكترونية.
ومن هنا، يمكننا القول إن خلق مغرب جديد رهين بتوحيد جهود الجميع[23].
المطلب الثاني : مقاربات التدبير العمومي الجديد وتحديث المرفق العام بالمغرب
إن تطوير
التدبير المالي( الفقرة الأولى)و تأهيل العنصر البشري(الفقرة الثانية) وكذا تحديث أنظمة الرقابة(الفقرة
الثالثة). تشكل أهم المقاربات التي يرتكز عليها تحديث تدبير المرفق العام بالمغرب.
الفقرة الأولى: تطوير التدبير
المالي و رهان تحديث المرفق العام
بالمغرب
تندرج المقاربة الجديدة للتدبير
المالي في إطار تحسين فعالية النفقة العمومية و إصلاح التدبير العمومي من أجل
توجيهه نحو منطق النتائج و رقابة حسن الأداء. وهي مقاربة تأخذ بعين الاعتبار
ممستلزمات الاقتصاد و الفاعلية و الفعالية، وتعتبر كقطيعة مع الماضي فيما يخص
القواعد التي تتحكم في تدبير النفقات .
يتعلق الأمر بالتحول من منطق
الوسائل و الذي يكتفي بالسهر على استعمال الاعتمادات المتوفرة وفقا للقوانين و
التنظيمات الجاري بها العمل، إلى منطق النتائج الذي يستلزم اعتبار النتائج المحصل
عليها مقارنة مع الأهداف المسطرة.
و تسعى هذه المقاربة إلى نشر
ثقافة المساءلة على مستوى الإدارة العمومية. وقد تجسدت إرادة تفعيل هذا التصور من
خلال منشور السيد الوزير الأول الصادر في 25 دجنبر 2001 الذي يدعو فيه مجموع
الوزارات إلى ملائمة برمجة ميزانية الدولة و تنفيذها مع اللاتمركز.
و تستند هذه المقاربة على ثلاثة
ركائز أساسية: تفويض الاختصاصات الضرورية للقيمين على تنفيذ الميزانية، ومنحهم
صلاحيات واسعة للتصرف في الوسائل الموضوعة رهن إشارتهم ، و أخيرا إخضاعهم للمسائلة
على أساس ما حققوه من نتائج فعلية.
ومن شأن الالتزامات المتبادلة بين
الإدارات المركزية و مصالحها الخارجية أن تبرز الأهداف و مؤشرات نجاعة أداء
الإدارة اللاممركزة في نطاق ترابها. و تمكن تقارير و بيانات الأنشطة الدورية التي
يتم إعدادها من طرف المدبرين الترابيين من إطلاع الإدارة المركزية على تنفيذ
النفقات العمومية. و بالمقابل تعجل الإدارة المركزية بوضع الاعتمادات المالية
اللازمة رهن إشارة الأمرين المساعدين بالصرف لتحقيق مهامهم، و تقدم لهم الدعم كلما
دعت الضرورة لذلك.
ويقوم إصلاح الميزانية المرتكزة
على النتائج على مجموعة من الأليات أهمها شمولية الاعتمادات و التعاقد و الشراكة.
بالإضافة إلى دعامة هيكلية تتمثل في إطار تحليلي للواقع الاقتصادي و الاجتماعي
بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي للميزانية.
وفي هدا الإطار عرفت المالية
العمومية في المغرب إصلاحا تدريجيا مند سنة 2001
من خلال إصدار مرسوم رقم
2.01.2679 حيث تم تفعيل تقنية شمولية
الاعتمادات بمقتضى المادة الأولى القاضي
بتعديل المادة 17 مكرر من المرسوم رقم 2.98.401
المتعلق بإعداد و تنفيد قوانين المالية.لقد تم تبني و اعتماد مقاربة
التدبير المرتكز على النتائج من خلال
إدماج بعض آليات هده المقاربة ودلك من خلال اعتماد التخطيط المالي المتعدد السنوات
و البرمجة المتعددة السنوات واعتماد مؤشرات النجاعة و إعطاء حرية ومرونة أكبر
للمدبرين الماليين لإنجاز البرامج و المشاريع التي قاموا باقتراحها و إعدادها ودلك
عبر آليات شمولية الاعتمادات و لاتمركز
الاعتمادات و التعاقد، وقد عرفت هده السنة أيضا أيضا مجموعة من النصوص التي دشنت
مسلسل الإصلاحات في مجال التدبير المالي العمومي ، ومن بين هده النصوص نجد:
-منشور الوزير الأول الصادر في 25
دجنبر 2001، و تم فيه الربط بين دعم الالاتركيز الإداري و تدبير ميزانية الدولة و
تضمن هدا المنشور الإعلان عن اتخاذ مجموعة من التدابير على مستوى المساطر المالية
ابتداء من سنة 2002.
-منشور الوزير الأول رقم 12/2001
بتاريخ 25 دجنبر 2001 و المتعلق بكيفية برمجة و تنفيد ميزانية الدولة لإطار
اللاتمركز.
-منشور وزير المالية و الخوصصة
رقم E/483 بتاريخ 28 فبراير 2002 المتعلق بإجراءات تطبيق
المادة 17 من المرسوم 2.01.2676.
ولقد تم تتويج مسلسل إصلاحات
المالية العمومية بإصدار القانون التنظيمي 130.13 الدي كان نتيجة منطقية للتراكم
الدي تحقق تدريجيا في التدبير المالي العمومي مند سنة 2001 ، و الدي تمحور حول
ثلاثة مجالات أساسية :
·
تعزيز
نجاعة أداء التدبير العمومي
·
تقوية
شفافية المالية العمومية
·
تعزيز
دور البرلمان في مناقشة الميزانية.
لقد قام هدا القانون التنظيمي
الجديد على فلسفة النتائج ودلك عن طريق اعتماد هندسة ميزانياتية جديدة تعتمد على
تبويب يقوم على البرامج و المشاريع بدل الفصول و السطور ، و على التخطيط
الاستراتيجي عبر اعتماد برمجة ثلاثية السنوات لضمان موائمة أكبر للسياسات العمومية
و الموارد المالية و فعالية أكثر للنفقات العمومية من خلال اعتماد منهجية نجاعة
الأداء ،حيث سوف يتم إرفاق مشروع قانون المالية السنوي بمشروع نجاعة الأداء ،كما
يتعين على الحكومة إنجاز تقرير سنوي حول نجاعة الأداء للوقوف عن مدى تحقيق النتائج
التي تم توقعها و تقديم التفسيرات الضرورية في حالة وجود فارق بين ما تم إنجازه و
ما تم توقعه.
الفقرة الثانية:
تأهيل العنصر البشري ضمانة أساسية لتحديث المرفق العام
إن أداء وفعالية الإدارة مرتبطان
أوثق الارتباط بمستوى مردودية العنصر البشري المكون لها, فالموارد البشرية تعد
ركيزة أساسية للنهوض بالإدارة وتأهيلها للاندماج في محيطها الاجتماعي والاقتصادي
والمساهمة في رفع التحديات التي تفرضها العولمة والتنافسية الدولية وانسجاما مع
الإشارات القوية لجلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة للمكانة التي يجب أن
يتبوأها العنصر البشري في أي مشروع إصلاح ، ركزت الحكومة على تطبيق مقتضيات برنامج
الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في جوانبه المتعلقة بحسن استعمال الموارد
البشرية في الإدارة العمومية.
فلابد من الرھان على المھارات والكفاءات وعدم الاعتماد
فقط على المخططات العمیقة حیث لابد من تدبیر معقلن ودائم خاصة في ظل التحولات
التكنولوجیة التي تستوجب إعادة تأھیل العنصر البشري، وكذلك المنافسة الشرسة سیما بعد ازدیاد تدخل الخواص في تدبیر الشؤون العمومیة. فالأشخاص الذین یسھرون على تدبیر المرافق العمومیة
وتامین استمرارھا لابد أن نتوفر فیھم الكفاءة اللازمة التي تجعلھم قادرین على
مواكبة التحولات والتقلبات التي باتت سمة الإدارة في وقتنا
الحالي، خاصة وأن أي برنامج لتحدیث المرافق العامة یجب أن ینطلق من العنصر البشري، باعتباره ھو
المحرك الفعلي لھذه المرافق وبصفة عامة ، ومن أجل تأھیل وتثمین و تطویر العنصر
البشري ھناك عناصر لابد من احترامھا في أي مرفق عمومي والتي عمل المغرب على تبنيھا،
ضبط عملیات التوظیف بالمرافق العمومیة واعتماد أسلوب شفاف في الانتقاء وھو ما عمل به المغرب
حیث منذ سنة 2011أصبح المغرب یعتمد على
مبداً المباراة في إسناد الوظائف العمومیة. وذلك ما یخول للمرافق العمومیة تقییم
المؤهلات الحقيقة للمرشحین والتي من شأنھا أن تمكنھم من ممارسة وظیفتھم.
- ثم كذلك أسلوب إسناد المسؤولیات وذلك من خلال اعتماد نظام الحركیة كاسلوب لتزوید المرافق العمومیة بالكفاءات اللازمة،حسب حاجياتھا .
- ثم كذلك أسلوب إسناد المسؤولیات وذلك من خلال اعتماد نظام الحركیة كاسلوب لتزوید المرافق العمومیة بالكفاءات اللازمة،حسب حاجياتھا .
-
التركیز
على دور القیادة الاداریة في الرفع من مردودیة المرفق العمومي.
-
اعتماد
التدریب والتكوین للموارد البشریة.
ھذا بالاضافة إلى التحفیزات، سواء المادیة وذلك من خلال إصلاح نظام الأجور وجعل ذلك له علاقة عمیقة مع العمل وذلك باعتبار الأجر أھم حافز لرفع من مردودیة المرفق
العمومي، بالأضافة إلى فترات الراحة وتوفیر الرعایة الاجتماعیة و
الصحیة وضمان حق الحركیة والتنقل.
أما الحوافز المعنویة فھي تلك التي تھدف إلى تلبیة
حاجات العاملین المتعلقة بإثبات الذات ومتطلبات الروح المعنویة التي تساھم في رفع الإنتاجية والمردودية[24].
الفقرة الثالثة : تحديث أنظمة الرقابة و نجاعة
التدبير العمومي
أولا تحدیث أسالیب الرقابة الإداریة والقضائیة
بصفة عامة ولكبي تكون الرقابة فعالة یتعین أن تراعي الشروط
الآتیة:
-أن یكون النظام الرقابي قادرا علبى اكتشاف الانحرافات الھامة حتى تتمكن المنظمة من اتخاذ التدابیر التصحیحیة اللازمة للقضاء على هذه الانحرافات.أن یكون النظام الرقابي نافعا للأفراد فیما یخص تصحیح أدائھم.
-أن یكون النظام الرقابي قادرا علبى اكتشاف الانحرافات الھامة حتى تتمكن المنظمة من اتخاذ التدابیر التصحیحیة اللازمة للقضاء على هذه الانحرافات.أن یكون النظام الرقابي نافعا للأفراد فیما یخص تصحیح أدائھم.
-أن یكون النظام الرقابي شاملا بحیث یغطي كافة جوانب نشاط
المرفق.
-أن یستھدف النظام الرقابي التأكد من التزام الفاعلين بواجباتھم الوظیفیة وحملھم على النزاھة والتأكد من التطبیق السلیم للقوانین والتشریعات والأحكام.
-أن یستھدف النظام الرقابي التأكد من التزام الفاعلين بواجباتھم الوظیفیة وحملھم على النزاھة والتأكد من التطبیق السلیم للقوانین والتشریعات والأحكام.
-أن
یستھدف النظام الرقابي التحقق من أن الخدمات القي تقدمھا الإدارة للمرتفقین تتم
على أحسن وجه وتراعي في تقدیمھا المبادئ العامة التي تنظم النشاط الإداري.
وھذا ما یتطلب الاعتماد علبى الرقابة الذاتیة التي تمارسھا الإدارة العمومیة على نفسھا من لدن الرؤساء الإداریین؛ وذلك من أجل مطابقة أعمال الإدارة العمومیة لمقتضیات النصوص القانونية المنظمة للعمل والتأكد من تنفیذ الأعمال وفق المعاییر المحددة، كما أن تحدیث الرقابة الإداریة أصبح حالیا یصبو إلى إشاعة روح الابتكار و الابداع و ترشید الإدارة العاملة على تلمس وسائل التنظیم و التسییر الملائمة" [25] وإذا كان ھذا النوع من الرقابة مھما بالنسبة للإدارة والمرتفق إلا أنه قد لا یفي بتوفير الضمانات في جمیع الحالات لذلك یتم اللجوء إلى الرقابة القضائیة. وذلك على اعتبار أنھا رقابة تتسم بالتجرد والموضوعیة.
وھذا ما یتطلب الاعتماد علبى الرقابة الذاتیة التي تمارسھا الإدارة العمومیة على نفسھا من لدن الرؤساء الإداریین؛ وذلك من أجل مطابقة أعمال الإدارة العمومیة لمقتضیات النصوص القانونية المنظمة للعمل والتأكد من تنفیذ الأعمال وفق المعاییر المحددة، كما أن تحدیث الرقابة الإداریة أصبح حالیا یصبو إلى إشاعة روح الابتكار و الابداع و ترشید الإدارة العاملة على تلمس وسائل التنظیم و التسییر الملائمة" [25] وإذا كان ھذا النوع من الرقابة مھما بالنسبة للإدارة والمرتفق إلا أنه قد لا یفي بتوفير الضمانات في جمیع الحالات لذلك یتم اللجوء إلى الرقابة القضائیة. وذلك على اعتبار أنھا رقابة تتسم بالتجرد والموضوعیة.
2- الرقابة القضائیة
ففي المغرب ففد عرفت ھذا النوع من الرقابة تطورا
مهما وذلك منذ إنشاء المجلس الأعلى في 27 شتنبر
[26]1957
وذلك بإحداث غرفة إداریة تنظر في إلغاء القرارات الصادرة عن السلطة الإداریة والمشوبة
بعدم الشرعية ثم تم إحداث المحاكم الإداریة بقانون 90/41 كجھة قضائیة مستقلة للنظر
في المنازعات الإداریة، كما أن الفصل 118من دستور 2011في فقرته الثانیة نص على أن كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان
تنظیمیا أو فردیا یمكن الطعن في أمام الجھة القضائية الإدارية المختصة[27] إلا أني ھذا البناء القضائي لا یزال
یتطلب ھو الآخر إدخال آلیات جدیدة للتحدیث حیث یتطلب وضع قانون المسطرة الإداریة
التي سوف تبین ونوضح الإجراءات الواجب اتباعھا في المنازعات الإداریة، وكذا
استكمال بناء ھذا الصرح الفضائي بإنشاء مجلس للدولة أو المحكمة الإداریة العلیا
لتتویج الھرم القضائي الاداري لبلدنا.
ثانيا: اعتماد آلیات التدقیق والافتحاص
بدون
أدنى شك، بات من الطبیعي أن تكون العلاقة بین الإدارة والمتعاملین معھا علاقة
مؤسسة على أھداف و غایات تتوازن حول مفھوم المصلحة العامة و النجاعة التدبیریة أو بتعبیر آخر، الحفاظ على أھمیة
المرفق العمومي مع الحفاظ على فعالیة التدبیر و ترشید المال العمومي، غیر أنه في
غیاب وظائف التدقیق و الافتحاص قد لا نصل إلى ھذا التوازن المنشود بین ضرورة
الفعالیة وخدمة الصالح العام ومن ھنا تعتبر وظائف التدقیق وسیلة علاجیة وتقویمیة
للحد من اختلالات التسییر المالي والمحاسبي والتنظیمي وطرح البدائل القمینة بتصحیح
المسارات الخاطئة.[28]
وھذا
ما یجعل المرفق العمومي ملزما في وقتنا الحالي بإدخال آلیات التدقیق والافتحاص
الداخلي وذلك بإنشاء وحدات داخل الإدارة معھود إلیھا بفحص العملیات الاداریة
والمحاسبیة للمرفق العمومي، أو اللجوء إلى مكاتب التدقیق الخارجي اي لا تقل أھمیة
عن التدقیق الداخلي.
إن
تراكم الوسائل والطرق التقليدية في العمل الإداري، وما أثبتته عبر مرور الوقت من
عدم فعاليتها وعدم مردوديتها وعدم مسايرتها لمتطلبات المرتفقين والتطورات العالمية
السريعة في ظل العولمة، دفع العديد من الباحثين في مجال العلوم الإدارية، إلى
البحث عن وسائل وطرق حديثة للتسيير الإداري أو ما أصبح يعرف بالتدبير العمومي الجديد.
وعليه جاء التدبير العمومي الحديث بمجموعة من الوسائل والتقنيات والآليات الحديثة من أجل النهوض بالعمل العمومي بشكل عام والعمل الإداري بشكل خاص، ورفعه إلى مستوى المردودية الذي تعرفه المقاولات الخاصة الناجحة التي تعتمد طرق تدبيرية جد فعالة.
فالتدبير العمومي الحديث جاء بوسائله ومجالاته التدبيرية بعد الفحص الدقيق لأهم العراقيل التي تحول دون تحقيق أهداف وغايات الجهاز الإداري العمومي، وهي عراقيل ترتبط بمستوى العلاقات الإنسانية داخل الوحدة الإدارية وبعقليات القيادات الإدارية .
وعليه جاء التدبير العمومي الحديث بمجموعة من الوسائل والتقنيات والآليات الحديثة من أجل النهوض بالعمل العمومي بشكل عام والعمل الإداري بشكل خاص، ورفعه إلى مستوى المردودية الذي تعرفه المقاولات الخاصة الناجحة التي تعتمد طرق تدبيرية جد فعالة.
فالتدبير العمومي الحديث جاء بوسائله ومجالاته التدبيرية بعد الفحص الدقيق لأهم العراقيل التي تحول دون تحقيق أهداف وغايات الجهاز الإداري العمومي، وهي عراقيل ترتبط بمستوى العلاقات الإنسانية داخل الوحدة الإدارية وبعقليات القيادات الإدارية .
فإن
تحسين مناهج العمل داخل الإدارة العمومية هو الهدف الرئيسي للتدبير العمومي
الحديث، وذلك من خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة للجمهور وأخذ المواطن بعين
الاعتبار كزبون أساسي للإدارة العمومية واعتبار رضاه، المعيار الرئيسي لنجاح تنمية
إدارية في أي بلد .
فإصلاح
مناهج الإدارة من وجهة العلوم الإدارية يقوم على عقلنة العمل الإداري، وبعقلنة طرق
اتخاذ القرار ومفهوم القيادة ،ونعتقد أن هذه الجوانب الثلاثة تصب كلها في
تبني مفهوم تحديثي للتدبير، والذي يشمل عقلنة طرق تسيير الموارد البشرية والمادية،
وكل ذلك وفق مبدأ أساسي من مبادئ التدبير العمومي وهو مبدأ المسؤولية كأمانة ،تعني
إضفاء الطابع الأخلاقي /الديني على ممارسة الوظائف والمسؤوليات .
فالجودة
والشفافية والمصلحة العامة أهم مبادئ يجب أن تسود التدبير العمومي لتمكينه
من تحقيق الدور المنوط به لتفعيل العمل الإداري خاصة وأن حسن التدبير يؤدي إلى
حكامه جيدة ، وكذا مساهمته في إيجاد حلول للعديد من المشاكل التي تواجه أي دولة
وخاصة محاربة الفقر وتحقيق تنمية شاملة .
فالتدبير
المحكم والمعقلن والفعال ،له غاية أساسية تتمثل في النفعية ،أي ان لكل منظمة كيفما
كنت طبيعتها لها أهداف ووسائل مادية وبشرية يجب التعامل معها انطلاقا من أربع
عمليات:
- التخطيط -
التنظيم
- التنشيط - الرقابة.
هذه
العمليات تعتبر المبادئ الأساسية للإدارة السليمة ، فالتدبير العمومي يهدف إلى
تحسين نوعية الأداء الإداري والخدمات الإدارية من خلال استغلال واستعمال أدوات
جديدة للتدبير ، كما يهدف إلى الحد من صلابة التنظيم الإداري ،وخلق مرونة في
النظام التواصلي داخل الإدارة العمومية ومع محيطها الخارجي.
إن
ظهور طرق جديدة للتدبير العمومي الحديث، وكذا بروز معطيات اقتصادية جديدة أصبحت
تتحكم في ممارسة المرافق العمومي لمختلف أنشطتها في الوقت الحالي، أحدث تحولات
مهمة على مستوى أهداف وطرق تسيير الإدارة العمومية.
قائمة المراجع
·
عزيز
ادريس، اشكالية الشفافية داخل الإدارة العمومية المغربية، مذكرة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
الرباط -أكدال
،1997 -1996
·
.عفلة
عبد الحق، دراسات
في علم التدبیر،
طبعة "2007-2006
·
أحمد صابر ، النظام الإداري المغربي بين التقليد و التحديث .
·
استرتيجية تحديث القطاعات
العامة: برنامج العمل لوزارة تحديث القطاعات العامة 2009.
·
حسام الدين الأنصاري،
دور تقنيات العلوم الإدارية في التنمية الاقتصادية، مقال منشور في صحيفة الزمان https://www.azzaman.com/?p=167496.
·
دستور
المملكة المغربية، .2011
·
العباس الوردي" الإدارة
الإلكترونية وآليات تفعيلها في المغرب " نشر في جريدة المساء يوم
13 - 01 - 2012
·
عبد الله
حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية
·
كريم الشكاري :
مستجدات الدستور المغربي الجديد في مجال اللاتركيز موقع Maroc droit
·
كلمة السيج وزير
المالية فتح الله ولعلو بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية الأولى حول إصلاح الإدارة
بالمغرب 2002.
·
كومغار ابراهيم،
المرفق العمومي على نهج
التحديث.
·
المغرب الممكن :
الإدارة و تحديات 2010 .
·
نزار الفراوي ،
العولمة و أزمة الدولة الوطنية ،سلسلة المعرفة للدميع ، منشورات رمسيس 2015.
·
نوال الهناوي "التدبير العمومي الجديد " أطروحة
الدكتوراة في القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط أكدال س ج 2008/2009 .
·
نوال الهناوي "التدبير العمومي الجديد".
·
A.Sedjari et O.El.Aklai : le role des technologies d’information et
de communication dans la prise des décisions.In :Administration
,gouvernance et décision publique 2004
·
Gérard
charreaux et jean pière pitol belin M ; les théories des organisations
·
Hatim Mrad . participation des citoyens dans la conduite de l action
public . colloque international du GRET organisé à Rabat les 28 et 29 mai 2003
·
Mark hufty: Etat néolibéralisme- Nouvelle gestion
publique
·
Mustapha ben letaief ; les mutations des services publics en
tunisie. REMALD . n 35 – 2002
·
OCDE . la gestion publique en mutation- 1995
·
YVES EMERY et DAVID
Giouque – paradoxes de la gestion publique
[1]) ) حسام الدين الأنصاري، دور تقنيات العلوم الإدارية في
التنمية الاقتصادية، مقال منشور في صحيفة الزمان https://www.azzaman.com/?p=167496.
[4] Hatim Mrad . participation des citoyens dans la
conduite de l action public . colloque international du GRET organisé à Rabat les 28 et 29 mai 2003 p 341.
[8] كلمة السيج وزير المالية فتح الله ولعلو بمناسبة انعقاد المناظرة
الوطنية الأولى حول إصلاح الإدارة بالمغرب 2002
[9] A.Sedjari et O.El.Aklai : le role des
technologies d’information et de communication dans la prise des
décisions.In :Administration ,gouvernance et décision publique 2004 p105
[10] نوال الهناوي "التدبير العمومي الجديد " أطروحة
الدكتوراة في القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط أكدال س ج 2008/2009 ص 51
[20] عزیز ادریس، إشكالیة
الشفافیة داحل الإدارة العمومیة المغربیة، مدكرة لنیل دبلوم الدراسات العلیا في
القانون العام، كلیة العلوم القانونیة والاقتصادیة والاجتماعیة الرباط -أكذال، ،1997 -1996 ص209 -208
القانون العام، كلیة العلوم القانونیة والاقتصادیة والاجتماعیة الرباط -أكذال، ،1997 -1996 ص209 -208
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق