يقوم النظام السياسي
التونسي على أساس الوثيقة الدستورية الصادرة عن المجلس الوطني التأسيسي المنتخب
على إثر ثورة الحرية و الكرامة (17/12/2010-14/01/2011) و الذي تم اعتماده رسميا
بتاريخ 26/01/2014.
و حري بالذكر أن
الوثيقة الدستورية التونسية قد رسمت بناء على العديد من القيم العليا التي حسمت
بشكل قاطع مع الكثير من الإشكالات و الخلافات السياسية و الفكرية لدى مختلف
الفرقاء قبل و بعد الثورة، و عليه فقد جاءت توطئة الدستور و فصوله مؤكدة على هذه
القيم العليا و المتمثلة في[1]:
·
القطع مع الظلم و
الحيف
·
التمسك بتعاليم
الإسلام و مقاصده المتسمة بالتفتح و الاعتدال
·
التمسك بالقيم
الإنسانية و ميادئ حقوق الإنسان الكونية السامية
·
الرصيد الحضاري على
تعاقب أحقاب التاريخ التونسي
·
النظام الجمهوري الديمقراطي
التشاركي
·
الدولة المدنية
السيادة للشعب
·
التداول السلمي
للحكم
·
الفصل بين السلطات و
التوازن بينها
·
التعددية و حياد
الإدارة و الحكم الرشيد
·
علوية القانون و
احترام الحريات و حقوق الإنسان
·
استقلالية القضاء و
المساواة في الحقوق و الواجبات
من جهة أخرى فإن الدستور
التونسي و سعيا من المشرع الدستوري التونسي على بناء دولة تضمن كافة هذه القيم جاء
دقيقا و مركزا، و من خلال 149 فصلا تناول المبادئ العامة و الحقوق و الحريات و
السلطات و الهيئات الدستورية.
و للإحاطة بالنظام السياسي التونسي من جميع
جوانبه، و بحكم أن المبادئ و الحقوق و الحريات لم تخرج عن ما هو معهود في الوثائق
الدستورية لباقي دول العالم، و لأن ما يميز النظام السياسي التونسي هو بنية
مؤسساته و سلطاته فإننا سنتناول كل موضوع على حدة.
أولا: السلطة
التنفيذية [2]
تتميز السلطة التنفيذية في الدستور التونسي
بالازدواجية ( رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة) و بتقاسم الصلاحيات فيما بينهما في
سياق حرص المجلس التأسيسي على إقامة نظام جمهوري شبه رئاسي و القطع مع الطابع
الرئاسي لجمهورية التونسية منذ استقلالها و إلى غاية قيام الثورة، و في هذا السياق
فقد قيد تولي منصب رئيس الجمهورية في ولايتين فقط مدة كل واحدة منهما خمس سنوات، و
فرض الدستور التعاون و التوازن بين المؤسستين، كما ألزم تعيين رئيس الحكومة من
الحزب المتصدر لنتائج انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب و هو في هذا الصدد جاء
مماثلا لما نص عليه الدستور المغربي منذ سنة 2011.
ثانيا: السلطة
التشريعية [3]
اعتمد النظام البرلماني التونسي نظام الغرفة
الواحدة ممثلة في مجلس نواب الشعب المنتخبون بالاقتراع العام السري و المباشر لمدة
ست سنوات، و يتفرد المجلس بسلطة التشريع و بعدة خصائص:
1-
من حيث الانعقاد:
يعقد مجلس نواب الشعب دورة عادية تبتدئ خلال شهر أكتوبر من كل سنة و تنتهي خلال
شهر يوليو و يكون في حالة عطلة شهري غشت و شتنبر، و لعل نص الوثيقة الدستورية على
دورة واحدة لمدة 10 أشهر تدل على المكانة التي أولاها المشرع الدستوري التونسي
للسلطة التشريعية حيث اعتبرها السلطة الأولى من حيث تبويب الدستور حيث جاءت قبل
جميع السلط من جهة و من جهة أخرى جعل البرلمان في حالة انعقا شبه دائم.
2-
من حيث المبادرة
التشريعية: يتميز البرلمان التونسي بتعدد
الجهات المخول لها ممارسة المبادرة التشريعية (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، 10
نواب من المجلس).
3-
من حيث الاستقلالية:
تتأكد استقلالية السلطة التشريعية عن باقي السلط الأخرى و خاصة عن السلطة
التنفيذية في عدم إمكانية الجمع بين عضوية البرلمان و العضوية في الحكومة.
4-
من حيث دور
المعارضة: سعيا منه لتطويق أية محاولة للهيمنة السياسية و لو من طرف الأغلبية، نص
المشرع الدستوري التونسي من خلال وثيقة الدستور على دور متميز للمعارضة حيث
اعتبرها مكونا أساسيا في مجلس نواب الشعب و ضمن لها تمثيلية مناسبة و فاعلة في كل
هياكل المجلس و أنشطته الداخلية و الخارجية و أوجب لها رئاسة اللجنة المكلفة
بالمالية و خطة مقرر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، إضافة إلى حقها في تكوين
لجنة تحقيق كل سنة و ترؤسها[4].
ثالثا:
السلطة القضائية[5]
يتميز النظام
القضائي التونسي بالتعددية بحيث تنفصل المحاكم الإدارية عن المحاكم العادية (
العدلية ) عن بعضهما البعض في كافة مراحل التقاضي و لهذا فإن الوثيقة الدستورية قد
اختصت كل واحدة منهما بهيكلة خاصة:
1-
القضاء العدلي: و
يتكون من محكمة تعقيب و محاكم درجة ثانية و محاكم درجة أولى
2-
القضاء الإداري: و
يتكون من محكمة إدارية عليا، و محاكم إدارية استئنافية، و محاكم إدارية ابتدائية.
3-
القضاء المالي:
يتمثل في محكمة المحاسبات، أي ما يعادل المجلس الأعلى للحسابات في المغرب.
4-
المحكمة الدستورية:
تختص بمراقبة دستورية القوانين.
و من جهة أخرى يمارس
المجلس الأعلى للسطة القضائية اختصاصاتها باستقلالية، و يتكون المجلس من أربعة
هياكل هي: مجلس القضاء العدلي، مجلس القضاء الإداري، مجلس القضاء المالي، الجلسة
العامة للمجالس القضائية الثلاثة.
في حين نجد السلطة
القضائية في المغرب تتمثل في المجلس الأعلى للسلطة القضائية و التنظيم القضائي
يتميز بالتنوع على مستوى محاكم الدرجة الأولى و الثانية (المحاكم التجارية،
المحاكم الإدارية، المحاكم العادية) و تتوحد على مستوى المحكمة العليا (محكمة
النقض)
رابعا:
السلطة المحلية[6]
تقوم على أساس
اللامركزية المتجسدة في جماعات محلية: بلديات و جهات و أقاليم تتمتع باستقلال مالي و إداري و تديرها مجالس
منتخبة انتخابا مباشرا بالنسبة للبلديات و الجهات أما الأقاليم فتنتخب مجالسها من
قبل أعضاء المجالس البلدية و الجهوية.
و تشرف على الجماعات المحلية مؤسسة تسمى المجلس الأعلى للجماعات المحلية و
له دور تمثيلي لهذه المجالس و يبدي رأيه في مشاريع القوانين المتعلقة بالتخطيط و
الميزانية و المالية و يمكن له حضور مداولات البرلمان في هذا الخصوص.
خامسا: الهيئات الدستورية المستقلة
2-
هيئة الاتصال السمعي البصري[8]:
تسهر على تطوير قطاع الاتصال السمعي البصري و ضمان حرية
التعبير و الإعلام في إطار التعددية. و يقابلها في النظام المغربي الهيئة العليا
للاتصال السمعي البصري أو ما يسمى اختصارا بالهاكا.
3-
هيئة حقوق الإنسان[9]: تراقب و تحقق في حالات انتهاك حقوق الإنسان، و يقابله
في النظام المغربي المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
4-
هيئة التنمية المستدامة و حقوق الأجيال القادمة[10]:
تعنى بالمسائل المتعلقة بالجوانب الاقتصادية و الاجتماعية
و البيئية و مخططات التنمية، و يقابلها في النظام المغربي المجلس الاقتصادي و الاجتماعي
و البيئي.
5-
هيئة الحوكمة الرشيدة و مكافحة الفساد[11]:
تهتم بمكافحة الفساد و تعزز مبادئ الشفافية و النزاهة و
المساءلة، و يقابلها في النظام المغربي هيئات : هيئة الحكامة الجيدة و التقنين،
الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها.
سابعا: الشأن الديني
اكتفى الدستور التونسي بالنص على أن الإسلام دين الدولة [12]، و أن الدولة راعية للدين
و كافلة لحرية المعتقد و الضمير و ممارسة الشعائر الدينية[13] و ضامنة لحياد المساجد و
دور العبادة عن التوظيف الحزبي.
و لم ينص الدستور على أية مؤسسة تعنى بالجانب الديني ، كما أكد على مدنية
الدولة التونسية تقوم على المواطنة و علوية القوانين دون الإشارة إلى اعتبار
الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع.
و يعتبر اتفاق الفرقاء التونسيون
على الوثيقة الدستورية بما تضمنته من قيم و محددات حاسمة لا تقبل التعديل خاصة
الفصل الأول الذي ينص على النظام الجمهوري للدولة و اسلاميتها و لغتها العربية و
كذا الفصل الثاني الذي ينص على مدنية الدولة و سيادة القانون و إرادة الشعب،
اتفاقا تاريخيا جنب الشعب التونسي الدخول
في صراعات لا متناهية حول مرجعية الدولة و هويتها مستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق