مقدمة
شكل شعار الانتقال الديمقراطي إطارا لتحول بعض الأنظمة من الصبغة الاستبدادية إلى الصبغة الديمقراطية، و لقد كانت تجربة الانتقال في إسبانيا منذ 1978 ملهمة للعديد من الشعوب لنهج هذا الأسلوب الذي اتسم بالسلمية و بالقدرة على ترسيخ أسس ديمقراطية حقيقية قادرة على حسم الخلافات الجوهرية بين الفرقاء السياسيين بما فيها تلك التي شكلت بنية الأنظمة السابقة أو امتدادا لها، و هكذا كان العالم أمام موجهة من الديمقراطية التي شملت العديد من البلدان في مختلف القارات بدرجات متفاوتة.
كما كانت دول وسط و شرق أوروبا على موعد مع الانتقال الديمقراطي منذ أواخر الثمانينات و بداية التسعينات في سياق ضعف و انهيار الأنظمة التي ارتبطت بشكل أو بآخر بالاتحاد السوفييتي و شكلت ما سمي آنذاك بالمعسكر الشرقي الذي تميزت أنظمة الدول المشكلة له بطابعها الاستبدادي الشمولي.
و لقد كان المغرب من الدول التي تبنت هذا الشعار مع فارق في الظروف السياسية و التاريخية التي اتسمت باحتدام الصراع السياسي بين الفرقاء السياسيين المشكلين للحركة الوطنية و ما انبثقت عنها من تيارات أكثر راديكالية من يسار و يسار جديد، وبين النظام و المكونات السياسية التي شكلت امتدادا له في حقل الصراع السياسي، و قد أخذ الصراع السياسي في المغرب صورة المواجهة فيما عرف بسنوات الرصاص و التي ابتدأت منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي و استمرت إلى منتصف السبعينات مع تدشين المغرب لما عرف منذ ذلك الحين بالمسلسل الديمقراطي الذي استجابت له بعض التيارات اليسارية و القوى الديمقراطية و الوطنية (حزب الاستقلال، حزب التقدم و الاشتراكية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، ثم انضمت إليه بعض فصائل اليسار الجديد مع مطلع الثمانينات (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي).
و طيلة العقود التي أعقبت حصول المغرب على استقلاله، و رغم تبني المغرب رسميا نظاما سياسيا يقوم على الملكية الدستورية و الديمقراطية التعددية، و هو الأمر الذي رسخه أول دستور سنة 1962، إلى أن المسار الديمقراطي عرف الكثير من الانتكاسات الناتجة عن انسداد الأفق السياسي بين الفرقاء ما أسفر عن انفجارات اجتماعية تمثلت في انتفاضات شعبية و مواجهات مسلحة، و إعلان حالة الاستثناء و تعرض المغرب لانقلابين عسكريين فاشلين...
و لم يكن المغرب في منأى عن الاضطرابات الاجتماعية طيلة فترة الثمانينات و التسعينات إلى غاية النصف الثاني من عقد التسعينات الذي تميز بطرح نقاش رسمي و عمومي حول التناوب التوافقي كمدخل لتحقيق باقي سمات الانتقال الديمقراطي الحقيقي.
إن الانتقال الديمقراطي كما عرفه "معجم إكسفورد للمبادئ التاريخية" هو "العبور من وضع سياسي مؤسساتي مأزوم ، متقادم و محتقن، إلى وضع آخر متطور تحديثي واعد، أي أنه مسلسل طويل و متشابك الحلقات من التغيرات والتحولات، غالبا ما يكون محفوفا بالمجازفات"، في حين يعرفه الدكتور محمد الأخصاصي - في دراسته المعنونة بـ: الاصلاحات في المغرب الحصيلة و المستقبل المنشورة بسلسلة المستقبل العربي العدد 444 – على أنه "انتقال سياسي يتمفصل حول مدخلات الإصلاحات السياسية و المؤسساتية و الحقوقية التي تبثق من إرادة سياسية، و تعبر عن رؤية مستقبلية في اتجاه الخروج من شرنقة الحكم السيء المتسم بالاستبداد الفردي أو الجماعي، و الفساد الاقتصادي و الاجتماعي، نحو فضاء الحكم الرشيد القائم على إرساء دولة الحق و القانون و المؤسسات، ذلك أن احترام الحريات الفردية و الجماعية، و إجراء الانتخابات وفق معايير الحرية و الشفافية و النزاهة، و إرساء آليات التداول على السلطة بين الأغلبية و المعارضة، و تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات ..تشكل في مجموعها عناصر أساسية في منظومة الإصلاح و الانتقال الديمقراطيين".
إذن من خلال التعريفين يتضح أن السمات الأساسية للانتقال الديمقراطي هو الإصلاحات السياسية و المؤسساتية و الحقوقية و مدى نجاح الدول في تحقيق إصلاحات حقيقية في هذا المضمار ، بحيث أن تجربة العديد من الدول اتسمت بتحقيق ديمقراطية شكلية لا تستند على إصلاحات عميقة في بنيتها السياسية و المؤسساتية و لا تضمن حقوقا و حريات لمواطنيها مع القطع مع ماضي الانتهاكات الحقوقية مما يبقي كافة الشروخ الكفيلة بإجهاض تجربة الانتقال كامنة في عمق المجتمع، و بالتالي نجد أن الدول التي تبنت ما عرف بالعدالة الانتقالية كمدخل للانتقال الديمقراطي قد استطاعت وضع أسس الانتقال الحقيقي القادر على الصمود أمام تراكمات عقود من الحقد بين الفرقاء، و شكلت نتائج لجان المصالحة منطلقا و أرضية للإصلاحات السياسية و المؤسساتية في تلك الدول التي تشكل جنوب إفريقيا التجربة الأكثر نضوجا في هذا الصدد.
فما دام البعد الحقوقي و السياسي هما السمتان الرئيسيتان للانتقال الديمقراطي، فإننا سنحاول ملامسة مشروع الانتقال الديمقراطي في المغرب من خلال هذين المقتربين مركزين على عهد الملك محمد السادس الذي شكل الملكية الثانية في المغرب من خلال ترسيخ قيم حقوق الإنسان و إعادة صياغة البناء السياسي و المؤسساتي، فإلى أي حد استطاع المغرب الذهاب بعيدا في مساره الديمقراطي؟ و هل ما تم تحقيقه يمس عمق الاختلالات أم أنه لا يعدو إصلاحا شكليا؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه معتمدين على المنهج الوصفي و التحليلي لبيان مقومات الانتقال الديمقراطي في المغرب و تحليل مدى جديتها و قدرتها على تحقيق هدف الانتقال في شتى سماته، و ذلك من خلال الخطة التالية:
المبحث الأول: العدالة الانتقالية كمدخل للانتقال الديمقراطي في المغرب
العدالة الانتقالية ، هي مفهوم يحيل على قضايا معروفة في "علوم الانتقال السياسي"[1] و قد عرفت العديد من الدول هذه التجربة سواء كمحدد لطي علاقة النزاع المسلح كما في الحروب الأهلية ، أو على إثر ثورات مسلحة أو سلمية، أو في سياق التغيير الجذري للأنظمة الاستبدادية، بحيث يعدد الباحثون في هذا المجال حوالي 40 تجربة لجن الحقيقة في العالم.
لكن ما يميز التجربة المغربية و يصبغها بصبغة التفرد، كونها جاءت في ظل نفس النظام السياسي القائم في المغرب و ليست نتيجة لتجاوزه، و الأكثر من ذلك أنها جاءت في ظل مناخ سياسي لم يتسم بأي احتقان حقيقي و بمبادرة من النظام السياسي في المغرب نفسه.
إن تجربة العدالة الانتقالية ابتدأت في المغرب حتى قبل الملكية الثانية، و كانت إرهاصاتها في ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني لتعرف انطلاقة حقيقية منذ تولي الملك محمد السادس عرش البلاد في صيف 1999.
و للإحاطة بموضوع العدالة الانتقالية في المغرب ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، تناولنا في الأول المفهوم و المنطلقات المتعلقة بهيئة الإنصاف و المصالحة، فيما تناولنا في المطلب الثاني مكامن القوة و الضعف في هذه التجربة.
المطلب الأول: هيئة الإنصاف و المصالحة: المفهوم و المنطلقات
لتحديد مفهوم هيئة الانصاف و المصالحة و منطلقاتها علينا التطرق إلى التأسيس النظري لها في الفرع الأول ثم التطرق إلى مقاربة الهيئة لطي ماضي الانتهاكات الجسيمة في الفرع الثاني.
الفرع الأول: التأسيس النظري لهيئة الإنصاف و المصالحة
يتحدد الأساس النظري للعدالة الانتقالية المغربية المجسدة في هيئة الإنصاف و المصالحة في مرجعية هذه الأخيرة (الفقرة الأولى) كما تتحدد في آليات اشتغالها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: في مرجعية هيئة الإنصاف و المصالحة
ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻟﺠﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ إﻟــﻰ ﻣﻨﻈﻮﻣﺎت ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻗﺎﺳﻤﻬﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻣﺒﺎدئ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﺣﻜﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻗﻴﻢ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻛﻞ اﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻹﺟﺮاﺋﻴﺔ واﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻌﺎرﺿﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺒﺎدئ واﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﺪوﻟﻴﺔ وﻣﻊ أﺣﻜﺎم وﻗــﺮارات اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن[2].
و في هذا الصدد جاءت تجربة العدالة الانتقالية في المغرب في ظل دستور 1996 الذي كرس تعديلات 1992 بخصوص تشبث ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﻐﺭﺒﻴﺔ بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا مما يعني التزام المغرب بالمرجعية الدولية لحقوق الإنسان و انخراطه في العمل بالمعايير المتعلقة بها.
و في ظل التوجهات الملكية المتماشية مع هذا السياق صدر قرار ملكي سامي بتاريخ 06\11\2003، تمت بموجبه المصادقة على توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان[3] التي رفعها إلى الملك بتأسيس هيئة الإنصاف و المصالحة 1- بموجب المادة 7 من الظهير الشريف رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.
و هذا يعني أن التجربة المغربية تشبثت بالمقتضيات القانونية الوطنية و الدولية، و في مناخ من السلم الاجتماعي الشيء الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة للإشادة بالتجربة المغربية ضمن تقريره المقدم لمجلس الأمن حول " سيادة القانون و العدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع، و مجتمعات ما بعد الصراع" في غشت 2003 معتبرا إياها من التجارب الخمس الأوائل من بين ما يزيد عن 30 تجربة.
الفقرة الثانية: في آليات اشتغال هيئة الإنصاف و المصالحة
تمحور عمل هيئة الإنصاف و المصالحة في خمس آليات هي: التقييم، البحث و التحري، التحكيم، و الاقتراح :
التقييم: بحيث قامت الهيئة بتقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي، من خلال الاتصال ﻤﻊ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻠﻁﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻭﻤﻴﺔ ﻭ ﺍﻹﺩﺍﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻭﻗﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻀﺤﺎﻴﺎ و عائلاتهم و ممثليهم .
البحث ﻭﺍﻟﺘﺤﺭﻱ: قامت ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ بالتحريات ﻭ تلقي ﺍﻹﻓﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻹﻁﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺸﻴﻔﺎﺕ ﺍﻟﺭﺴﻤﻴﺔ ﻭﺍﺴﺘﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﻁﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ توفرها أية جهة، ﻟﻔﺎﺌﺩﺓ ﺍﻟﻜﺸﻑ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻤﻥ ﺃﺠل إثبات نوعية جسامة الانتهاكات ﺍﻟﻤﺎﻀﻴﺔ ﻟﺤﻘﻭﻕ الإنسان، و ﻤﻭﺍﺼﻠﺔ ﺍﻟﺒﺤﺙ بشأن حالات الاختفاء القسري ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻡ ﻴﻌﺭﻑ ﻤﺼﻴﺭﻫﺎ ﺒﻌﺩ، ﻭﺒﺫل ﻜل ﺍﻟﺠﻬﻭﺩ ﻟﻠﺘﺤﺭﻱ ﺒﺸﺄﻥ ﺍﻟﻭﻗﺎﺌﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻡ ﻴيتمﻡ استجلاؤها؛ ﻭﺍﻟﻜﺸﻑ ﻋﻥ مصير ﺍﻟﻤﺨﺘﻔﻴﻥ، ﻤﻊ إيجاد ﺍﻟﺤﻠﻭل الملائمة بالنسبة ﻟﻤﻥ ثبتت ﻭﻓﺎﺘﻬﻡ؛ و ﺍﻟﻭ ﻗﻭﻑ ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺎﺕ أجهزة ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ .
ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ: واصلت ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺫﻱ ﻗﺎﻤﺕ به ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﻭﻴﺽ سابقا ، ﻟﻠﺒﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻁﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺭﻭﻀﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بالتعويض ﻋﻥ الأضرار ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺕ ﻀﺤﺎﻴﺎ الانتهاكات الجسيمة أو ذوي حقوقهم. ﻜﻤﺎ قامت بتقديم المقترحات و التوصيات ﻤﻥ أجل إيجاد حلول ﻟﻘﻀﺎﻴﺎ ﺍﻟﺘﺄﻫﻴل ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺼﺤﻲ ﻭﺍﻹﺩﻤﺎﺝ الاجتماعي، و استكمال مسلسل حل ما تبقى من المشاكل الإدارية و الوظيفية و القانونية، و القضايا المتعلقة بنزع الملكية
ﺍﻻﻗﺘﺭﺍﺡ: تولت الهيئة ﺇﻋﺩﺍﺩ تقرير ختامي يتضمن خلاصات الأبحاث و التحريات و التحاليل بشأن الانتهاكات و سياقاتها و تقديم التوصيات و المقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة و بضمان عدم تكرار ما جرى، و محو آثار الانتهاكات و استرجاع الثقة وتقويتها بحكم القانون و احترام حقوق الإنسان.
الفرع الثاني : مقاربة الهيئة لطي ماضي الانتهاكات
هيئة الانصاف و المصالحة هي ذات طبيعة غير قضائية، و الهدف من تأسيسها هو كشف الانتهاكات الجسيمة و تعويض ضحاياها و إيجاد الحلول لعدم تكرار مآسي الماضي، دون تحميل أية مسؤولية فردية أو جماعية لرجالات الدولة المسؤولين عن تلك لانتهاكات، ما دامت الدولة قد اعترفت بمسؤوليتها ، و بالتالي فإن مقاربة الهيئة لطي صفحة ماضي الانتهاكات اتسمت بالكشف و جبر الضرر، و هذا ما يتجلى من خلال حصيلة عملها (الفقرة الثانية) و إطارها التنظيمي (الفقرة الأولى)
الفقرة الأولى: الإطار التنظيمي لهيئة الإنصاف و المصالحة
بحسب نظامها الأساسي، فإن الهيئة قد تحددت اختصاصاتها في اختصاص نوعي و آخر زمني، فالاختصاص النوعي يهم نوعية الانتهاكات التي كلفت بمعالجتها و هي الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي[4]، أما الاختصاص النوعي فيهم الفترة الزمنية التي حصلت فيها الانتهاكات و التي تبتدئ من أوائل الاستقلال إلى غاية تاريخ مصادقة الملك على إحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي صيف 1955.[5]
أما فيما يتعلق بتشكيلها فقد تشكلت من مناضلين حقوقيين و معتقلين سابقين برئاسة الراحل إدريس بنزكري، و توزع نشاطها على هياكل تنظيمية تحددت في فرق و لجان و إدارة:
فرق العمل: بحيث ضمت الهيئة ثلاث فرق عمال هي:
- فريق العمل المكلف بالتحريات: تولى البحث في شأن المختفين الأحياء منهم و الأموات.
- فريق العمل المكلف بجبر الأضرار: تولى مواصلة عمل هيئة التحكيم المستقلة فيما يخص التعويض عن الأضرار المادية و المعنوية للضحايا و ذوي حقوقهم.
- فريق العمل المكلف بالأبحاث و الدراسات: تولى جمع و تحليل المعطيات و المعلومات و الخلاصات المتوصل بها من طرف باقي الفرق بغرض إنجاز التقرير الختامي.
اللجان الخاصة: و هي:
- لجنة خطة العمل
- لجنة استراتيجية التواصل
- لجنة تدوين و تقييم تجربة هيئة التحكيم السابقة
- لجنة دراسة الإشكالات القانونية المرتبطة بالاختصاص
- لجنة نظام المعلومات
- لجنة جلسات الاستماع العمومية
- لجنة الجلسات الحوارية الموضوعاتية
- لجنة تطوير مقاربة جبر الأضرار
- لجنة التقرير الختامي
الإدارة: و تشكلت من ثلاث وحدات إدارية هي:
- الوحدات الإدارية المرتبطة بفرق العمل
- الوحدات الإدارية المكلفة بتدبير القضايا ذات الطبيعة الأفقية
- الوحدات أو اللجان الإدارية أو التقنية المكلفة بتدبير قضايا خاصة
الفقرة الثانية: حصيلة عمل هيئة الإنصاف و المصالحة
لم يكن عمل هيئة الانصاف و المصالحة مفروشا بالورود، بل واجهتها العديد من التحديات و المعيقات في الكشف عن انتهاكات حقوق الانسان في المغرب، و هو ما انعكس بوضوح على حصيلة عملها التي ضمنتها في تقريرها الختامي بحيث بقيت الكثير من الحالات التي تتطلب مواصلة جهود البحث من طرف الدولة لاستجلاء مصيرها و هذا ما سنتطرق له بالتفصيل في الفرع الثاني من المطلب الثاني، أما في هذه الفقرة فقد ركزنا على حصيلة عمل الهيئة معززة ببعض الأرقام .
إن المحصلة النهائية لعمل اللجنة أسفرت عن استجلاء مصير 742 حالة من بينها:
§ 89 حالة وفاة رهن الاحتجاز في المعتقلات السرية بتازمامارت، أكدز، قلعة مكونة، تاكونيت، كلامة، و قرب سد المنصور الذهبي.
§ 325 حالة وفاة على إثر الأحداث الاجتماعية لسنوات: 1965، 1981، 1984، و 1990.
§ 140 حالة وفاة على إثر اشباكات مسلحة
§ في حين أكدت اللجنة عن قناعتها بالاختفاء القسري لـ 66 حالة تتطلب متابعة البحث لاستجلاء مصيرهم.
§ كما شخصت الهيئة الكثير من حالات التعذيب بالنسبة للرجال و النساء على حد سواء و حددت كافة صنوف التعذيب.
و على العموم فإن حصيلة عمل الهيئة لم تتوقف عن كشف الانتهاكات بل تمتد إلى دورها في المساهمة في إرجاع الثقة بين الدولة و مواطنيها ضمن مسار المصالحة الشاملة التي انطلقت مع بداية التسعينات، كخطوة ضرورية لوضع المغرب على سكة الانتقال الديمقراطي الحقيقي اعتبارا لكون صيانة حقوق و حريات المواطنين من السمات الرئيسة للانتقال الديمقراطي، و وعيا منها بهذا الدور عملت الهيئة بالإضافة إلى عملها الرئيسي في الكشف عن مصير المختطفين و المفقودين و جبر الضرر، فقد عملت على وضع اللبنات الأساسية لتجريم انتهاك حقوق الانسان مستقبلا و ضمان عدم الإفلات من العقاب ما يعطي الطمأنينة للمواطنين و يقنع الفرقاء السياسيين بأن الدولة بصدد التصالح مع ذاتها و مع مواطنيها و في هذا الصدد قامت الهيئة بتنظيم العديد من الندوات و جلسات الحوار و التي شكلت خلاصاتها توصيات ضمنت في التقرير الختامي للهيئة، و من بين المواضيع التي تطرقت لها تلك الأنشطة نجد إشكالية الانتقال الديمقراطي هي الأبرز باعتباره الضمانة الحقيقية لعدم تكرار مآسي الماضي من خلال التأكيد على أهمية تجاوز العنف كاستراتيجية للتدبير السياسي المفضي إلى الديمقراطية و مدخلا للإصلاحات الجوهرية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي كما على المستوى التشريعي و التنفيذي و القضائي.
المطلب الثاني: هيئة الإنصاف و المصالحة: القوة و الضعف
رغم أهمية عمل هيئة الإنصاف و المصالحة كتجربة مغربية فريدة في مجال العدالة الانتقالية و التي استندت إلى المقومات الكفيلة بتحقيق المصالحة مع الماضي (الفرع الأول) إلا أن عمل الهيئة لم يخلو من صعوبات و إكراهات (الفرع الثاني)
الفرع الأول: مقومات المصالحة مع الماضي
إن التجارب المتعددة للجان الحقيقة في العالم لم يكن ليكتب لها النجاح لولا توافر الإرادة السياسية لدى أطراف العنف المجتمعي (الفقرة الأولى) و لولا توافر المناخ السياسي المساعد على تحقيق المصالحة و هو ما يقتضي تحقيق نوع من الانفراج السياسي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإرادة السياسية
منذ مطلع التسعينات بدأ المغرب يدشن نوع من التقارب بين وجهات النظر السياسية و الحقوقية لدى كافة الفرقاء بما فيهم أركان النظام السياسي ممثلة في عاهل البلاد،.
و تعتبر الإرادة السياسية للملكية في المغرب الدافع الحقيقي لفتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كمنطلق لطي صفحة الماضي وعيا من السلطات العليا في البلاد أن وضع اللبنات الأساسية للانتقال الديمقراطي لا يمكن أن يتم دون التصالح مع الماضي و طي صفحته السوداء، و في هذا الصدد جاءت المبادرات الملكية المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990، ثم التعديلات الدستورية سنتي 1992 و 1996 التي نصت على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و التزامه بحمايتها و تجريم الانتهاكات الحقوقية، و صولا إلى إحداث هيئة التحكيم لتعويض ضحايا الانتهاكات ثم إحداث هيئة الإنصاف و المصالحة سنة 2004، فهذه المبادرات الملكية عبرت جميعها عن إرادة ملكية لمعالجة هذه القضية بالإضافة إلى الخطابات الملكية في هذا الشأن، كالخطاب الملكي لـ 20 غشت 1999 الذي أعلن بموجبه عن إحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا و أصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء و الاعتقال التعسفي[6]، و الخطاب الملكي الملقى في 9 دجنبر 2000 بمناسبة استقبال أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و أعضاء هيئة التحكيم المستقلة للتعويض في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[7]، و الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب هيئة الإنصاف و المصالحة الملقى يوم الأربعاء 7 يناير 2004.[8]
و من جانب آخر تمثلت إرادة الطرف الآخر في المناظرة الوطنية الكبرى ﺣــﻮل الانتهاكات و التي عقدت بالرباط في 11\09\2001 من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، و المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف الذي يضم ضحايا الانتهاكات الجسيمة، و تميزت هذه المناظرة بحضور الفعاليات الحقوقية من كل المنابر و القطاعات و انتهت بإصدار توصيات متعددة تهم القواعد التنظيمية التنظيمية للجنة المتابعة المنبثقة عن المناظرة، و كذلك الإصلاحات المؤسسية و التدابير التشريعية و الإدارية و التربوية و توصيات متعلقة بإنشاء هيئة مغربية للحقيقة.
الفقرة الثانية: الانفراج السياسي
من العوامل المساعدة على تحقيق هيئة الانصاف و المصالحة أهدافها في الكشف عن الانتهاكات الجسيمة و تحقيق مصالحة مبنية على طي ملف الماضي من خلال الكشف عن مصير المختطفين و ضحايا الاعتقال التعسفي، انها انطلقت في جو من الانفراج السياسي الذي شهده المغرب طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي.
و قد تجسدت ملامح الانفراج السياسي في المغرب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين سنتي 1991 و 1993، ثم تفاعل القوى السياسية المعارضة مع مشاريع الاصلاح السياسي من خلال تدشين الفعل الديمقراطي السلمي في إطار الوفاق السياسي و الذي تمثل بداية في استخدام أسلوب العرائض و المذكرات كشكل أساسي لاتصال هذه القوى مع القصر ابتداء من مذكرة 9 أكتوبر 1991 التي وقعها حزبي الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرورا بمذكرة 19 يونيو 1992 التي قدمتها الكتلة الديمقراطية التي تضم حزب الاستقلال، حزب التقدم و الاشتراكية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وصولا إلى مذكرة 25 أبريل 1996 التي قدمتها أحزاب الكتلة الديمقراطية أيضا، دون أن ننسى دور ميثاق الكتلة الديمقراطية الذي تمت صياغته في 17 مايو 1992 التي شكلت أساسا للاصلاح السياسي الذي تبلور حول ترسيخ دولة المؤسسات و تعزيز سلطة القانون و دمقرطة و تحديث أجهزة الدولة، و كان لكل هذه العوامل دور في تدشين مرحلة التناوب التوافقي .
كما أنه و في ظل حكومة التوافق تم انتقال العرش إلى الملك محمد السادس صيف 1999 بعد وفاة الراحل الحسن الثاني في جو من المسؤولية و السلاسة الشيء الذي أبرز أهمية المؤسسات و التعامل الناضج للمواطنين مع الحدث، و ما زاد في تعميق الشعور بالانفراج ما دشنه الملك الشاب من مبادرات تمثلت في إطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين و عودة المنفيين و على رأسهم ابراهام السرفاتي بعد الاعتراف بمغربيته، إضافة إلى الزيارات التي قام بها الملك لمختلف مناطق المغرب و بخاصة المناطق التي عرفت انتهاكات لحقوق الانسان، و قيامه بعزل رموز الانتهاكات و على رأسهم وزير الداخلية المثير للجدل السيد إدريس البصري.
كل ذلك أعطى إشارات حقيقية للضحايا و الفاعلين السياسيين و الحقوقيين و لعامة المواطنين هي في المحصلة إشارات واعدة بتغيير مفهوم السلطة و عزم المغرب على تحقيق انتقاله الديمقراطي من خلال طي صفحة الماضي و اطلاق عملية الاصلاح و هو ما سنتناوله في المبحث الثاني من هذه الدراسة..
الفرع الثاني: إكراهات عمل هيئة الانصاف و المصالحة
بعد الوقوف على عوامل القوة بالنسبة لتجربة العدالة الانتقالية في المغرب كمدخل للانتقال الديمقراطي في الفرع الأول من المطلب الثاني من هذا المبحث، سنتطرق في الفرع الثاني إلى الإكراهات التي واجهت عمل الهيئة، و هي متعددة و متنوعة، غير أننا سنركز على أهم هذه الاكراهات و المتمثلة في قصر مدة الاشتغال (الفقرة الأولى) و افتقاد الهيئة لسلطة الالزام (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: قصر مدة الاشتغال
بالمقارنة مع المدة الزمنية موضوع الاختصاص الزماني لهيئة الانصاف و المصالحة التي شملت ما يفوق الأربعين سنة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ما يكتنف هذه الحقبة الزمنية من الغموض و السرية التي طبعت الممارسات التي تدخل في نطاق الانتهاكات موضوع الاختصاص النوعي للهيئة و المتمثلة كما أشرنا في السابق في الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي، فإن المدة الزمنية التي اشتغلت فيها الهيئة في مجال الكشف عن الحقيقة لم تتجاوز السنتين كان عليها أن تعالج خلالها 16861 ملفا معروضا عليها، و هذه الملفات ورثت غالبيتها العظمى عن الهيئة المستقلة للتعويض، في حين لم تتاح للهيئة فرصة تلقي طلبات جديدة إلى خلال شهر واحد فقط يمتد من 12 يناير 2004 إلى 13 فبراير من نفس السنة.
فقصر مدة تلقي الطلبات إضافة إلى قصر مدة الاشتغال أدى بالضرورة إلى رفض العديد من الملفات لعدم كفاية المعلومات، و هو ما جعل بعض الفاعلين يعتبر أن العمل المتسرع للهيئة لم يسفر إلى على تلميع صورة المغرب من الناحية الحقوقية و امتصاص الغضب الشعبي[9] داخليا دون أن يمتد إلى معالجة حقيقية و جذرية للملف.
الفقرة الثانية: افتقاد الهيئة لسلطة الإلزام
رغم أهمية الدور الذي قامت به هيئة الانصاف و المصالحة في مسار طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، و رغم الهام التي أنيطت بها لاستجلاء الحقيقة إلا أنها واجهتها صعوبات فيما يتعلق بتعاون بعض الجهات.
و حيث أنها افتقدت إلى سلطة إلزام من ترى ضرورة الإدلاء بإيفاداتهم، فإن امتناع البعض عن التعاون مع الهيئة من المسؤولين السايقين الذين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم مما حرم الهيئة من مصادر معلومات من شأنها أن تساعد في استجلاء الحقيقة، دون أن تكون لديها سلطة إلزامهم[10].
و رغم أن غالبية الأجهزة و المسؤولين في الدولة قدموا إسهامات كبيرة للهيئة في مسار عملها، إلا أن ذلك لا يغني عن الحقائق التي بقيت حبيسة صدور بعض المسؤولين السابقين و الذي يأتي امتناعهم كدليل على توفرهم على معلومات بالغة الحساسية و بالتالي يحكم على عمل الهيئة بعدم التكامل، و هو ما دفع هذه الأخيرة إلى رفع توصية بضرورة استكمال التحري لاستجلاء الحقيقة في العديد من الملفات التي ظلت عالقة.
المبحث الثاني الإصلاحات السياسية والمؤسساتية
إن أهمية الإصلاحات الحقوقية تتجلى في كونها تشكل أرضية للإنتقال الديمقراطي، ذلك أنه لا يمكن القيام بإصلاحات سياسية ومؤسساتية حقيقية دون توفير مناخ اجتماعي تسوده قيم العدالة والمواطنة الحقة.
وهذا ما تنبه له الفاعلين السياسيين بالمغرب، إذ بادروا الى نهج العدالة الانتقالية كمدخل لترسيخ الديمقراطية، عبر خلق آليات للإصلاح السياسي والمؤسساتي تجلى أبرزها في صدور دستور 2011، والذي تضمن مقتضيات إصلاحية على جميع الأصعدة، وسنركز هنا على الصعيدين السياسي والمؤسساتي، على اعتبار أنهما يمسان عمق إشكالية الانتقال الديمقراطي[11].
المطلب الأول: سمات الإصلاحات السياسية في المغرب
إن الحديث عن الإصلاحات السياسية التي تروم تحقيق انتقال ديمقراطي يحيلنا مباشرة على إشكالية ممارسة السلطة، أي من الذي يمارس السلطة السياسية ومن له صلاحية اتخاذ القرار السياسي.
و بالرجوع الى أبسط تعريف للديمقراطية والذي يعرفها أنها: "حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق نواب يختارهم"، تطرح إشكالية نمط ممارسة السلطة، أي من له صلاحية ممارسة السلطة داخل النظام السياسي القائم؟ وهل يوفر هذا النظام قنوات تسمح بمشاركة المواطنين في ممارسة السلطة واتخاذ القرارات السياسية؟
بالعودة الى النظام السياسي المغربي هل يمكن تصنيفه ضمن الأنظمة الديمقراطية؟ وهل الإصلاحات الأخيرة التي أقرها الدستور الأخير استطاعت تكريس التحول الديمقراطي؟
إن الإجابة على هذه الإشكاليات تتطلب منا تحليل طبيعة النظام السياسي القائم، وكيفية تداول السلطة داخله بالإضافة الى أهم المستجدات الدستورية في هذا الصدد ومدى نجاعتها في ترسيخ الآليات الكفيلة بتثبيت المسار الديمقراطي.
لذلك سنتطرق في الفرع الأول الى المفهوم الجديد للسلطة من خلال شرح طبيعة النظام السياسي المغربي، ودور الفاعلين الرسميين وغير الرسميين فيه، لننتقل في الفرع الثاني للحديث عن دور الدستور في تكريس الإصلاح السياسي.
الفرع الأول: المفهوم الجديد للسلطة
لمعرفة من الذي يملك صلاحية ممارسة السلطة داخل النظام السياسي المغربي لا بد من دراسة حجم التوازنات المؤسساتية والسياسية في البلاد، والتي تمكننا من تحديد طبيعة النظام السياسي القائم، حيث أن المرجعيات الدستورية والسياسية والتاريخية والدينية لكل مؤسسة دستورية داخل الدولة هي التي تبين قوة ودرجة تمركز السلطة بيد هذه المؤسسات[12]، وهي التي توضح ما إذا كان هذا التوزيع للسلطات يتماشى مع مبادئ الديمقراطية أم لا.
فكما هو معلوم أن الديمقراطية هي نظام سياسي واجتماعي يكون فيها الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، أي أنه يحكم نفسه عن طريق ممثلين عنه[13]، وهذا ما يعرف بالديمقراطية التمثيلية. وتعتبر إشكالية التمثيلية في النظام السياسي المغربي، من أهم القضايا التي تشغل المهتمين بهذا المجال، والتي تعترض مفهوم تداول السلطة، وذلك نظرا لخصوصية نظام الحكم بالمغرب والمتمثلة في وجود مؤسسة ملكية تحتل موقعا في التمثيل السياسي الى جانب النواب المنتخبين، أي أن هناك تمثيلية أسمى (الملك) وتمثيلية دورية (النواب)، وهذا ما سنتطرق له بالتفصيل في الفقرة الأولى لتوضيح طبيعة النظام السياسي المغربي.
لننتقل للحديث في الفقرة الثانية عن نمط ممارسة السلطة في ظل الانتقال الديمقراطي،ومدى مواكبته لمبادئ وقيم الديمقراطية، خاصة وأن المغرب قد انخرط في مسلسل الانتقال الديمقراطي منذ أواخر التسعينيات، وسطر لذلك مجموعة من الإصلاحات، وتوجها بإصدار دستور2011، فهل أثبتت هذه الإصلاحات نجاعتها وهل انعكست على نمط ممارسة السلطة؟
الفقرة الأولى: طبيعة النظام السياسي المغربي
أجمعت الدساتير المغربية المتعاقبة في فصلها الأول على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية...
إلا أن المؤسسة الملكية المغربية تختلف عن نظيراتها لكونها ترتكز على قاعدة ذهبية وهي "أن الملك يسود ويحكم"، كما أنها تحظى بمكانة بارزة، تجعلها تعلو عن باقي المؤسسات الدستورية الأخرى، مستندة في ذلك على المشروعية الدينية والتاريخية للمؤسسة الملكية،
فلطالما كرست الدساتير المغربية سمو هذه المكانة من خلال النص على أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة/الدولة[14]. الشيء الذي يجعل تمثيلية النواب المنتخبين تمثيلية أقل درجة من تلك الممنوحة للمؤسسة الملكية، ومنه يمكن القولأن ممارسة السلطة داخل النظام السياسي المغربي تتم من قبل فاعل رئيسي، إلى جانب فاعلين ثانويين.
أولا الفاعل الرئيسي: المؤسسة الملكية
إن المؤسسة الملكية كصاحبة السلطة التأسيسية الأصلية، ظلت تجسد مركز القرار داخل النسق السياسي المغربي، وقد أقرت الهندسة الدستورية المغربية، منذ أول دستور عرفته المملكة سنة 1962، هذه الهرمية التي تجعل من الملك قمة الهرم الدستوري والسياسي وباقي المؤسسات امتدادا فرعيا له. وقد غذت هذه الخطاطة مجموعة من الاعتبارات التي يتداخل فيها ما هو تاريخي وما هو ديني وأيضا ما هو تعبير عن الممارسة السياسية المعاصرة، لهذا فاختصاصات المؤسسة الملكية الدستورية تستمد مشروعيتها من ثلاثية الدين والتاريخ والأدوات القانونية الحديثة[15]، وهو أسمى تعبير عن خصوصية النسق السياسي المغربي[16].
فالملكية المغربية تستمد سلطتها من مجموعة من المشروعيات المتجذرة في عمق التاريخ المغربي، والتي يعبر عنها في الأدبيات السوسيولوجية بالمجال التقليدي للحكم[17]، الشيء الذي يضيف للحاكم قوة رمزية، ويضفي على حكمه المزيد من الشرعية.
فالمغرب من بين الدول التي لم تحدث قطيعة مع الماضي، بل يستمر فيها حضور الماضي في الحاضر، فثقل الموروث التاريخي والديني يظل حاضرا في الممارسة السياسية المعاصرة بالمغرب، وهذا ما يفسر الهوية الثقافية التاريخية التي ظلت المؤسسة الملكية توظفها سواء في وضع الدستور أو في علاقتها بالفاعلين السياسيين أو بالشعب المحكوم. فعملت على دسترة بعض "التقاليد المخزنية" التاريخية في ممارسة الحكم، ورفض أي ممارسة للوساطة بين حامي العرش والشعب، وذلك باستحضار ثقل "البيعة" كرابط "مقدس" بين الملك والشعب، والتي تلغي أي وساطة مؤسساتية بين الطرفين. ثم الحفاظ على مكانة الملك كحامي للملة والدين من خلال دسترة حقل إمارة المؤمنين على اعتبار أن الملك هو الساهر الوحيد في تدبير الممارسة والشأن الدينيين.
ظلت هذه الرموز التي تشكل مشروعية المؤسسة الملكية في الحكم حاضرة في الدساتير المتعاقبة على المغرب منذ أول دستور للمملكة سنة 1962،حيث أسس لهذا الحضور من خلال الفصل 19، والذي تم تزكيته في دستور 1972، إلى غاية دستور 2011 الذي رغم التجديد الذي جاء به بفصل الاختصاصات السياسية عن الاختصاصات الدينية للمؤسسة الملكية، لم يستطع المس بجوهر هذه الممارسة ولا بوظائفها الراسخة منذ القدم.
حيث يظل الملك، كرئيس للدولة من جهة وكأمير للمؤمنين من جهة ثانية، يتمتع بصلاحيات واسعة،مستندا في ذلك على مشروعيتها لدستورية والدينية والتاريخية، فهو الممارس الرئيسي للسلطة خاصة وأنه يعتبر الممثل الأسمى للدولة، مما يقلل من قيمة التمثيلية الدورية بل ويكاد يفرغها من محتواها.
ثانيا: الفاعلون الثانويون
إذا كانت الملكية تشكل التمثيلية الأسمى للدولة في المغرب وفق الفصل 42 من الدستور فإن تمثيلية نواب الأمة بالبرلمان تأتي في مستوى أدنى عن سابقتها وأقل درجة بالرغم من تجسيدها لسيادة الأمة وفق الفصل الثاني من الدستور، وذلك بالنظر لتأثر وظيفة المؤسسة البرلمانية بطبيعة النسق السياسي بشكل عام، والمنظومة الحزبية القائمة وشكل الثقافة السياسية السائدة بشكل خاص، والتي لا تمكنها من تجاوز مركزية المؤسسة الملكية وتوجيهاتها، السامية عن كل المقررات الصادرة عن اللجان البرلمانية.
الشيء الذي يضعف هذه المؤسسات المنتخبة ويهمش دورها ويجعل البلد يعاني من أزمة في التمثيلية السياسية، تتجلى في ضعف المشاركة السياسية للمواطنين على جميع الأصعدة وخاصة فيما يتعلق باختيارهم للهيئات الممثلة لهم، مما يقوض من شرعية النخب المنتخبة.
وهذا التراجع في المشاركة الانتخابية يغذيه مكانة ودور الحزب داخل الحقل السياسي المغربي، الذي يبقى شبه مغيب لاعتبارات عدة، أهمها فقدان مصداقية المؤسسات المنتخبة وفعاليتها لدى المواطنين، ومن ثم فقدان الثقة بأهليتها في قيادة العملية السياسية وصناعة القرار السياسي. فالمواطن الممتنع عن أداء واجبه الانتخابي يفسر هذا الغياب بأن الممثلين المنتخبين لا يملكون السلطة القانونية والذاتية في رسم السياسات العامة للدولة، واتخاذ القرارات المناسبة لحل مشاكلهم على كافة المستويات والمجالات. وذلك راجع بالأساس الى أن الأحزاب السياسية لا تلعب إلا أدوارا ثانوية داخل المؤسسات الدستورية، وبذلك تبقى العملية الانتخابية برمتها مجرد إضفاء للشرعية على العمل المؤسساتي، كما أنها تفرز لنا هيئات منتخبة تشارك في السلطة بدون أن تمارس هذه السلطة.
فالحالة المغربية لا تنطبق عليها عناصر المعادلة الانتخابية الديمقراطية، والتي تؤدي الى تحقيق معيار التداول على السلطة أولا، ثم ممارسة السلطة من طرف الهيئات المنتخبة ثانيا، وذلك يعود لعدة أسباب أهمها بنية البيئة العامة للنظام السياسي المغربي، فالهندسة الدستورية تفرز مجالات واسعة لا تدخل في اختصاصات المؤسسات الانتخابية، وهذا يسقط فلسفة التمثيلية في المجال التداولي المغربي، في إشكالية ملاءمة السيادة الشعبية مع الحضور القوي لمؤسسات أخرى غير منتخبة، شرعيتها التاريخية والدينية تفوق التعبير عن السيادة بواسطة العملية الانتخابية، مما يطرح إشكالية جدوى العملية الانتخابية برمتها، وهذه النقطة هي المسبب الرئيسي للامتناع الانتخابي، الشيء الذي ينعكس سلبا على شرعية المؤسسات القائمة، على اعتبار أنها غير منبثقة من الأغلبية الشعبية، ولا تمثل الإرادة العامة، مما يفرغ العملية السياسية في المغرب من شرعيتها.
إن النظام السياسي المغرب هو نظام فريد من نوعه، ذلك أن المؤسسة الملكية تسمو على باقي المؤسسات الدستورية وتعتبر الفاعل الرئيسي في ممارسة السلطة. ورغم أن المغرب قد انخرط في مسلسل الانتقال الديمقراطي منذ أواخر التسعينيات إلا أن هذه الإصلاحات لم تنعكس بشكل ملموس على نمط ممارسة السلطة
الفقرة الثانية: نمط ممارسة السلطة في ظل الانتقال الديمقراطي
يقصد بالانتقال الديمقراطي السعي الى الانتقال من نموذج سياسي غير ديمقراطي في عموميته الى نموذج سياسي ديمقراطي في مؤسساته وممارساته، مما يتطلب تبني القواعد الحداثية على مستوى تكوين المؤسسات السياسية، والعلاقات بينها، وعلى مستوى الممارسة السياسية الرسمية وغير الرسمية، كما أنه يطرح مسألة النموذج السياسي الكفيل بتحقيق طموحات الانتقال الديمقراطي والقادر على تحقيق الديمقراطية الفعلية والحقيقية.
والسؤال المطروح هنا، هو: هل فكرة الانتقال الديمقراطي التي طرحت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي انطوت على نموذج سياسي مشترك بين الفاعلين السياسيين الرسميين وغير الرسميين، قادر على تحقيق الديمقراطية وتحويل صفة النظام السياسي المغربي من نظام غير ديمقراطي الى نظام ديمقراطي؟
إن فكرة الانتقال الديمقراطي في المغرب ربطت أساسا بإشراك المعارضة السابقة في التسيير الحكومي، وفي مجموعة من المؤسسات والمجالس الاستشارية، وبمجموعة من الإصلاحات السياسية والقانونية والحقوقية وحتى الاقتصادية، التي تبدو، في ظاهرها، مستهدفة تحقيق الحداثة السياسية، ولكنها في عمقها، وفي طريقة صناعتها وتسويقها، تطرح عددا من الإشكالات، وعلى رأسها أن جملة من الإصلاحات تمت بطريقة تقليدية وعتيقة، تستحضر الرمزية التقليدية، والمشروعية الدينية للملك، وتنسب في مجملها الى المؤسسة الملكية.
لقد ظلت هذه الجوانب التقليدية حاضرة بقوة في النظام السياسي المغربي، لدرجة دفعت العديد للقول بأن البراديغم التقليدي تعزز في ظل فكرة الانتقال الديمقراطي...وبالتالي حال دون تحقيق إصلاح سياسي ناجع.
إن إنجاز الانتقال الديمقراطي يتطلب إصلاح وتغيير نمط تكوين المؤسسات الممارسة للسلطة والحكم، والانتقال الى نمط تنافسي، بحيث يصبح تكوين المؤسسات السياسية مستندا على نتائج تسمح بالتناوب، وتبادل الأدوار بين المعارضة والأغلبية بشكل سلس، وتتيح تنافس برامج متعددة، وتمكن من تحمل كل فاعل مسؤولياته السياسية والانتخابية.
كما يتطلب على مستوى تكوين المؤسسات والعلاقات القائمة بينها، تمايزا بنيويا، وتخصصا وظيفيا، يسمح بالانتقال من تداخل السلط وغموض العلاقات فيما بينها، الى فصل السلط، وتحديد العلاقات القائمة بينها بوضوح...
أما على مستوى الممارسة السياسية فإن الانتقال الديمقراطي يقتضي تبني مجموعة من المقومات والإجراءات، كالانفتاح في ممارسة السلطة، وخلق قنوات للمشاركة في صنع القرار السياسي، وكذا مأسسة صناعة القرارات السياسية والتحلي بالعقلانية في اتخاذها...
كل هذه الإصلاحات جسدها دستور 2011 من خلال نصه على مجموعة من المقومات والآليات التي تروم تحقيق الانتقال الديمقراطي.
الفرع الثاني: التكريس الدستوري للانتقال الديمقراطي
لقد جاء التعديل الدستوري لسنة 2011 في إطار مواصلة مسيرة الانتقال الديمقراطي، حيث نص على مجموعة من المقتضيات والمستجدات الرامية الى القيام بإصلاحات سياسية سواء فيما يتعلق بتكوين مختلف المؤسسات الدستورية وصلاحياتها واختصاصاتها وكذا تنظيم العلاقة بين هذه السلطات.
فما هي هذه المستجدات الإصلاحية التي نص عليها دستور 2011 والرامية الى ترسيخ المسار الديمقراطي؟ وهل فعلا استطاعت تحقيق اصلاح سياسي حقيقي أم أنها ظلت محافظة على الطابع التقليداني للنظام السياسي المغربي؟
الفقرة الأولى: الإصلاحات السياسية في ظل دستور 2011
بقراءة الفصل الأول من الدستور والذي ينص على ان: "نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، وعلى الوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي..."
نلاحظ التغيير الذي طرأ على هذا الفصل والذي يعتبر أكثر تطورا في تفسير وتبسيط طبيعة نظام الحكم بالمغرب مما كان عليه سابقا، فالنص يحدد بشكل واضح وصريح طبيعة النظام السياسي المغربي والذي يصنفه ضمن الأنظمة البرلمانية، التي يكون فيها لرئيس الدولة سلطات محددة بالمقارنة مع باقي المؤسسات، كما أن النص أقر أن الحكم بالمغرب يقوم على الفصل بين السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتماشيا مع هذا المستجد نصت الوثيقة الدستورية على مجموعة من المقتضيات التي وسعت من مجال تدخل الحكومة[18] في صناعة السياسة الحكومية والتقرير فيها، مع الاحتفاظ بهرمية السلطة التي يستند عليها النسق المغربي.فأضحى رئيس الحكومة يتمتع بهامش كبير من الصلاحيات الدستورية التي تخول له رئاسة السلطة التنظيمية، والمشاركة في ممارسة السلطة التنفيذية هو وفريقه الحكومي، وتنفيذ البرنامج الحكومي والإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، هذا بالإضافة الى توسيع مجال التداول داخل المجلس الحكومي في مجالات لم ينص عليها دستور 1996. كما أضحت الحكومة تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، وأصبح لمؤسسة رئيس الحكومة ومن خلاله المؤسسة الحكومية مكانة متقدمة داخل النسق السياسي المغربي تتجاوز مكانتها الاعتبارية في الدساتير السابقة.
وأول ما يمكن تسجيله بخصوص الصلاحيات التي أعطاها دستور 2011 هو الانتقال من تسمية الوزير الأول الى تسمية رئيس الحكومة وما يحمله ذلك من دلالات رمزية تقوي مكانة رئيس الحكومة كمسؤول عن الجهاز الحكومي. وأيضا مما له من دلالات سياسية وقانونية تجعل من رئاسة الحكومة صاحبة المسؤولية الأولى أمام الشعب عن تدبير الشأن العام.
يتوازى هذا المستجد مع التنصيص لأول مرة في الدساتير المغربية بكون أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية[19]، وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي الذي من المفروض أن يعبر عن تعاقداتها مع الكتلة الناخبة التي أفرزت الأغلبية البرلمانية، التي بدورها تكون مشاركة في إقرار هذا البرنامج بعد التصويت لصالحه بالأغلبية المطلقة لمجلس النواب المنتخبين عن طريق الاقتراع العام المباشر من الأمة، مما يوحي بالرابط المباشر بين القرار السياسي وصناديق الاقتراع، الأمر الذي من المفترض أن يشكل تقدما في مشاركة الحكومة في صناعة القرار السياسي بالمقارنة مع الحكومات السابقة، ويعتبر هذا التغيير تقدما ملحوظا في مسار تكريس الانتقال الديمقراطي.
وفي نفس السياق ميز دستور 2011 بين الصلاحيات الملكية المستمدة من حقل "إمارة المؤمنين" المعبرة عن "البراديغم التقليدي" وبين الصلاحيات الملكية المستمدة من "البراديغم المعاصر"وذلك بالنص على رئاسة الملك للدولة[20]، وعلى الاختصاصات المنوطة به كرئيس للدولة[21].
بالإضافة الى ذلك خصص دستور 2011 الباب السادس للعلاقة بين السلط من خلال التطرق لمحورين أساسيين وهما: علاقة الملك بالسلطة التشريعية، والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما خصص الباب السابع للسلطة القضائية كل ذلك من أجل تكريس مبدأ فصل السلطات والذي يعتبر أهم آلية من آليات الإصلاح السياسي، إذ لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي حقيقي دون وجود فصل بين السلطات.
كل هذه المستجدات التي أقرها دستور 2011 والتي شكلت إصلاحات سياسية مهمة لم تنجح في تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود، ذلك أن هذه الإصلاحات الدستورية يغلب عليها الطابع الشكلي من ناحية، بالإضافة الى كونها تكرس التقليدانية المتمثلة في هيمنة المؤسسة الملكية على السلطة مما يتنافى مع متطلبات الانتقال الديمقراطي، وهذا الأمر يتبين بوضوح من خلال الاطلاع على صلاحيات المؤسسات الدستورية، وقياس ومقارنة قوة ودرجة تمركز السلطة بيد كل مؤسسة من هاته المؤسسات.
الفقرة الثانية الانتقادات الموجهة لدستور 2011
بالاطلاع الأولي على الوثيقة الدستورية يتضح أن هناك اتجاه نحو تأويل برلماني لطبيعة نظام الحكم في المغرب، تتمتع فيه الحكومة بسلطات واسعة لكونها نابعة عن الأغلبية البرلمانية المنتخبة من طرف الشعب، وبرنامجها هو ذلك الذي تعاقدت بواسطته مع أغلبية الشعب الذي على ضوئه بوأها مرتبة الريادة الانتخابية، وبالتالي هي مسؤولة أمام هذه الكتلة الناخبة التي ستحاسبها على قراراتها وتوجهاتها في الانتخابات العامة.
لكن بالنظر لروح ومضمون الوثيقة الدستورية يلاحظ أنها لا توفر "الحد الأدنى لإحداث القطيعة مع نظام السلطة الدستورية التي يسود فيها الملك ويحكم[22]".
فبالرغم من الصلاحيات الواسعة التي أضحت تتمتع بها الحكومة، باعتبارها الممارس للسلطة التنفيذية والتنظيمية[23]، بالإضافة الى تعيين رئيسها من الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان[24]،وهي التي تسهر على تحديد السياسات العامة قبل عرضها على المجلس الوزاري، وبلورة السياسات العامة والسياسات القطاعية[25].فإن القراءة الأولية لهذه الاختصاصات على ضوء ما هو مخول للمؤسسة الملكية تبين مدى تبعية هذه المؤسسة للسلطة الملكية، كشكل من أشكال تكريس التقليدانية التي تأسست عليها الدستورانية المغربية منذ أول دستور عرفته البلاد 1962، حيث ظلت الحكومة تشكل معين الملك داخل الممارسة المؤسساتية التي أفرزها دستور 2011، حيث لا يزال رئيس الحكومة رغم الصلاحيات الوازنة التي تم تمتيعه بها، يسوق نفس الخطاب الذي يجعل من الحكومة مجرد جهاز تنفيذي للقرارات السامية للملك مما يكرس التبعية التقليدية للعمل الحكومي في تشكله وفي مقرراته للمؤسسة الملكية[26]،بشكل يفنذ الفكرةالبرلمانية التي طرحها دستور 2011، لكونه يتماشى أكثر مع الشكل الرئاسي للحكم.
فإذا انطلقنا من البرنامج الحكومي الذي يجب أن يعبر على الطموحات والأهداف والتطلعات التي تنوي الحكومة بلورتها على شكل سياسات عامة سبق وأن تعاقدت على إثرها مع الكتلة الناخبة، نجد أنه يجب أن يتوافق مع الإرادة الملكية، وفقا لما جاء في الفصل السالف الذكر والذي ينص على حق الحكومة في التداول بخصوص السياسات العامة للدولة مع وجوب عرضها على المجلس الوزاري.
كما أن النص على كون المجلس الوزاري يتداول في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة[27]، يترك المجال مبهما للتأويل ما بين ما يدخل في حيز السياسات العامة الاستراتيجية وغير الاستراتيجية.
من السلطات الأخرى التي تميز تبعية الحكومة للمؤسسة الملكية، سلطة تسمية الحكومة وإمكانية إقالة أعضائها. ورغم أن الدستور ينص على أن الملك يستشير رئيس الحكومة إلا أن هذه الخطوة تبقى استشارية ويظل القرار بيد الإرادة الملكية.
تعتبر هذه المقتضيات كفيلة بتكريس السلطة الفعلية للملك كرئيس للمجلس الوزاري على رأس الجهاز التنفيذي مقابل السلطات المخولة للحكومة في الدستور الحالي، وإن كانت متقدمة على مقتضيات دستور 1996، إلا أنها لا ترقى الى مستوى بناء جهاز تنفيذي بسلطات واسعة تبرز هوية الحكومة ككتلة ممثلة للأغلبية البرلمانية. خلاصة هذه العلاقة تتمثل في سيطرة المجلس الوزاري على المجلس الحكومي، إذ يبقى للمجلس الأول حق الاعتراض على القرارات الصادرة عن المجلس الحكومي وإعادة توجيهها، وهنا تظهر الوثيقة الدستورية أوجه عدم التكافؤ بين المجلسين مما يكرس سيادة السلطة الملكية على الحكومة وبالتالي على رأس الجهاز التنفيذي.
وهذا ما يتعارض مع طبيعة السلطة التنفيذية كما هي داخل الأنظمة البرلمانية، التي وإن كانت تقر بازدواجية الجهاز التنفيذي بين رئيس الدولة والحكومة، إلا أن الحكومة تحوز على كافة السلطات التنفيذية التي تخول لها تحديد وتدبير السياسات العامة للدولة، وممارسة كافة سلطات المجلس الوزاري مع التعيين في المناصب المدنية والعسكرية. في الوقت الذي يبقى لرئيس الدولة المكانة الرمزية في قلب الجهاز التنفيذي.
خلاصة القول أنه رغم الانتقادات الكثيرة الموجهة لدستور 2011 والتي تصفه بكونه حداثي الشكل تقليدي المضمون، إلا أنه لا يمكن إنكار الإصلاحات العديدة التي أقرها من أجل المضي قدما في المسار الديمقراطي، والتي لم تكن حاضرة في الدساتير السابقة للمملكة. وقد واكبت هذه الإصلاحات السياسية مجموعة من الإصلاحات المؤسساتية.
المطلب الثاني: الإصلاحات المؤسساتية
إن الانتقال من نظام سلطوي الى نظام ديمقراطي يتطلب مجموعة من الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والثقافية، حيث أن ترسيخ الاقتراع السري والانتخابات الدورية المنظمة، والمنافسة الحزبية، والتداول السلمي على السلطة، ومحاسبة المسؤولين، تعد بمثابة حد أدنى من الإجراءات المؤسسة للانتقال، والمعبرة عن إرادة التغيير الديمقراطي.
ذلك أن تحقيق الديمقراطية وتعزيزها مرتبط بمجالات أخرى، تهم أساسا المؤسسات الثقافية والاقتصادية والإدارية.
فالانتقال الديمقراطي يتفاعل بشكل جدلي مع نوع المؤسسات الإدارية القائمة في ظل النظام السياسي. ولكون مؤسسات فترة الانتقال هشة الى حد ما، وتحولاتها حساسة تجاه التأثيرات، فإن الانتقال الديمقراطي يحتاج الى مقومات إدارية مدعمة ومانعة للتراجع الديمقراطي، ومساهمة في إطالة أمد المؤسسات الديمقراطية.
وإيمانا من المشرع بذلك، وبكون الإصلاح الإداري هو مدخل لكل اصلاح آخر فقد عمد على نهج العديد من الإجراءات التي تروم النهوض بالإدارة المغربية وجعلها آلية للتنمية ولتفعيل الديمقراطية وترسيخها، وقد شكلت مقتضيات دستور 2011 المتعلقة بهذا المجال بداية هذا الإصلاح والذي مازال التأكيد عليه مستمرا حيث شكل محورا أساسيا في الخطب الملكية السامية الأخيرة.
الفرع الأول: الإدارة المغربية ودورها في الانتقال الديمقراطي
إن إنجاح الإصلاحات الديمقراطية وتعزيزها يتطلب التركيز أيضا على اصلاح الإدارة العمومية في مختلف أبعادها القانونية والمؤسساتية والثقافية، حتى تصبح لغة الإصلاحات، لغة موحدة بين الميدانين السياسي والإداري.
خاصة وأن الإدارة العمومية تعد جهازا رئيسيا لتنفيذ توجهات الإصلاح السياسي، والإسراع في تعزيز الديمقراطية.
الفقرة الأولى: واقع الإدارة المغربية وشروط الإدارة المدعمة للانتقال
تعاني الإدارة المغربية من العديد من الاختلالات والتي تحول دون تكريسها للانتقال الديمقراطي
أولا: الاختلالات
- شخصنة الإدارة العمومية
تعد شخصنة المؤسسات، الرسمية وغير الرسمية سمة أساسية للأنظمة النامية، لا سيما المؤسسات الإدارية، حيث تخترق هذه الخاصية جل المعاملات الإدارية، رغم ترسانة القوانين واللوائح المنظمة لهيكلة الإدارة واختصاصاتها، الا أن سيادة القانون، في المؤسسات الإدارية، لا يتجاوز إطاره الشكلي، أي نطاق الإجراءات والمساطر الشكلية، مما يعيق تقدم الأداء الإداري، وينفر المواطنين من الإدارة.
- أزمة تمثل المصلحة العامة
إن فشل العديد من المشاريع التي تشرف عليها الإدارة العمومية، والفساد المالي الذي ينخر أغلب القطاعات، باعتراف الأنظمة السياسية، والمؤشرات المقدمة من قبل المنظمات الدولية في هذا الصدد، والاغتناء السريع للموظفين الكبار، وغيرها من مظاهر الفساد، أمور تبرهن أن المصلحة العامة لم تتحول الى ثقافة التزام لدى عموم الموظفين، بحيث يستحضر أغلبهم المصالح الذاتية قبل أي شيء آخر، ويحول بعضهم الآخر وظيفته الى مشروع تجاري رابح، سواء بالحصول على مقابل عن خدماته الإدارية، أو بالتلاعب في الصفقات العمومية، وقل ما ينظر الموظفون العموميون الى المؤسسات الإدارية كأجهزة لتحقيق المصلحة العامة، وخدمة المواطنين، وكمجال لتأدية واجباتهم، وما سوء المعاملة التي يصادفها المواطنون في تعاملهم مع الادارة إلا دليلا قويا على ذلك، مما يؤثر سلبا على فعالية المرافق الإدارية.
- ضعف المساءلة البيروقراطية
تدل مؤشرات الفساد حسب مقاييس محاربة الرشوة على سوء التدبير الإداري، وضعف تطبيق معايير الحكامة الجيدة، المرتبط أساسا بغياب أجهزة المراقبة الإدارية، أو ضعفها، إما لعدم تفعيل أجهزة الرقابة، أو نظرا لما يعتريها من نقائص قانونية وإجرائية، ناهيك عن تأثرها بالتوجيهات السياسية، مما يجعلها مجرد قنوات صورية.
فالمحاسبة لم تتحول بعد الى سلوك طبيعي أو تلقائي داخل الإدارة المغربية، بل لازالت تتخذ شكل إجراءات استثنائية في مناسبات محدودة، وعادة ما تكون انتقائية، مما يفتح الجال أمام تنامي الفساد الإداري.
- التأثير السياسي على الإدارة
اتخذت الإدارة من قبل السلطات السياسية كجهاز للسيطرة على المجتمع واحتوائه، ولخدمة توجهات الدولة في إقصاء هذا الطرف وتقريب ذاك، فقدمت المناصب الإدارية كطعم للمساومة والتعويض عن عدم الرضا، الشيء الذي يفسر التوظيف غير العقلاني في الأجهزة الإدارية (التوظيف بمناسبة الانتخابات، أو بعد الأزمات الاجتماعية...).
وإذا كانت سيطرة السياسي الحاكم على الإدارة أفرزت تبعية البيروقراطية للنخبة السياسية، فإن العلاقات المتشابكة التي نسجتها النخب السياسية والإدارية أفضت، ومع مرور الوقت، الى نوع من تبادل التأثير، لا سيما بعد أن أصبحت المناصب السياسية مناصب "للترقية" للإداريين، وتزايد تمثيليتهم في المؤسسات السياسية الرسمية، الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية. وقد أدى ذلك الى طبع المجال السياسي بالقيم الإدارية، بعد تطبع المجال الإداري بالقيم السياسية[28].
إن هذه الاختلالات التي تعرفها الإدارة العمومية المغربية، تشكل عرقلة حقيقية للإصلاحات السياسية خاصة تلك التي تروم دعم الانتقال الديمقراطي.
ثانيا: شروط الإدارة المدعمة للانتقال الديمقراطي
إن استحضار الأطروحات النظرية حول البيروقراطية، ومقتربات الحكامة، وتجارب الدول الغربية، يدل على أن الإدارة العمومية المتماشية مع الديمقراطية والمدعمة لها، تخضع لمجموعة من الشروط الأساسية، منها:
- تمايز الأدوار
وهو توزيع الوظائف والأدوار بين الموظفين بشكل محدد ومنظم، محكوم بتسلسل مضمونه خضوع الموظف الأدنى للأعلى منه درجة، واحترام الدرجات التراتبية الوظيفية، بهدف توزيع الاختصاصات وتقاسم السلطة وتحديد مسؤولية كل موظف عن دوره، مما يساهم في عقلنة عملية اتخاذ القرار، ويسهل عملية الرقابة وبالتالي يزيد من الفعالية.
- التخصص الوظيفي
وهو قيام كل موظف بمهمة محددة، تسند اليه حسب تكوينه العلمي، وتداريبه العملية، وخبرته، مما يحقق الانصاف بين الموظفين، وينشر ثقافة الاستحقاق والتوافق بين التكوين والمنصب الوظيفي، كل هذا من أجل ضمان الفعالية والدقة والسرعة في الإنجاز.
- مأسسة الإدارة وعدم شخصنتها
وتتجسد مأسسة الإدارة، وعدم شخصنتها، في خضوعها للقانون في هيكلتها واختصاصاتها، وفي طغيان القواعد وسيادتها على حساب باقي الانتماءات والقيم، حيث الإجراءات والمساطر، والعلاقات الوظيفية بين الموظفين، وولوج الوظيفة العمومية ومغادرتها، والمسؤولية عن القرارات وعن كل تجاوز في هذا الصدد، تخضع كلها للقواعد القانونية واللوائح المنظمة للإدارة العمومية.
- ربط المسؤولية بالمحاسبة
ويتعلق الأمر بمسؤولية الموظفين في مختلف درجاتهم، على قراراتهم المتخذة، وعلى كل تجاوز يحدث أثناء تأدية مهامهم. وهنا لا بد من وجود أجهزة للرقابة الداخلية وأخرى للرقابة الخارجية.
وتعد مسألة المحاسبة من أهم ركائز الإدارة العمومية السليمة، ومن أهم شروط الحكامة الجيدة.
إن وجود إدارة بهذه المواصفات يساهم بدون شك في دمقرطة المجتمع، ذلك أن الموظف المتشبع بقيم الديمقراطية يتبنى هذه القيم في ثقافته وسلوكه خارج الإدارة، كما أنه ينشرها في تعامله مع المرتفقين، بل ويساهم في رفع حس المواطنة لديهم وزيادة ايمانهم بمبادئ الديمقراطية.
من هذا المنطلق كان تركيز جلالة الملك في خطبه الأخيرة عن الإصلاح الإداري كمدخل لكل اصلاح
الفقرة الثانية: الإصلاح الإداري كمحور أساسي في الخطب الملكية السامية
إن الظرفية التي يعيشها المغرب تفرض عليه كدولة رافعة لمجموعة من التحديات، أهمها تحقيق التنمية واستكمال المسار الديمقراطي، إعادة النظر في ادارته التي تعد مدخلا أساسيا لتحقيق الانتقال الديمقراطي خاصة والتنمية الشاملة عامة.
وبالرجوع لواقع الإدارة العمومية بالمغرب وعجزها عن القيام بدورها رغم كل الاصلاحات التي شهدتها، تبقى مسألة إصلاحها ضرورة ملحة تجد أساسها في استجابة الإدارة العمومية لمتطلبات التغيير الذي يعرفه المجتمع، وكذا في ظل العولمة التي ما فتئت تفرض رؤيتها على مختلف الدول مما يفرض تكيف الإدارة مع هذا المعطى الجديد.
من هذا المنطلق توالت الدعوات الملكية، من أجل التسريع بإصلاح الإدارة، في أكثر من مناسبة بشكل ملفت خاصة في الآونة الأخيرة.
وقد كان أول خطاب تطرق فيه جلالة الملك محمد السادس للإصلاح الإداري، خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000، حيث أكد على ضرورة الدفع بعجلة الإصلاح الإداري بكيفية قوية.
ثم توالت التوصيات الملكية بضرورة الإصلاح الإداري، حيث وجه جلالته رسالة ملكية الى المشاركين في المناظرة الاستراتيجية الوطنية لإدماج المغرب في مجتمع الاعلام والمعرفة المنظمة بتاريخ 23 أبريل 2001، أكد فيها على أن اصلاح الإدارة العمومية وعصرنتها سيظل من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا.
كما تضمنت الرسالة الملكية الموجهة الى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 توصيات عن ضرورة إعادة النظر في مهام الإدارة على ضوء التوجه الجديد للدولة، وذلك بتأسيس تصور شمولي لمسألة التحديث الإداري بكل آلياته وقواعده.
وفي الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة، بتاريخ 49 أكتوبر 2011 أكد جلالته على أن دمقرطة الدولة والمجتمع رهين بإنتاج الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة...
وفي خطابه أمام البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016 وجه جلالته دعوة قوية للحكومة والأحزاب ومختلف الفاعلين بالانكباب على اصلاح الإدارة باعتبار أن النجاعة الإدارية هي أساس ومعيار لتقدم الأمم، وبها تقاس درجة التنمية في البلاد، وقد تطرق جلالته في هذا الخطاب لمختلف الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية، مع الإشارة الى مجموعة من المداخيل الإصلاحية.
وقد عاد جلالته مرة أخرى في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 29 يوليوز 2017 بمناسبة الذكرى الثامنة عشر لتربعه على العرش، لتسليط الضوء على محدودية أداء الإدارة العمومية وآثاره على التنمية، حيث استعرض بشكل مستفيض أزمة الادارة العمومية وأسبابها... واضعا خارطة الطريق الواجب اتباعها لإصلاح الإدارة العمومية.
لقد شكل الإصلاح الإداري، ولا يزال، انشغالا رسميا للمؤسسة الملكية، وإحدى اهتماماتها الأساسية لبناء هياكل الدولة الحديثة.
الفرع الثاني: الإصلاحات المؤسساتية على ضوء دستور 2011
إن النفس الإصلاحي الذي جاء به دستور 2011 تمثل في إعطائه إشارات واضحة للقطع مع كل الممارسات التي كانت تعيق المسار الديمقراطي، بما فيها تلك التي تنخر جسم الإدارة المغربية. حيث نص على العديد من المبادئ الحديثة للتدبير الإداري وعلى رأسها الحكامة (الفقرة الأولى)، كما قام بدسترة العديد من المؤسسات في هذا الصدد (الفقرة الثانية)، كل ذلك في سبيل تكريس المسار الديمقراطي.
الفقرة الأولى: المبادئ الحديثة للإصلاح الإداري
يعتبر مفهوم الحكامة من أقوى المفاهيم التي جاء بها دستور 2011، من أجل إحداث التغيير المنشود، والحد من الفساد الإداري وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة والمجتمع. وعليه فقد خصص الدستور بابا كاملا (الباب الثاني عشر) للحكامة الجيدة،يتكون من 18 فصلا (من الفصل 154 الى 171)، وينقسم الى شقين، الأول يتعلق بالمبادئ العامة والثاني بالمؤسسات والهيئات العاملة على تفعيل هذه المبادئ.
وتهدف هذه المبادئ العامة الى توفير حكامة تدبير الشأن العام، من أجل ضمان حسن أداء المرافق العمومية،ويمكن تصنيفها الى مبادئ تنظيمية، ومبادئ سلوكية، وأخرى محاسبية[29].
فالمرافق العمومية تعتبر العمود الفقري للدولة الديمقراطية، ومعيار رقيها أو تأخرها، فهي أداة لتطبيق استراتيجية التنمية وتنفيذ البرامج الحكومية، وعليه فإن تخليق المرافق العمومية هو تخليق للمجتمع ككل، وهو المدخل لباقي الإصلاحات، ذلك أن الإصلاح المؤسساتي يشكل أرضية للإصلاح السياسي والحقوقي وأهم آلية لترسيخ المسار الديمقراطي.
لذلك أولى الدستور أهمية خاصة لمبادئ الحكامة الجيدة في تنظيم المرافق العمومية.
حيث نص في الفصل 154 على مبدأ المساواة بين المواطنين في الولوج الى المرافق العمومية والنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.
ورغم أن هذين المبدأين (المساواة، والاستمرارية) يعتبران من المبادئ التقليدية لتنظيم المرافق العمومية التي أرساها الفقه والقانون الاداريين، إلا أن المشرع عمد الى التنصيص عليهما داخل الوثيقة الدستورية، من أجل الارتقاء بهما الى درجة قاعدة دستورية، وذلك لضمان الالتزام بهما نظرا لأهميتهما في توفير حسن سير المرافق العمومية.
ولم يكتف المشرع الدستوري بالنص على هذه المبادئ التقليدية وإنما عمد الى سن مجموعة من المبادئ الحديثة في تسيير المرافق العمومية والتي تكفل خضوع هذه المرافق للمبادئ والقيم الديمقراطية، ومن أهم هذه المبادئ الجودة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة.
وتهدف هذه المبادئ بالأساس الى إعادة ثقة المواطنين بالإدارة العمومية، وإعادة الاعتبار لنبل المرفق العمومي من خلال ما توفره من حكامة في تدبير الفعل العمومي، وعقلنة في استعمال الموارد المالية والتقنية والبشرية وكذا المؤسساتية للدولة، بغية إقامة دولة ديمقراطية نافعة تضمن حقوق المواطنين وتوفر آليات مناسبة لتقويم السياسات العمومية وتصحيحها، والتصدي لإساءة استخدام النفوذ وإهدار المال العام[30].
بالإضافة الى المبادئ السابق ذكرها ينص الفصل 155 من الدستور على ضرورة تقيد أعوان المرافق العمومية عند ممارسة وظائفهم بالحياد والشفافية والنزاهة مع احترام القانون والمصلحة العامة، وهذه كلها عناصر موجهة لحكامة المرفق العمومي، تساعد على ضمان حسن سير مؤسسات الدولة لما فيه مصلحة المواطنين وفق ما تقتضيه قواعد المجتمع الديمقراطي.
وتحقيقا للمزيد من الحكامة في تسيير المرافق العمومية، ألزم المشرع هذه الأخيرة بتلقي الملاحظات والاقتراحات والتظلمات من مرتفقيها.
كما أوجب الدستور المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين المعمول بها، مع خضوعها للمراقبة والتقييم، كما يجب على كل شخص يمارس مسؤولية عمومية، منتخبا كان أو معينا، أن يقدم تصريحا كتابيا بالممتلكات. وذلك تكريسا لمبادئ المساءلة والمحاسبة والنزاهة والشفافية والثقة والمصداقية.
هذا وقد أقر الدستور لبنة جديدة لإرساء الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العمومي، تتمثل في "الميثاق المغربي للمرافق العمومية والجهات والجماعات الترابية"، والذي يحدد التزامات الإدارة وأعوانها وقواعد تنظيمها وتدبيرها والقواعد المنظمة لعلاقة الإدارة بالمرتفق، وسن قواعد التدقيق الدوري وتعليل القرارات الإدارية ونشرها وقياس الأداء والجودة وعقلنة وترشيد الهياكل الإدارية... ويعتبر هذا الميثاق أول تنزيل لأوراش الحكامة المرفقية.
بالإضافة الى تكوين الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة ومنحها الدعم اللازم من أجهزة الدولة.
إن دسترة المشرع للمبادئ المنظمة لسير المرافق العمومية هو دليل على رغبته في تكريس مفهوم الحكامة في تدبير الشأن العام، من أجل الحد من الاختلالات التي كانت تطبع القطاع الإداري وإضفاء العقلنة على تدبير الموارد بما يخدم الصالح العام وفقا للقواعد والقيم الديمقراطية.
ولم يكتف الدستور المغربي بإقرار هذه المبادئ وإنما قام بدسترة مجموعة من المؤسسات الكفيلة بتفعيل هذه المبادئ وهي ما يطلق عليها مؤسسات الحكامة الجيدة.
الفقرة الثانية: مؤسسات الحكامة الجيدة
إن حرص المشرع الدستوري على تكريس مفهوم الحكامة في تدبير الشأن العام، جعله يقوم بدسترة مجموعة من الهيئات من أجل تكريس هذه المنهجية في التدبير:
- الوسيط مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والانصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحية السلطات العمومية.
- والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والتي تتولى السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة.
- مجلس المنافسة المكلف بضمان الشفافية والانصاف في العلاقات الاقتصادية، بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وحماية المستهلكين.
- الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تصبو الى محاربة الفساد والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وهي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
إن تفعيل هذه المؤسسات سيؤدي لا محالة الى القطيعة مع الثقافة السائدة، لما سيضفيه من حكامة في تسيير الشأن العام بشكل سيخفف أزمة الإدارة المغربية ويساهم في إصلاحها بشكل كبير.
خاتمة
خلاصة القول أن الانتقال الديمقراطي يتطلب القيام بإصلاحات جذرية في المجال الحقوقي والسياسي والمؤسساتي، فلا يمكن الحديث عن التحول الديمقراطي دون سيادة الحقوق والحريات، وانتشار مبادئ تعلي مكانة الفرد وتؤكد أهميته في التعبير والابتكار، دون تبعية أو إذلال يقصي ذاته، ودون سيادة قيم ديمقراطية قوامها المشاركة في الشؤون العامة، والنسبية، والمرونة في طرح الأفكار والمشاريع السياسية.
فالإصلاحات الحقوقية إذن تشكل خطوة لا بد منها لإعداد أرضية للانتقال الديمقراطي، والذي لن يتحقق دون القيام بإصلاحات سياسية ومؤسساتية، ذلك أن هاتين الأخيرتين تمسان عمق إشكالية الانتقال الديمقراطي.
فالمتتبع للحياة السياسية المغربية في السنوات الأخيرة يشهد على أن عملية الانتقال الديمقراطي قد واجهتها العديد من العثرات حيث طغت على الساحة السياسية المغربية العديد من المظاهر المتناقضة مع الديمقراطية، والمتنافية مع آمال وطموحات الانتقال الديمقراطي، وهي تمس تكوين المؤسسات والانتخابات، والممارسة الرسمية (السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية...) كما تمس سلوكيات النخبة، والثقافة السياسية، والمؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية (الأحزاب السياسية والنقابات...) ومن أبرز هذه التمظهرات والاختلالات التي تتناقض تناقضا صارخا مع طموحات وشروط الانتقال الديمقراطي نجد:
- استمرار التحكم الملكي في تكوين المؤسسة الحكومية وتعديلها.
- استمرار الحضور التكنوقراطي بنفس النسب السابقة، في التشكيلات الحكومية،
- فالانتقال الديمقراطي يفترض تدعيم الحضور الحزبي والمشاركة الحزبية في الحكومة، حتى تتحمل الأحزاب مسؤوليتها أمام الناخبين.
- تأثير المعطى الشخصي في تكوين المؤسسات، ولا سيما الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه "الأوليغارشية الملكية" (أصدقاء الملك، المستشارون...)
- تهريب صناعة السياسات والقرارات خارج المؤسسات التي يفترض فيها أن تمارس هذه الصلاحيات، وعلى رأسها الحكومة والبرلمان.
- استمرار تأثير المتغير الفردي في صناعة السياسات العامة.
- ضعف استحضار العقلانية في صناعة السياسات، أو ربط هذه الأخيرة بمصالح معينة.
- مباركة الأحزاب السياسية لمختلف هذه المظاهر المتناقضة مع الديمقراطية.
- غياب أفق سياسي ديمقراطي مشترك بين الفاعل الرئيسي في الحقل السياسي المغربي، وباقي الفاعلين.
هذه إذن بعض مظاهر تعثر إنجاز الانتقال الديمقراطي، والتي لم يستطع دستور 2011 تجاوزها رغم ما جاء به من إصلاحات سياسية ومؤسساتية وحقوقية، بشكل يدفعنا الى القول بأن هذا الدستور يسير على خطى سابقيه، ولا يحمل سوى إصلاحات شكلية لا تمس عمق إشكالية الديمقراطية داخل النظام السياسي المغربي، بل على العكس فهو يكرس البراديغم التقليدي للنظام والطابع التقليدي للحكم. لدرجة تدفعنا للتساؤل عن مدى رغبة المشرع في إحداث اصلاح حقيقي من خلال تعديله الدستوري الاخير، أم أنه مجرد ذر للغبار في أعين المنادين بالإصلاح. خاصة في تلك الظرفية.
قائمة المراجع
كتب:
1. محمد الرضواني "في الثقافة السياسية المغربية" سلسلة بدائل قانونية وسياسية". طبعة 2015 .
2. عبد الاله السطي "صناعة القرار السياسي" بحث في المؤسسة والمؤسساتية بالنظام السياسي المغربي. سلسلة "دراسات وأبحاث" طبعة 2017 .
3. زهير الخويلدي. "أسس النظام السياسي الديمقراطي"
4. مدني محمد. الدستور الجديد ووهم التغيير. (الدار البيضاء: دفاتر وجهة نظر، عدد 24، مطبعة النجاح الجديدة، 2011.
5. كزيم الحرش. "الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل" سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي. طبعة 2012.
خطابات الملكية:
1. الخطاب الملكي السامي لـ 20 غشت 1999
2. الخطاب الملكي السامي لـ 9 دجنبر 2000
3. الخطاب الملكي السامي لـ 7 يناير 2004
نصوص القانونية:
1. دستور المغرب لسنة 1992
2. دستور المغرب لسنة 1996
3. الظهير الشريف رقم 1.90.12 المتعلق بإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الصادر في 20\04\1990.
4. الظهير الشريف رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، الصادر في 10\04\2001
5. الظهير الشريف رقم 1.04.42 بالمصادقة على النظام الأساسي لهيئة الإنصاف و المصالح الصادر في 10\04\2003.
6. النظام الأساسي لهيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري
7. القرار الملكي بتاريخ 06\11\2003 بالمصادقة على توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المتعلقة بإحداث هيئة الانصاف و المصالحة.
تقارير:
1. التقرير الختامي لهيئة الإنصاف و المصالحة
2. تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم لمجلس الأمن حول سيادة القانون و العدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع و مجتمعات ما بعد الصراع، 2003.
مقالات
1. أحمد شوقي بنيوب، العدالة الانتقالية- المفهوم و النشأة و التجارب، المستقبل العربي عدد 413، يوليوز 2013.
2. علي الدين هلال، في سمات مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، النهضة، المجلد 13، العدد 3، يوليوز 2012.
3. الحسين العويمر، هيئة الانصاف و المصالحة في المغرب، المستقبل العربي، العدد 464، أكتوبر 2017.
4. محمد الأخصاصي، الاصلاحات في المغرب الحصيلة و المستقبل، المستقبل العربي العدد 444، فبراير 2016.
الفهرس
[1] - التقرير الختامي لهيئة الانصاف و المصالحة، الكتاب الأول، 2005، ص 9
[2] - أحمد شوقي بنيوب، العدالة الانتقالية-المفهوم و النشأة و التجارب، المستقبل العربي، عدد 413، يوليوز 2013، ص 132.
[3] - أحدث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.90.12 الصادر في 24 رمضان 1410 هـ الموافق 20 أبريل 1990.
[4] - المادة 7 من النظام الأساسي لهيئة الانصاف و المصالحة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.04.42 بتاريخ 10 أبريل 2004.
[5] - المادة 8 من النظام الأساسي لهيئة الانصاف و المصالحة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.04.42 بتاريخ 10 أبريل 2004.
[6] - مقتطف من الخطاب الملكي"... لقد حقق المغرب في العهد الحسني الزاهر مكاسب جليلة في هذا المجال المتعلق بالحقوق تحفزا من إرادة والدنا المنعم المعتمدة على المرجعية الإسلامية التي كرمت بني آدم و التي حثت على الانضمام إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و ما تفرغ عنه من مواثيق دولية.
و زاد – نور الله ضريحه – فعمل على تنمية هذه الحقوق و توسيع دائرتها سواء على الصعيد التنظيمي أو إقامة المؤسسات و كذا على مستوى النصوص التي تحميها و الإجراءات التي اتخذت لصالحها و ما إلى ذلك مما يصعب حصره أو التمثيل له و هو ما أهل المغرب لكي يعتلي موقعا مرموقا بين الدول المتقدمة في هذا المضمار.
و في هذا السياق أحدثنا هيئة تحكيم مستقلة إلى جانب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بهدف تحديد تعويض ضحايا و أصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء و الاعتقال التعسفي و أصدرنا تعليماتنا بأن تشرع هذه الهيئة في مباشر أعماله".
[7] - مقتطف من الخطاب الملكي " و اعتبارا لكون صيانة حقوق الإنسان و حريات المواطنين و الجماعات و الهيآت و ضمان ممارستها تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية، فقد آلينا على نفسنا مواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان و تعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية للتنمية مترابطة في أبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
و ما لبثنا أن أحدثنا هيأة مستقلة للتحكيم انكبت على تعويض أضرار الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي.
و نود بهذه المناسبة أن نعرب عن كبير تنويهنا بما تحلى به أعضاؤها من حكمة و تجرد و موضوعية في معالجتهم لقضية شائكة مؤكدين عزمنا الراسخ على تعزيز هذه الهيأة بجميع الوسائل المادية و البشرية، من أجل الطي النهائي العادل و المنصف و الحضاري لهذا الملف، و تعبئة كل الطاقات لاستكمال بناء دولة الحق و القانون الذي يعد خير حصانة ضد كل أشكال التجاوزات".
[8] - مقتطف من الخطاب الملكي:"تجسيدا لإرادتنا الملكية الراسخة، في تحقيق المزيد من المكاسب، للنهوض بحقوق الإنسان، ثقافة وممارسة، ها نحن اليوم، بتنصيب لجنة الإنصاف والمصالحة، نضع اللبنة الأخيرة للطي النهائي لملف شائك، ضمن مسار انطلق منذ بداية التسعينات، والذي شكل ترسيخه أول ما اتخذناه من قرارات، غداة اعتلائنا العرش" .
[9] - أناس المشيشي، العدالة الانتقالية و التحول الديمقراطي: تجربة هيئة الانصاف و المصالحة في المغرب، قدمت إلى أعمال الندوة الدولية "دينامية الاصلاح في دول اتحاد المغرب العربي" المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، أيام 15-16 أبريل 2010. منشورات معهد الدراسات الإريقية بجامعة محمد الخامس السويسي بمساهمة مؤسسة هانس سايدل، الرباط.
[10] - التقرير الختامي لهيئة الانصاف و المصالحة، ص 93.
[11] د. محمد الرضواني "في الثقافة السياسية المغربية" سلسلة بدائل قانونية وسياسية". طبعة 2015
[12] د. عبد الاله السطي "صناعة القرار السياسي" بحث فسي المؤسسة والمؤسساتية بالنظام السياسي المغربي. سلسلة "دراسات وأبحاث" طبعة 2017 ص 71عك
[13] د. زهير الخويلدي. "أسس النظام السياسي الديمقراطي"
[14] لم يكن دستور 1962 يشمل هذه العبارة وانما جاءت مع أول تعديل، واستمرت مع باقي الدساتير، وذلك في سياق تقوية مكانة المؤسسة الملكية عقب الصراع مع الحركة الوطنية ورجحان موازين القوى لفائدة القصر. وتجدر الإشارة الى أنه تم تغيير لفظ الأمة بالدولة في نص دستور 2011
[15] يقصد بالأدوات القانونية الحديثة الوثيقة الدستورية
[16] د. عبد الاله السطي "صناعة القرار السياسي" سلسلة "دراسات وأبحاث" 16. طبعة 2017. ص 71
[17] د. عبد الاله السطي نفس المرجع السابق ص. 71
[18] فالمؤسسة الحكومية تلعب الدور المركزي في صناعة القرار السياسي داخل الملكيات الدستورية "البرلمانية"، التي يتولى فيها الملك العرش مع تفويت السلطة الى المؤسسة الحكومية ذات الشرعية الانتخابية.
[19] الفصل 89 من دستور 2011
[20] الفصل 42 من دستور 2011
[21] الفصول اللاحقة على الفصل 42 من الدستور
[22] مدني محمد. الدستور الجديد ووهم التغيير. (الدار البيضاء: دفاتر وجهة نظر، عدد 24، مطبعة النجاح الجديدة، 2011) ص85
[23] الفصلين 89 و90 من الدستور
[24] الفصل 47 من الدستور
[25] الفصل 92 من الدستور
[26] د. عبد الاله السطي. مرجع سابق. ص 103
[27] الفصل 49 من الدستور
[28] د. عبد الله ساعف. "النخب المغربية وإشكالية الإصلاح"، دراسة في كتاب تكريمي للأستاذ عبد الرحمان القادري، بعنوان "التمثيلية، الوساطة والمشاركة السياسية في النظام السياسي المغربي". مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى، 1997. ص 64-65
[29] د. كزيم الحرش. "الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل" سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي. طبعة 2012. ص 206
[30] د. كريم الحرش. نفس المرجع السابق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق