الخميس، 8 أغسطس 2019

المجلس الأعلى للسلطة القضائية


مقدمة
المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة دستورية تعنى بشؤون القضاة و السهر على توفير الضمانات الممنوحة لهم في إطار القانون، و تعتبر هذه المؤسسة – التي نص دستور 2011 على إحداثها بمقتضى الفصل 113، بديلا عن مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء في سياق تأكيد المشرع الدستوري المغربي على صفة القضاء كسلطة مستقلة إلى جانب السلط الأخرى(التنفيذية و التشريعية)– ضمانة فعلية لمبدأ استقلالية القضاء كمرفق عام بالغ الأهمية في مجال تطبيق القانون و صيانة الحقوق و الحريات، هذا وقد عرفت هذه المؤسسة تغييرات مهمة سواء على مستوى تشكيلها أو اختصاصاتها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 100.13، إلى جانب نصوص الدستور.
فالدستور قد أتى بمقتضيات جديدة شكلت نقلة نوعية إلى حد ما في مجال الاختصاصات المخولة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إذ بالإضافة إلى المهام الكلاسيكية للمجلس المتمثلة في تدبير الوضعية الفردية للقضاة من تعيين، ترقية، تأديب، أريد للمجلس أن يلعب دورا أساسيا في مجال رسم معالم السياسة القضائية، حيث نص الفصل 113 من الدستور على كون المجلس"يضع بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء و منظومة العدالة و يصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان آراء منفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط".
و نظرا لأهمية الدور الذي يضطلع به المجلس شكلت مسألة تشكيلته أهمية هي الأخرى حيث يضم المجلس في عضويته ثلاثة أصناف من الأعضاء: أعضاء يعينهم الملك (5)، أعضاء منتخبون يمثلون قضاة محاكم الاستئناف (4)، و أعضاء منتخبون يمثلون قضاة محاكم الدرجة الأولى(6)، إضافة إلى أعضاء يكتسبون عضويتهم بحكم مناصبهم (5).

و هؤلاء الأعضاء الذين يكتسبون عضويتهم بحكم مناصبهم ينقسمون بدورهم إلى صنفين، صنف ينتسب إلى سلك القضاء و صنف لا ينتسب إلى سلك القضاء، و نحن في جوابنا على هذا السؤال سأعتمد التقسيم التالي:
1-               الأعضاء المنتسبون لسلك القضاء:
·                   الرئيس الأول لمحكمة النقض
·                   الوكيل العام للملك بها
·                   رئيس الغرفة الأولى بها
2-               الأعضاء غير المنتسبون لسلك القضاء
·                   رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان
·                   الوسيط

1-               الأعضاء المنتسبون لسلك القضاء:
توجد محكمة النقض على قمة الهرم التنظيم القضائي المغربي، و يشمل نفوذها جميع التراب الوطني و يحدد اختصاصاتها قانون المسطرة المدنية، قانون المسطرة الجنائية، قانون المحاكم الإدارية، قانون محاكم الاستئناف الإدارية، قانون المحاكم التجارية، قانون محاكم الاستئناف التجارية.
و يتجلى دورها الأساسي في مراقبة تطبيق القانون من طرف محاكم الموضوع سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع، و كون اكتساب رئيسها و الوكيل العام بها و رئيس الغرفة الأولى بها عضويتهم بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بحكم مناصبهم فإن ذلك يرجع لأهمية تلك المناصب التي تأتي على رأس هرم مرفق القضاء، و سنتعرف على كل منصب على حدة.
أ‌-                  الرئيس الأول لمحكمة النقض
بحكم منصبه فهو يمارس دور الإشراف على رؤساء الغرف و المستشارين بمحكمة النقض، و على الرؤساء الأولين بمحاكم الاستئناف، و الرؤساء الأولين بمحاكم الاستئناف التجارية، و الرؤساء الأولين بمحاكم الاستئناف الإدارية، و لهذا الاعتبار فإن الدستور منح الرئيس الأول لمحكمة النقض منصب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و هذا الأساس الدستوري يجعل مستوى الخطاب بين المجلس و وزارة العدل ينتقل من التخاطب القطاعي إلى مستوى التعامل كسلطة ندية لسلطة الحكومة و سلطة البرلمان.
و هو بذلك يوجد في موقع قريب جدا بكل ما يتعلق بسير مرفق القضاء لذلك تعتبر عضويته بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية و تقلده منصب الرئيس المنتدب للمجلس ذات أهمية بالغة إذ هو على المستوى الفعلي و المهني يعتبر رئيسا لكافة قضاة الحكم.
ب‌-             الوكيل العام لمحكمة النقض
هو قاض خارج الدرجة يمثل النيابة العامة لمحكمة النقض و تحدد اختصاصاته بمقتضى قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية و قانون العدل العسكري و مقتضيات نصوص خاصة عند الاقتضاء.
و هو بالإضافة لكونه عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية بحكم الفصل 115 من الدستور فإنه يعتبر أيضا عضوا بمكتب محكمة النقض بمقتضى الفصل 5 من المرسوم رقم 2.74.498 الصادر في 16 يوليوز 1974 تطبيقا لمقتضيات الظهير بمثابة قانون رقم 1.74.338 الصادر في 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي.
و بمقتضى الفصل 16 من نفس الظهير فإن له سلطة على أعضاء النيابة العامة بمحكمة النقض.
كما يمكن له أن يوجه مباشرة تعليمات و ملاحظات إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف و إلى وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، و يقوم بتقديم ملتمسات إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض بإجراء تحقيق في الجنايات و الجنح المنسوبة لبعض فئات القضاة، و إيداع طلب من أجل التشكك المشروع، و تقديم ملتمس إلى غرفة الجنايات قصد الأمر بالإحالة من أجل الأمن العمومي، و يتولى رفع طلب النقض بحكم صدر خرقا للقانون أو الصيغ الجوهرية المتعلقة بالإجراءات و لم يتقدم أي أحد من الأطراف بطلب النقض.
إن دور الوكيل العام و من خلال إشرافه على أعضاء النيابة العامة بكافة محاكم المغرب تعتبر عضويته بالمجلس تحصيل حاصل و لا يستقيم عمل هذا الأخير من دونه.
ج-  رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض
الغرفة الأولى بمحكمة النقض هي الغرفة المدنية، و في الحقيقة قد يتساءل البعض عن أهمية اكتسابه لعضوية المجلس الأعلى بحكم منصبه عوض انتخابه، لكن المرجح هو أن المشرع حاول أن يحافظ على التوازن الضروري داخل المجلس الذي يضم في عضويته 20 عضوا (10 أعضاء منتخبون يمثلون القضاة، 10 أعضاء معينون على اعتبار أن 5 أعضاء الذين يكتسبون عضويتهم بحكم مناصبهم هم أصلا معينون من طرف الملك في تلك المناصب).
3-               الأعضاء غير المنتسبون لسلك القضاء
أ‌-                  الوسيط
 اسم الوسيط يطلق على رئيس مؤسسة دستورية تحمل نفس الاسم و قد كانت تسمى فيما سبق بديوان المظالم و تختص في تلقي شكايات المواطنين ضد الإدارات العمومية غير المعروضة على القضاء و لقد أفرد لها المشرع الدستوري الفصل 162 من دستور 2011 الذي عرفها على الشكل التالي: "الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة و متخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة و المرتفقين، و الإسهام في ترسيخ سيادة القانون، و إشاعة مبادئ العدل و الإنصاف، و قيم التخليق و الشفافية في تدبير الإدارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية و الهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية."و قد تم إحداثه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.25 الصادر في 12 ربيع الآخر 1432 هجرية (17 مارس 2011).
و المؤسسة و إن كان لا تتعامل مع الشكايات التي تكون معروضة على القضاء إلا أن إحداثه جاء "تدعيما للمهام التي تقوم بها العدالة عامة و القضاء خاصة في ترسيخ الحقوق و حمايتها" كما هو منصوص عليه في الظهير المنشئ. كما أن الوسيط بحسب المادة الثانية من ظهير إحداث المؤسسة "يعين بظهير شريف لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة و يختار من بين الشخصيات المشهود لها بالنزاهة و الكفاءة و التجرد و التشبث بسيادة القانون و بمبادئ العدل و الإنصاف."
و يمكن له بمقتضى المادة السابعة "رفع توصية إلى الجهة القضائية المختصة لتمتيع المشتكين الذين يوجدون في وضعية صعبة لأسباب مادية ... من المساعدة القضائية"
ب‌-             رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان
"المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية و مستقلة تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات و حمايتها، و لضمان ممارستها الكاملة، و النهوض لها و لصيانة كرامة و حقوق و حريات المواطنات و المواطنين، أفرادا و جماعات، و ذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية و الكونية في هذا المجال" (الفصل 161 من الدستور).
و لقد تم إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.19 الصادر في 25 ربيع الأول 1432 هجرية (فاتح مارس 2011).
و قد أريد لهذه المؤسسة أن تساهم في تعزيز البناء الديمقراطي من خلال النهوض بالحوار المجتمعي التعددي و تطوير كافة الوسائل و الآليات المناسبة لذلك و من بين أهم أدواره بحث و دراسة ملاءمة النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و بالقانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، كما أن المجلس الوطني و قبله المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كان لهم دور فعال من خلال التقارير و المذكرات و الدراسات التي قاموا بها في بلورة منظومة لإصلاح مرفق القضاء باعتباره الضامن لحقوق و حريات المواطنات و المواطنين من تعسف السلطة التنفيذية، لهذا تأتي عضويته بالمجلس العلى للسلطة القضائية تتويجا لحرص المغرب على طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات.
و كخلاصة يمكننا القول بأن المشرع من خلال التشكيلة التي حددها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يكون قد كفل للقضاة سلطة على مرفق القضاء و أشرك مؤسسات أخرى و شخصيات من ذوي الكفاءة و الخبرة بغرض التعاون على و التشارك في ضمان المحاكمة العادلة و تجسيد التوجه الديمقراطي للدستور كما أنه عكس المبادئ الكونية المعمول بها في تشكيل المجالس العليا للقضاء و هي الأسس التي طالما طالب بها دعاة إصلاح منظومة القضاء و على رأسهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال مذكرته ليناير 2013 بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق