مقـدمـة
انخرط المغرب بعد حصوله على الاستقلال في سلسلة من الإصلاحات القانونية التي شملت مختلف المجالات في إطار ما عرف تاريخيا بالمغربة، و في هذا السياق عرف التنظيم المالي إصلاحات جذرية سواء على المستوى القانوني أو المؤسساتي، وعيا من المشرع المغربي بضرورة تطوير المالية العامة باعتبارها الركيزة الأسياسية لاضطلاع الدولة بالمهام المنوطة بها و مواجهة التحديات التي تعترضها، تحقيقا للصالح العام المتمثل أساسا في البرامج و المخططات الاقتصادية، و كان من بين الإصلاحات العميقة التي شهدها مجال المالية العامة هي تلك التي جاءت في سياق التقييم الشامل للاقتصاد الوطني و الذي كان من بين نتائجه المباشرة انخراط المغرب في برنامج التقويم الهيكلي.
و هكذا عرف الإصلاح المالي بالمغرب العديد من المحطات أطرت كل منها نصوص قانونية عمد المشرع على اعتمادها استجابة للمتغيرات و كضرورة ملحة لمعالجة الاختلالات التي أبانت عنها عمليات التقييم، و في هذا الصدد نجد مجموعة من القوانين التنظيمية للمالية:
1. الظهير الشريف رقم 1.63.326 الصادر في 21 جمادى الثانية 1383 (9 نونبر 1963) بشأن القانون التنظيمي للمالية. و الذي يعتبر بمثابة أول دستور مالي للدولة، و الذي كرس الترابط بين قوانين المالية و المخططات المعتمدة من طرف البرلمان، و الفصل بين القواعد والمبادئ الميزانياتية والمالية و تلك المتعلقة بالمحاسبة العامة و نظام الصفقات العمومية.
2. الظهير الشريفة رقم 1.70.207 بتاريخ فاتح شعبان 1390 (3 أكتوبر 1970) بمثابة القانون التنظيمي للمالية و الذي تدارك الفراغ القانوني المتعلق بمآل المداخيل في حالة رفض أو عدم اعتماد الميزانية في الآجال القانونية.
3. الظهير الشريف 1.72.260 بتاريخ 9 شعبان 1392 ( 18 شتنبر 1972) بمثابة القانون التنظيمي للمالية، التي استحدثت آليات جديدة للتصويت على مشروع قانون المالية، و كرست قانون تصفية موحد و نهائي.
4. القانون التنظيمي لقانون للمالية لسنة 1998 و الذي تتمكن من جعل المقتضيات القانونية المؤطرة لميزانية الدولة تتلاءم مع مقتضيات دستور 1996 ، لاسيما تلك المتعلقة بالتخطيط و عودة النظام البرلماني من غرفتين، مع مراعاة عدم القطع مع النهج الميزانياتي المعمول به منذ الاستقلال، و لقد أسهم البرلمان في إعداد القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.98.138 صادر في 7 شعبان 1419(26 نوفمبر 1998)، كما و قع تغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 7.98 بالقانون التنظيمي رقم 14.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.195 بتاريخ 14 من محرم 1421 (19 أبريل 2000)، و الذي تم بموجبه إحداث الفصل الثالث المكرر المتعلق بمصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة.
و تتعلق أهم الأحكام الجديدة للقانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما و قع تغييره وتتميمه ب:
· عودة مفهوم المخطط عقب تأهيله دستوريا و تعويضه للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي؛
· التكيف مع سياق البرلمان ذو الغرفتين فيما يخص إيداع و دراسة مشروع قانون المالية و كذا مسطرة التصويت عليه؛
· حذف الميزانيات الملحقة؛
· إدراج مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة في قانون المالية للسنة؛
· تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة من تسعة إلى ستة أصناف؛
· توسيع صلاحيات الحكومة بشأن فتح اعتمادات إضافية خلال السنة " في حالة الاستعجال والضرورة الملحة " أو في مقابل الأموال المدفوعة من قبل أشخاص اعتباريين أو ذاتيين، في إطار ما يصطلح عليه " أموال المساعدة"، للمساهمة في نفقات ذات مصلحة عامة :
· إرجاء تنفيذ بعض النفقات؛
· إعادة نشر المناصب المالية بين الوزارات وتجميد استعمال بعضها.
· وضع قيود على المبادرات الحكومية فيما يخص ترحيل الاعتمادات من سنة إلى أخرى؛
· توضيح مبادئ المالية العامة: السنوية، الشمولية ، الوحدة، التخصص الميزانياتي.
غير أنه و منذ مطلع القرن 21 و على إثر الكثير من العوامل الداخلية و الخارجية تبنى المغرب مقاربة جديدة في التدبير المالي ارتكزت على النتائج، كبديل عن المقاربة التقليدية التي كانت تعتمد على الوسائل التي عرف انتقادات سواء على مستوى الخبراء الاقتصاديين المحليين أم على مستوى التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية و التي أوعزت فشل المغرب في تحقيق أهداف برنامج التقويم الهيكلي لاعتماده على تلك المقاربة التقليدية التي أكل الدهر عليها و شرب في حين تجاوز كل الشركاء الاقتصاديون للمغرب سواء أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية هذه المقاربة.
و قد توج هذا الاصلاح بصدور القانون التنظيمي رقم 130.13 على ضوء دستور 2011، حيث اعتبر هذا القانون التنظيمي من طرف فقهاء القانون المالي " الدستور المالي للمغرب"، غير أن هذه المحصلة لم تأتي من فراغ بل سبقتها بعض التدابير التمهيدية منذ 2001 حيث لجأت وزارة الاقتصاد والمالية ـ انطلاقا من وعيها بكون التدبير المالي حسب المنهجية التقليدية أصبح غير قادر على مواكبة التحولات العميقة و المتسارعة، سواء على المستوى الدولي أو الوطني، كما أصبحت مواجهة إكراهات التنمية تتطلب أكثر من أي وقت مضى تحديث منهجية التدبير المالي للرفع من مردودية و نجاعة السياسات العمومية، و خاصة أمام ندرة الموارد و تعدد مجالات الإنفاق، فقد انخرطت وزارة الاقتصاد و المالية في إصلاحات متعددة كان آخرها اعتماد مقاربة ترتكز على النتائج عوض الوسائل في تدبير المالية العامةـ إلى الترويج لهذه المقاربة الجديدة منذ 2001، و هي مقاربة تقوم على أساس مجموعة من الآليات أهمها التدبير المبني على النتائج و اللاتركيز المالي و دعم علاقات الشراكة مع الجماعات الترابية و المجتمع المدني و تحسين البرمجة المتعددة السنوات و توجيه المراقبة المالية إلى مراقبة النجاعة.[1] و يندرج الإصلاح الميزانياتي الذي تم مباشرته بالمغرب في إطار برنامج موسع يهم تحديث الإدارة العمومية، و يروم هذا الإصلاح أساسا إلى تقوية فعالية العمل العمومي، و تحسين جودة الخدمة العمومية، و تعزيز استفادة المواطنين من السياسات العمومية، و يرتكز هذا الإصلاح على مجموعة من المرتكزات كإضفاء الطابع الجهوي على الميزانية، شمولية الاعتمادات، هيكلة الميزانية حول البرامج، و البرمجة متعددة السنوات.
و لقد عرفت الميزانية تطورات عميقة في ظل القانون التنظيمي الجديد 130.13 لقانون المالية، حيث تحولت من مجرد أداة للترخيص للمداخيل و النفقات، و أداة لتأمين مراقبة الجهاز التشريعي على أنشطة الجهاز التنفيذي، إلى أداة أساسية لبلورة و تنفيذ سياسات اقتصادية و اجتماعية محددة المعالم، ثم إلى وسيلة لتوزيع الموارد المتوفرة على المستوى الوطني و ذلك عبر العمل على تكثيف نجاعة النفقات العمومية التي أصبحت تشكل أكثر فأكثر إحدى الهواجس الرئيسية للتدبير العمومي حتى يتسنى للمرافق العمومية بلوغ نفس الغايات بأقل التكاليف[2].
و على هذا الأساس، فإن عملية تحضير القانون المالي تقوم على مرتكزات (المبحث الثاني) و تستوجب إتباع إجراءات معينة[3] المبحث الأول)
المبحث الأول: إجراءات إعداد القانون المالي
سنتعرف في هذا المبحث على الأجهزة المعنية بإعداد القانون المالي (مبحث أول) ثم مسطرة إعداده (مبحث ثان)
المطلب الأول: الأجهزة المتدخلة في إعداد مشروع قانون المالية
تضطلع الحكومات في جميع دول العالم بمهمة إعداد مشروع القانون المالي و عرضه على البرلمان قصد دراسته و المصادقة عليه لمنح الإذن أو الترخيص للحكومات للتصرف في المالية العامة للدولة على أساسه، و تقوم الحكومة المغربية بهذا الدور من خلال مؤسساتها المعنية: (وزارة المالية، رئيس الحكومة، مجلس الوزراء)، لكن في إطار المقاربة المرتكزة على النتائج، أصبح للبرلمان دور في مرحلة الإعداد، و لم يعد دور البرلمان ينحصر في المصادقة، و سنعمل في هذا المطلب على التعرف على كل مؤسسة و دورها في إعداد القوانين المالية.
الفرع الأول: وزارة الاقتصاد و المالية
نظرا لطبيعة وزارة المالية المتميزة من خلال توفرها على أجهزة إدارية متخصصة في الميدان المالي، و دورها العملي في تحقيق التوازن الاقتصادي و المالي العام، منحها المشرع مهمة تحضير مشروع قانون المالية، و يأتي على رأس هذه الأجهزة الوزير المكلف بالمالية.
و على هذا الأساس سنتطرق لدور الوزير المكلف بالمالية (الفقرة الأولى) ثم دور المصالح المختصة بوزارة المالية (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الوزير المكلف المالية
يسند القانون مهمة إعداد مشروع القانون المالي للوزير المكلف بالمالية تحت سلطة رئيس الحكومة، و ذلك طبقا للتوجهات العامة التي يتم التداول بشأنها في المجلس الوزاري[4]، و يعود هذا الدور من الناحية العملية للمكانة المتميزة التي يحتلها الوزير المكلف بالمالية في الحكومة من خلال الاختصاصات الممنوحة له بموجب المرسوم رقم 2.07.995 صادر في 23 من شوال 1429 (23 أكتوبر 2008) بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية و الذي ينص في مادته الأولى على تولى السلطة الحكومية المكلفة بالاقتصاد والمالية إعداد سياسة الدولة في المجالات المالية والنقدية والقرض والمالية الخارجية وترشيد القطاع العام وخوصصة المنشآت العامة وتتبع تنفيذها وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها مع مراعاة الاختصاصات المنوطة بالوزير الأول [رئيس الحكومة] بشأن تنسيق وتتبع تنفيذ السياسة الحكومية في مجال العلاقات مع المؤسسات التابعة لمجموعة البنك الدولي.
ولهذا الغرض، يعهد إليه القيام بما يلي:
- تحضير مشاريع قوانين المالية والسهر على تنفيذها؛
- إعداد التقرير المرفق بمشروع قانون المالية الذي تحدد فيه الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي وتعرض فيه النتائج المحصل عليها وآفاق المستقبل وكذلك التغييرات المتعلقة بالمداخيل والنفقات وذلك بتنسيق مع أشغال تهيئ الميزانية الاقتصادية؛
- تحديد شروط التوازن المالي الداخلي والخارجي وضمان تعبئة الموارد الضرورية لهذه الغاية وإعداد سياسة الدين وتنفيذها؛
- إعداد السياسة الجبائية و الجمركية و تنفيذها؛
- ضمان تحصيل الموارد العمومية وأداء النفقات العمومية وكذا تدبير الخزينة العمومية؛
- ضمان تصفية وأداء أجور موظفي الدولة المدنيين والعسكريين وأداء المعاشات والتعويضات والإيرادات؛
- مراقبة جميع العمليات المتعلقة بالموارد والنفقات العمومية؛
- التأشير على مشاريع النصوص التي يمكن أن يترتب عليها أثر مالي مباشر أو غير مباشر؛
- مراقبة مالية الجماعات المحلية وهيئاتها وضمان المراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمنشآت العامة والشركات ذات الامتياز وكذا المنشآت والهيآت التي تستفيد من المساهمة المالية للدولة أو الجماعات العمومية؛
- ممارسة الاختصاصات المخولة للوزير المكلف بتنفيذ عمليات التحويل من القطاع العام إلى القطاع الخاص بمقتضى المرسوم رقم 2.90.403 الصادر في 25 من ربيع الأول 1411 (16 أكتوبر 1990) المتعلق بتحديد صلاحيات الوزير المكلف بتنفيذ عمليات التحويل من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛
- المتابعة المنتظمة لتدبير المؤسسات والمنشآت العامة ومحفظة سندات الدولة والقيام، بتشاور مع الوزارات المعنية، باقتراح وتنفيذ السياسة العامة والقطاعية للدولة في مجال إصلاح وترشيد وإعادة هيكلة العام وكذا انفتاحه على القطاع الخاص؛
- ممارسة الوصاية على الوسطاء الماليين و الأبناك ومؤسسات القرض والسوق المالي وتنظيم وتتبع أنشطتهم؛
- تتبع سير الأشغال وتنفيذ القرارات الصادرة عن مجالس إدارة المؤسسات والمقاولات العمومية؛
- تنظيم ومراقبة نشاط مقاولات التأمين وإعادة التأمين وتكوين رؤؤس الأموال والمساهمة في إعداد النصوص التنظيمية المتعلقة بهيئات الاحتياط الاجتماعي ومراقبتها؛
- القيام بأعمال الإدارة والتصرف المتعلقة بالمنقولات والعقارات التي تشكل الملك الخاص غير الغابوي للدولة؛
- تمثيل الدولة في المؤسسات المالية الدولية والجهوية؛
- تمثيل مصالح الخزينة أمام القضاء؛
- القيام عبر الوكالة القضائية للمملكة بالدفاع عن الإدارات العمومية في المحاكم.
كما يمارس وزير الاقتصاد والمالية الوصاية على المؤسسات العمومية الخاضعة لاختصاصاته.
و يتضح مما سبق أن وزير المالية بحكم منصبه تتوفر له كافة المعطيات المتعلقة بالعمليات المالية الشيء الذي يخوله دون غيره من الوزارات مهمة إعداد القوانين المالية بمساعدة العديد من المصالح المتخصصة التابعة لوزارته.[5]
الفقرة الثانية: المصالح المختصة التابعة لوزارة الاقتصاد و المالية
تتشكل وزارة المالية من العديد من المصالح هي عبارة عن مديريات و إدارات، و سنتطرق في هذه الفقرة إلى البعض منها و التي تسهم بشكل فعال في إعداد القوانين المالية.
أولا: مديرية الميزانية
تقوم بدور محوري في إعداد مشاريع قوانين المالية تؤازرها في ذلك باقي المديريات الأخرى.[6]
و تعتبر مديرية الميزانية الفاعل الرئيس في مجال تحضير و إعداد مشروع القانون المالي حيث تنص المادة 9 من المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة المالية السالف الذكر على تولي هذه المديرية مجموعة من المهام أهمها:
- تحضير مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تتعلق بالميزانية والسهر على تنفيذها؛
- تحضير مشاريع قوانين المالية وتتبع تنفيذها؛
- تحضير مشروع قانون التصفية ووضع الحساب العام للمملكة؛
- دراسة مشاريع النصوص والإجراءات التي يمكن أن تترتب عنها انعكاسات على المالية العمومية، وذلك بتنسيق مع المصالح المعنية؛
- وضع مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالعوائد والمداخيل غير الناتجة عن الضرائب وأملاك الدولة، وذلك باتصال مع الوزارات المعنية والسهر على تنفيذ النصوص التشريعية والتنظيمية في هذا المجال؛
ثانيا: مديرية الخزينة والمالية الخارجية
تتولى مهمة تحقيق توازن المالية العامة وتعبئة جميع المساعدات الداخلية والخارجية اللازمة لهذا الغرض وتباشر عمليات الخزينة وتقوم بإصدار الاقتراضات وتوظيفها وتشرف على تسيير الدين العام الداخلي والخارجي.[7]
ثالثا: الخزينة العامة للملكة
وتسهر على تنفيذ الميزانية أي تحصيل الموارد العامة ودفع النفقات العامة بالإضافة إلى اختصاصات أخرى وتلعب دورا هاما في التحضير الجيد لتقديرات مشروع القانون المالي من خلال تجميع ومركزة الحسابات المتعلقة بتنفيذ القانون المالي وتعتبر أداة هامة لتقييم الموارد من حيث كونها المسؤولة عن التحصيل.[8]
رابعا: مديرية الضرائب
ويعهد إليها بتحضير مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لها والضريبة على القيمة المضافة وحقوق التسجيل والتنبر فهي تمارس دورا هاما في الميدان الجبائي.[9]
خامسا: إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة
ويعهد إليها بدراسة وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجمارك والرسوم الداخلية على الاستهلاك وكذا بتنفيذ النصوص التشريعية والتنظيمية في هذا الميدان وتعمل على تطبيق القوانين والأنظمة في ميدان مراقبة التجارة الخارجية والصرف والضرائب على المنتجات والخدمات وفقا للشروط والحدود المعينة في النصوص الجارية على هذه الميادين مما يؤهلها للمساهمة في تقدير الموارد الجمركية التي يتضمنها القانون المالي. [10]
الفرع الثاني: رئيس الحكومة
يقوم رئيس الحكومة في مجال تحضير مشروع قانون المالية بدور توجيهي (الفقرة الأولى) و دور تحكيمي ( الفقرة الثانية) إضافة إلى رئاسته للمجلس الحكومي الذي ينعقد فور إعداد مشروع قانون المالية لدراسته و وضع صيغته النهائية.[11] (الفقرة الثالثة)
الفقرة الأولى: الدور التوجيهي لرئيس الحكومة
رئيس الحكومة باعتباره مسؤولا دستوريا، عن وضع السياسة الحكومية وعن تنسيق مختلف النشاطات الوزارية يتوفر على نظرة شمولية، وليس فقط قطاعية، تؤهله لتحديد الاختيارات والأولويات الاقتصادية والاجتماعية و ما تستلزمه من تكييفات لأدوات المالية العامة (ضرائب، رسوم، قروض، نفقات...) تحقيقا للتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والمالية المرجو بلوغها.
من هذا المنطق فإن رئيس الحكومة يعد بمناسبة الشروع في إعداد مشروع قانون المالية، رسالة تأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات وفي ضوئها تشرع وزارة المالية ومختلف الوزارات والمصالح الحكومية في تحضير المشروع المذكور، وترفق هذه الرسالة التوجيهية عادة برسالة التأطير التي تحدد الأغلفة المالية التي يتعين على مختلف القطاعات الحكومية الالتزام بها عند إعداد مقدرات ميزانياتهم القطاعية برسم السنة المعنية، و لقد تعزز دور رئيس الحكومة في هذا المجال بموجب القانون التنظيمي رقم 130.13 و المرسوم رقم 2.15.426 المتعلق بإعداد و تنفيذ قوانين المالية و ذلك على الشكل التالي:
أولا: إصدار منشور في أجل أقصاه 15 مارس من كل سنة يدعو بموجبه الآمرين بالمصرف لإعداد مقترحاتهم المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات.[12]
ثانيا: إصدار منشور يدعو بموجبه الآمرين بالصرف إعداد مقترحاتهم المتعلقة بالمداخيل و النفقات عن السنة المالية الموالية.[13]
الفقرة الثانية: الدور التحكيمي لرئيس الحكومة.
بحيث يتولى خلال مختلف مراحل إعداد مشروع القانون المالي، التحكيم بين وزير المالية وباقي الوزراء في شأن الخلافات التي قد تنشأ حول مشاريع الميزانيات الفرعية للوزارات،[14] من حيث الغلاف المالي المخصص لكل وزارة، أو من حيث عدم مطابقة مقترحات إحدى الوزارات للتوجيهات الحكومية المتضمنة في الرسالة التوجيهية.
الفقرة الثالثة: رئاسة المجلس الحكومي
من خلال رئاسته للمجلس الحكومي الذي ينعقد لبحث مشروع القانون المالي، يلعب رئيس الحكومة دورا محوريا في الحصول على توافق مكونات الحكومة على مشروع قانون مالي متوازن يلبي متطلبات الوزارات المختلفة، و تكمن أهمية ذلك في الحفاظ على التضامن الحكومي و الاتفاق على الأولويات التي تحدد تصور الحكومة و توجهاتها العامة التي سيؤطرها القانون المالي برسم السنة المالية المقبلة، و هي محطة تسهم في إعادة صياغة القانون المالي وفق الكيفية التي تستجيب لمتطلبات القطاعات الوزارية.
الفرع الثالث: البرلمان
في سياق اعتماد المقاربة التدبيرية في عملية إعداد القانون المالي، نص القانون التنظيمي 130.13 على ضرورة إشراك البرلمان في هذه المرحلة من خلال إطلاعه على السياق العام و المعطيات المؤطرة لإعداد مشروع قانون المالية[15]، و ذلك بإلزام وزير المالية بتقديم عرض لدى لجنتي المالية بمجلسي النواب و المستشارين قبل 31 يوليوز، يتضمن هذا العرض تطور الوضعية الاقتصادية الوطنية و تقدم تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية إلى حدود 30 يونيو من نفس السنة، ثم المعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية و الاجتماعية و المالية، بالإضافة إلى البرمجة الميزانياتية الإجمالية لثلاث سنوات، و يكون هذا العرض موضوع مناقشة دون أن يتبعه تصويت.[16]
و عموما، فإن اعتماد القانون التنظيمي للمالية لهذه المرحلة الجديدة، سيشكل بداية للتوجه نحو توسيع دائرة النقاش العمومي حول مشاريع قوانين المالية و مدى تنفيذها و إيتاء آثارها، إلى جانب محاولة إشراك البرلمان و إغناء معطياته، و الحد من آثار احتكار المعلومة في الميدان المالي و الاقتصادي من قبل الحكومة، و على سبيل المقارنة فقد أصبح مثل هذا التقرير بدول منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية يشكل وسيلة لتشجيع النقاش حول المواضيع و الإشكالات الموازناتية و كيفية تفاعلها و تأثيرها على الاقتصاد، و توظيف كل ذلك خلال إعداد مكونات الميزانية.[17]
الفرع الرابع: المجلس الوزاري
تنص المادة 64 من المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية على اعتبار الوزراء آمرين بالصرف بحكم القانون فيما يتعلق بمداخيل ونفقات وزاراتهم، حيث يباشرون مهام الالتزام بنفقات المصالح التابعة لهم، والسهر عليها والأمر بأدائها، كما يتم استخلاص مداخيل تلك المصالح تحت إشرافهم.[18]
ونتيجة لما تقدم يظهر أن كل وزير أدرى بتقدير الإعتمادات التي يتطلبها تسيير المصالح الخاضعة لسلطته خلال كل سنة مالية، والأجدر بتوقع قيمة المداخيل التي يمكن استخلاصها بارتباط مع أنشطة هذه المصالح، فكان طبيعيا نتيجة لذلك أن يعهد لكل وزير – في نطاق احترام التوجيهات والتوصيات العامة، كما يتم الاتفاق عليها داخل المجلس الحكومي، وكما ترد بها رسالة الإطار- بتحضير ميزانية المصالح المركزية والمصالح الخارجية الخاضعة لنفوذه.
وطبقا لنص الفصل 49 من الدستور الذي ينص على أن المجلس الوزاري يتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، فإن المجلس ينعقد من أجل تحديد مشروع القانون المالي، مبدئيا، قبل 20 أكتوبر من كل سنة، برئاسة جلالة الملك الذي يستفسر الحكومة حول بعض جوانب المشروع ويبدي ملاحظاته وتعليماته بهذا الصدد.[19]
وطبقا لنص الفصل 49 من الدستور الذي ينص على أن المجلس الوزاري يتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، فإن المجلس ينعقد من أجل تحديد مشروع القانون المالي، مبدئيا، قبل 20 أكتوبر من كل سنة، برئاسة جلالة الملك الذي يستفسر الحكومة حول بعض جوانب المشروع ويبدي ملاحظاته وتعليماته بهذا الصدد.[19]
المطلب الثاني: مسطرة تحضير مشروع قانون المالية
أصبح وضع مشروع قانون المالية بموجب القانون التنظيمي رقم 130.13 خاضعا لجدولة زمنية معينة و يمر بمجموعة من المراحل[20] (الفرع الأول)، كما أن عملية الإعداد تتوجب تقديم تقديرات للموارد و النفقات أكثر صدقية و واقعية ما يستوجب الاعتماد على أساليب لتحقيق هذه الغاية (الفرع الثاني)
الفرع الأول: مراحل إعداد مشروع قانون المالية
في سياق اعتماد المقاربة التدبيرية المرتكزة على النتائج، أصبح إعداد مشروع قانون المالية يمر عبر ثلاث مراحل: مرحلة البرمجة الميزانياتية (الفقرة الأولى)، مرحلة التشاور و التأطير(الفقرة الثانية)، و مرحلة الوضع و التحكيم (الفقرة الثالثة) .
الفقرة الأولى: مرحلة البرمجة الميزانياتية
بصدور منشور رئيس الحكومة قبل 15 مارس من كل سنة، و الذي يدعو من خلاله الآمرين بالصرف تقديم مقترحاتهم بشأن البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات مدعومة بأهداف و مؤشرات النجاعة[21]، و بمجرد توصل هؤلاء بالمنشور المذكور، يعملون على وضع برامج مكونة من مشاريع أو عمليات منسجمة مع السياسة العمومية[22].
و تهم البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات كل من ميزانيات القطاعات الوزارية و المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية الخاضعة لوصايتها و المستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات من الدولة، حيث تدرج توقعات النفقات المنبثقة من البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات في مشاريع نجاعة الأداء، وذلك لضمان انسجامها مع أهداف نجاعة الأداء والحد من تعدد الوثائق الميزانياتية.[23]
و تحين، كل سنة، البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات التي أقرها القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد، وهكذا فان معطيات السنة الأولى من هذه البرمجة تطابق معطيات مشروع قانون المالية بينما تكون معطيات السنتان الثانية و الثالثة ذات طابع إخباري مع توخي الواقعية في اعتمادها. ويروم التحيين السنوي للبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات تبيان الفوارق المحتملة بالمقارنة مع التوقعات الأصلية. [24]
الفقرة الثانية: مرحلة التشاور و التأطير
طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية، يعرض الوزير المكلف بالمالية على اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان، قبل 31 يوليوز ، الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية، و تقدم تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية، و البرمجة الميزانياتية الإجمالية لثلاث سنوات.
و خلال هذه المرحلة يقوم رئيس الحكومة ببعث رسالة توجيهية لمختلف الوزارات و تتضمن هذه الرسالة مجموعة من النقط التي يتوجب على مختلف القطاعات الحكومية احترامها عند تحضير و إعداد ميزانياتها، كما يدعو الآمرين بالصرف بواسطة منشور لإعداد مقترحاتهم المتعلقة بالمداخيل و النفقات عن السنة المالية الموالية، كما يتعين على وزير المالية أن يبعث برسائل تأطيرية.
الفقرة الثالثة: مرحلة الوضع و التحكيم
و تتم هذه المرحلة عبر أربعة مستويات: التحضير و التجميع (أولا)، الندوات الموازنية (ثانيا)، التحكيم (ثالثا)، و الصياغة النهائية (رابعا).
أولا: التحضير و التجميع:
حيث تعمل مختلف الوزارات على الشروع في تحديد مشاريع ميزانياتها القطاعية و إيداعها لدى وزارة المالية التي تعمل على وضع الصيغة النهائية لمشروع قانون المالية.
ثانيا: الندوات الموازنية
و هي عبارة عن دورات لمناقشة مشروع ميزانية كل وزارة، و تنعقد بحضور مدير مديرية الميزانية بوزارة المالية و المسؤول عن القسم الذي تكلف بدراسة الميزانية و كذا ممثل الوزارة المعنية و ممثل عن الجهة الحكومية المكلفة بالتخطيط في حالة مناقشة نفقات التجهيز[25]، و يتم خلالها دراسة الاقتراحات من طرف مديرية الميزانية قصد التأكد من مطابقتها للتوجيهات الحكومية ولرسالة التأطير، مع عقد اجتماعات مع الوزارات للتوصل إلى قرارات توافقية فيما يخص الأغلفة المالية الممكن رصدها[26]،و تختتم الندوات أشغالها إما بالموافقة على مشروع الميزانية أو رفضه.
ثالثا: التحكيم
في حالة وجود خلاف حول مشروع الميزانية، و بعد إعداد تقرير بهذا الصدد من طرف مديرية الميزانية يرفع إلى وزير المالية، حيث يعمد هذا الأخير إلى محاولة التوصل إلى حل مع الوزير المعني.
و في حالة استمرار الخلاف يتم اللجوء إلى تحكيم رئيس الحكومة و إذا لم يستطع هذا الأخير حسم الأمر يرفع إلى المجس الوزاري الذي يتخذ القرار المناسب.
رابعا: الصياغة النهائية
حيث تتم صياغة نهائية لمشروع قانون المالية وإحالته على المجلس الوزاري قبل 20 أكتوبر من كل سنة، و عند البث فيه يرسل للمطبعة الرسمية ثم لرئيس الحكومة قصد إيداعه بالبرلمان.
الفرع الثاني: طرق تقدير النفقات و الموارد
تعتمد عملية إعداد القانون المالي على تقدير مجموع النفقات و الإيرادات خلال السنة مقبلة، ومن الطبيعي أن يواجه معدي الميزانية صعوبات في يتعلق بتقدير النفقات والإيرادات الواردة بالميزانية، ولهذا يتم الاعتماد على مجموعة من الأساليب، سواء فيما يتعلق بتقدير النفقات (الفقرة الأولى)، أو فيما يتعلق بتقدير الموارد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: طرق تقدير النفقات
يتعلق الأمر بطريقة تقليدية (أول) و مجموعة من الطرق الحديثة (ثانيا).
أولا: الطريقة التقليدية
يتم وفقاً لهذه الطريقة تقدير اعتمادات السنة التالية على ضوء متوسط نفقات السنوات الثلاثة السابقة مع تعديل هذا المتوسط زيادة أو نقصاً استنادا للتغيرات المتوقع أن تسود في السنة المالية التالية، و تعتبر هذه الطريقة الأكثر شيوعاً في الممارسة العملية.
و يقصد بالاعتمادات المحددة تلك التي تمثل الأرقام الواردة بها الحد الأقصى لما تستطيع الحكومة إنفاقه دون الرجوع للسلطة التشريعية وتعد هذه الطريقة الأساس في اعتماد النفقات وتطبق بالنسبة للمرافق القائمة بالفعل والتي يكون لها خبرة في تقدير نفقاتها المستقبلية، مما يعني عدم تجاوزها للاعتمادات المخصصة لتغطية هذه النفقات. ومثالها أجور ومرتبات الموظفين وفوائد وأقساط الدين العمومي، أما الاعتمادات التقديرية فيقصد بها النفقات التي يتم تحديدها على وجه التقريب وهي تطبق عادة على المرافق الجديدة التي لم يعرف نفقاتها على وجه التحديد، و بالرغم من انتشار استخدام هذه الطريقة إلا أن لها الكثير من الانتقادات وهي:
1- احتمال انتقال أخطاء التقدير من سنة إلى أخرى.
2- عدم الاحتكام إلى معايير موضوعية حيث تتم بطريقة حكمية.
3- عدم توفر المعلومات التي تمكن من المفاضلة بين البرامج البديلة أو بين أساليب العمل البديلة لكل برنامج.
4- الإسراف وسوء استخدام الموارد وذلك بإنفاق كافة الموارد المتبقية قرب نهاية كل عام مالي بطريقة غير ملائمة وغير ضرورية.
ثانيا: الطرق الحديثة:
تتمثل الطرق الحديثة في تقدير النفقات العامة أثناء عملية إعداد القوانين المالية في: نظام تخطيط برمجة الميزانية، طريقة التسيير بالأهداف، ميزانية قاعدة الصفر، و عقلنة اختيارات الميزانية.
1- نظام تخطيط برمجة الميزانية
ظهر نظام تخطيط وبرمجة الميزانية : Planning and Programming Budgeting System (P.P.B.S) في الولايات المتحدة الأمريكية على يد روبير ماكنمرا الذي قدم إلى الكونجرس ميزانية وزارة الدفاع لعام 1963 وفق هذا النظام الجديد، وذلك قبل أن يقوم الرئيس جونسون بتعميم تطبيقه على مختلف الإدارات الفيدرالية ابتداءا من عام 1965.
يتم وفقاً لهذه الطريقة بناء الميزانية على أساس البرامج والأنشطة التي تنجزها كل وحدة حكومية لتحقيق الخطة الوطنية طويلة الأجل والأهداف الوطنية المطلوب إنجازها من قبل هذه الوحدات.
2- طريقة التسيير بالأهداف
ظهرت تطبيقات طريقة التسيير بالأهداف Mangement By Objectives (M.B.O) لدى شركة جنرال موتورز، قبل أن تعتمدها الحكومة الأمريكية كبديل للنظام السابق بيانه، وتقوم هذه الطريقة على أسس رصد الأهداف، وتحديد الأولويات، ووضع جدول زمني للتنفيذ في إطار الميزانية السنوية للدولة، إن هذه الطريقة أقل تعقيدا وأكثر واقعية ووضوحا من الأولى، كما أنها تسمح بمطابقة الأهداف المبرمجة و الاعتمادات المرصودة لإنجازها، وتفادي التبذير وهدر المال العام.
3- ميزانية قاعدة الصفر
اعتمدت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جيمي كارتر طريقة جديدة لوضع تقديرات الميزانية تسمى "ميزانية قاعدة الصفر Zero Base Budgeting (Z.B.B) وتستوجب هذه الطريقة مراجعة مستمرة ومنتظمة للأهداف والوسائل، وإعادة توزيع دائم للموارد المتاحة، ليس بناء على مرصدات ومخصصات الميزانية السابقة، بل في ضوء أهمية واستعجالية وأولوية النشاطات والبرامج المقترحة من طرف المصالح الحكومية في كل سنة على حدة.
فالاعتمادات الواردة في ميزانية سنة سابقة لا تعتبر مكاسب نهائية يحتفظ بها من طرف الإدارات التي حصلت عليها، ولا تنتقل من سنة إلى أخرى بطريقة تلقائية. وإنما يتوقف مدى اعتمادها مجددا في الميزانية على مدى وجاهة التبريرات المفصلة التي يتقدم بها كل مسؤول حكومي لبيان جدوى وأولوية الأنشطة والبرامج التي يطلب تمويلها.
لقد كان الدافع الأساسي وراء إقرار هذه الطريقة هو محاربة إهدار الموارد المالية وضمان حسن استخدامها وتوجيهها ضمن مسار إنفاقي يحقق أهداف التنمية الشاملة، ينضاف إلى ذلك أن هذه الطريقة تطرح أمام مراكز اتخاذ القرار فرصة أفضل للإختيار بين عدد أكبر من البدائل، ولا تنطلق من مبدأ أن الأنشطة القائمة يجب أن تستمر، بل هي قابلة للإلغاء، والتعديل باستمرار، مع إمكانية خلق أنشطة جديدة أو توسيع نطاق أنشطة قائمة.
لقد كان الدافع الأساسي وراء إقرار هذه الطريقة هو محاربة إهدار الموارد المالية وضمان حسن استخدامها وتوجيهها ضمن مسار إنفاقي يحقق أهداف التنمية الشاملة، ينضاف إلى ذلك أن هذه الطريقة تطرح أمام مراكز اتخاذ القرار فرصة أفضل للإختيار بين عدد أكبر من البدائل، ولا تنطلق من مبدأ أن الأنشطة القائمة يجب أن تستمر، بل هي قابلة للإلغاء، والتعديل باستمرار، مع إمكانية خلق أنشطة جديدة أو توسيع نطاق أنشطة قائمة.
4- عقلنة اختيارات الميزانية
يعتبر نظام "عقلنة اختيارات الميزانية" Rationalisation des choix Budgétaires (R.C.B) النسخة الفرنسية لنظام تخطيط وبرمجة الميزانية الأمريكي "PPBS" إنه يوظف أدوات التحليل العلمي والمقاربة الرياضية والكمية لوضع معايير موضوعية تتأسس عليها اختيارات الميزانية.
ويستوجب هذا النظام اتباع المراحل التالية في تقدير النفقات العمومية:
- تعريف الأهداف
- تحديد الوسائل
- المقابلة بين الأهداف والوسائل
- وضع برامج / بدائل متنوعة وإخضاعها للدراسة وفق تقنيات حسابية متعددة : تحليلات على أساس "كلفة / فعالية"، "كلفة / امتيازات" ...وانتقاء أجودها
- الحسم في الاختيارات (اتخاذ القرارات) ووضع برنامج عمل متعدد السنوات لكل قطاع حكومي أو مؤسسة حكومية وتوزيعه إلى أشطر وبرمجتها في الميزانيات السنوية
- التدبير
- مراجعة الأهداف والبرامج في ضوء ملاحظة النتائج المحققة
الفقرة الثانية: طرق تقدير الموارد
هناك العديد من الطرق تعتمد حسب نوعية الموارد، كطريقة التقدير المباشر (أولا)، طريقة السنة قبل الأخيرة (ثانيا)، طريقة الزيادة السنوية (ثالثا)، و طريقة التقدير الوسطى (رابعا).
أولا: طريقة التقدير المباشر
ترمي هذه الطريقة بصفة أساسية إلى التنبؤ باتجاهات كل مصدر من مصادر الإيرادات العامة على حدة وتقدير حصيلته على هذه الدراسة المباشرة.
و في هذه الطريقة تترك الحرية لمحضري الميزانية في تقدير الإيرادات المنتظر تحصيلها على أساس إجراء تحليل مباشر لواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال العام المقبل.
ثانيا: طريقة السنة قبل الأخيرة
بمقتضى هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات العامة للموازنة الجديدة على أساس إيرادات السنة قبل الأخيرة، فمثلا إذا أردنا تقدير إيرادات ميزانية السنة (2014) ستعتمد على إيرادات السنة الأخيرة التي عرفت نتائجه (2012) ، دون إجراء أي تغيير إلا في الحالات الاستثنائية (فرض ضريبة جديدة مثلا).
ثالثا: طريقة الزيادة السنوية
تقضي هذه الطريقة بأن يدون في مشروع الميزانية الجديدة أرقام الإيرادات وفق آخر سنة مالية منقضية بعد زيادتها بمعدل محدد إذا كان من المتوقع ازدياد النشاط الاقتصادي أو بعد تخفيضها بمعدل محدّد إذا كان هبوط النشاط الاقتصادي هو الأمر الأكثر توقعا.
رابعا: طريقة التقدير الوسطى
حسب هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات للميزانية الجديدة على أساس متوسط الإيرادات المتحققة فعلا خلال فترة سابقة (ثلاث سنوات عادة).
الفرع الثالث: المصادقة على قانون المالية
سنتناول في هذا الفرع مستجدات الترخيص البرلماني على ضوء النصوص القانونية التي تجسد عملية إصلاح التدبير المالي.
فتماشيا مع الدستور، كرس القانون التنظيمي للمالية بنود جديدة تتوخى تقوية دور البرلمان في المناقشة ( الفقرة الأولى) كما تم تعديل الجدولة الزمنية لمسطرة الترخيص البرلماني ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: إغناء و تنويع المعطيات المالية المقدمة للبرلمان.
نص الفصل 75 من الدستور على أنه يصدر قانون المالية من قبل البرلمان طبق الشروط المحددة في قانون تنظيمي، و يحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات و الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية لتعزيز المناقشة البرلمانية.
وبالرجوع إلى القانون التنظيمي للمالية رقم 13-130 باعتباره امتداد للمقتضيات الدستورية، نجده يحدد في المادة 48 منه لائحة الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية و التي يبلغ عددها 13 معلومة مالية، كآلية أساسية لتعزيز السلطة المالية للبرلمان و تعميق شفافية المالية العمومية. و من بين هذه الوثائق: التقرير الاقتصادي و المالي، تقرير حول المؤسسات و المقاولات العمومية، تقرير حول المقاصة … و هي:
1. مذكرة تقديم لمشروع قانون المالية و التي تتضمن معطيات حول استثمارات الميزانية العامة و حول الآثار المالية و الاقتصادية للمقتضيات الضريبية و الجمركية المقترحة؛
2. التقرير الاقتصادي و المالي؛
3. تقرير حول المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية؛
4. تقرير حول مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة؛
5. تقرير حول الحسابات الخصوصية للخزينة؛
6. تقرير حول النفقات الجبائية؛
7. تقرير حول الدين العمومي؛
8. تقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع؛
9. تقرير حول الموارد البشرية؛
10. تقرير حول المقاصة؛
11. مذكرة حول النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة؛
12. تقرير حول العقار العمومي المعبأ للاستثمار؛
13. مذكرة حول التوزيع الجهوي للاستثمار ؛
كما يمكن أن يرفق مشروع قانون المالية للسنة بتقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العمومي... "
كما تقدم للجان البرلمانية المكلفة بدراسة الميزانيات القطاعية، وثائق أخرى منها، مشاريع نجاعة الأداء و البرمجة الثلاثية السنوات لهذه القطاعات الوزارية.
فالمعلومة المالية المتمثلة في الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية، تحمل في جوهرها عدة دلالات و غايات، تتجلى في:
· تبسيط مشروع قانون المالية لتعزيز المناقشة البرلمانية.
· الحد من احتكار المعلومة المالية من قبل الحكومة.
· دعم دور البرلمان في المناقشة و التصويت و الرقابة.
· تطوير الأداء التشريعي و الرفع من العمل البرلماني.
كما أنه يمكن اعتبار التقارير وسيلة مساعدة على قياس مدى شفافية خطاب الحكومة، و كذا صدقية الحسابات و الأرقام و الوضع المالي و الاقتصادي للدولة.
الفقرة الثانية: تعديل الجدولة الزمنية لمسطرة الترخيص.
مباشرة بعد إيداع مشروع قانون المالية بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في 20 أكتوبر على أبعد تقدير، يحال في الحين على اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس النواب قصد دراسته.
وفي هذا الإطار نشير إلى مبدأ جديد يحكم عملية الإعداد و الإيداع و يتعلق الأمر بمبدأ الصدقية، حيث نصت المادة 10 من القانون التنظيمي للمالية على أنه: " تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع موارد و تكاليف الدولة." و بالتالي فالحكومة ملزمة بتقديم أرقام و معطيات دقيقة و حقيقية و ليست مزيفة بغية كسب صوت البرلمان.
و حسب المادة 49 من القانون التنظيمي للمالية، يبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية للسنة داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ إيداعه.
تعرض الحكومة فور التصويت على المشروع أو عند انصرام الأجل المحدد لمجلس النواب، على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول مرة، مدخلة عليه التعديلات إن اقتضى الحال المصوت عليها في مجلس النواب و المقبولة من طرف الحكومة.
يبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل 22 يوما الموالية لعرضه عليه.
يقوم مجلس النواب في إطار قراءته الثانية بدراسة التعديلات المصوت عليها من قبل مجلس المستشارين، و يعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية في أجل لا يتعدى 6 أيام.
الملاحظ من خلال نص المادة 49، أن المدة الإجمالية المخصصة للتداول و التصويت على مشروع القانون المالي هي 58 يوما عوض 70 يوما.
كما يتضح اتجاه المشرع نحو حذف مسطرة إعلان الحكومة حالة الاستعجال و تشكيل لجنة ثنائية مختلطة، و هذا ما يؤكد التوجه نحو تقوية صلاحيات مجلس النواب على حساب مجلس المستشارين في مجال التشريع.
و أخيرا تجدر الإشارة إلى أن أهم مستجد إيجابي في مسطرة المناقشة، ما نصت علية المادة 56 من القانون التنظيمي للمالية بناءا على الفصل 75 من الدستور، في ربط حق رفض الحكومة مقترحات أعضاء البرلمان الرامية إلى تخفيض الموارد أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة فيه، بضرورة تبرير أسباب الرفض و التعليل.
المبحث الثاني: مبادئ و مرتكزات عملية إعداد القانون المالي[27]
بعد تعرفنا في المبحث الأول على الأجهزة المتدخلة في إعداد قوانين المالية و المسطرة المعتمدة في عملية الإعداد، سنتطرق في هذا المبحث الثاني إلى المبادئ التي أصبحت تؤطر القوانين المالية التي يتم إعدادها وفق المقاربة التدبيرية المرتكزة على النتائج مركزين على المبادئ الحديثة في تدبير المالية العامة (المطلب الأول)، ثم سنتطرق في (المطلب الثاني) إلى الأسس التي ترتكز عليها عملية إعداد القوانين المالية.
المطلب الأول: المبادئ الحديثة لقانون المالية
لقد تطلبت مسألة اعتماد مقاربة تدبيرية ترتكز على النتائج في مجال إعداد القانون المالي، التأسيس لمجموعة من القواعد المالية الجديدة من أجل تعزيز التوازن المالي و تحسين شفافية الدين العمومي و استعمالاته و التدبير الأمثل للاعتمادات المرخص بها، و هذه المبادئ هي مبدأ الشفافية و الصدقية.
الفرع الأول: مبدأ الشفافية
أصبحت قاعدة الشفافية من القواعد الجوهرية الهادفة إلى حوكمة تدبير المالية العامة[28]، و تعتبر الشفافية المالية ضمن مدونات حسن السلوك الخاصة بصندوق النقد الدولي مرادفا لاعتماد نصوص قانونية ترسخ منطق التواصل المالي بين الفاعلين العموميين والمجتمع، بالإضافة إلى توطيد مفهوم الحق في الوصول إلى المعلومة المالية عبر الميزانية المفتوحة[29]، و في هذا السياق عمل المشرع المغربي من خلال الدستور و القانون التنظيمي 130.13 و كذا المرسوم المتعلق بإعداد و تنفيذ قوانين المالية رقم 2.15.426 على تحديد اختصاصات السلطات الثلاث فيما يتعلق بالمجال المالي مع توضيح العلاقات فيما بينها و دسترة الحق في الوصول إلى المعلومة.
الفرع الثاني: مبدأ الصدقية
مبدأ الصدقية من القواعد الحديثة في تدبير المالية العمومية، و ينص على أن الأرقام الواردة في القانون المالي، والمتعلقة بالتكاليف والموارد، يجب أن تكون على درجة عالية من الصدقية وقريبة أكثر إلى الحقيقة، ولا يمكنها أن تكون كذلك، بدون أن تنبني على معطيات حقيقية، وعلى توقعات تراعي الظرفية الاقتصادية ومستوى التوازنات المالية للبلاد.
كما أن هذا المبدأ يحث على صدقية الحسابات المقيدة في سجلات الموارد والنفقات، والذي يتعين أن تستجيب لمتطلبات الاستحقاق. وقد نص القانون التنظيمي للمالية رقم 13-130 في مادته العاشرة على أن: "تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويتم تقييم صدقية الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها" . كما أن الفقرة الرابعة من المادة 31 من القانون المشار إليه أعلاه، أكدت على أنه : " يجب أن تكون حسابات الدولة شرعية وصادقة وتعكس صورة حقيقية لثروتها ولوضعيتها المالية" .
ورغم أن هذا المبدأ لم يذكر إلا في المادتين المذكورتين من مجموع مواد هذا القانون التي بلغت 71 مادة، إلا أنه في الواقع يؤطر كل مضامينه، لأن الصدق يفترض فيه أن يؤطر المالية العمومية، فلا شرعية ولا استمرار للمال العمومي بدون صدق، والذي يجد سنده في تبني توقعات للموارد والنفقات تنبني على معايير تتطابق والمؤهلات الاقتصادية، والمقدرة التكليفية لدافعي الضرائب ، الذي يعد من مقومات الشفافية وحكامة المال العام. وهذا المبدأ صعد إلى مرتبة قاعدة قانونية بفضل القضاء الدستوري الفرنسي ، الذي يرجع له الفضل في التنصيص عليه دستوريا، وكذلك الأمر بالنسبة للقانون التنظيمي الفرنسي، حيث ينص في مادته 27 على: " أن حسابات الدولة يجب أن تكون قانونية وصادقة وأن تعطي صورة حقيقية للملك العام ووضعيته المالية."
كما أن المادة 32 من نفس القانون المشار إليه أعلاه، أكدت على أن: " تقدم قوانين المالية بصورة صادقة مجموع موارد ونفقات الدولة بناء على المعطيات المتوفرة وتوقعات تراعي الظرفية الاقتصادية."[30]
المطلب الثاني: مرتكزات إعداد قانون المالية
ترتكز عملية إعداد القوانين المالية على البرمجة متعددة السنوات (الفرع الأول)، هيكلة الميزانية حول البرامج (الفرع الثاني)، شمولية الاعتمادات (الفرع الثالث)، و إضفاء الطابع الجهوي على الميزانية (الفرع الرابع).
الفرع الأول: البرمجة متعددة السنوات
ينص القانون التنظيمي لقانون المالية على إعداد قانون المالية للسنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات تحين كل سنة، وهكذا فان معطيات السنة الأولى من هذه البرمجة تطابق معطيات مشروع قانون المالية بينما تكون معطيات السنتان الثانية و الثالثة ذات طابع إخباري مع توخي الواقعية في اعتمادها.
ويروم التحيين السنوي للبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات تبيان الفوارق المحتملة بالمقارنة مع التوقعات الأصلية، وتهم البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات كل من ميزانيات القطاعات الوزارية و المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية الخاضعة لوصايتها و المستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات من الدولة، تدرج توقعات النفقات المنبثقة من البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات في مشاريع نجاعة الأداء، وذلك لضمان انسجامها مع أهداف نجاعة الأداء والحد من تعدد الوثائق الميزانياتية، و التي تسمح بتدبير ميزانياتي وفق رؤية متعددة السنوات تهدف إلى تعزيز الانضباط الميزانياتي العام، بغية تحسين ظروف إعداد قانون المالية، و توضيح الرؤية الاستراتيجية للسياسات القطاعية.
وتهدف هذه البرمجة الميزانياتية إلى:
· دعم استدامة السياسات العمومية وضمان توافق أثرها الميزانياتي المستقبلي مع الإمكانيات المالية للدولة والإطار الماكرو اقتصادي؛
· تدعيم فعالية تخصيص الموارد الميزانياتية مع تعزيز الترابط بين الاستراتيجيات القطاعية والميزانية السنوية؛
· تحسين ظروف إعداد قانون المالية عبر تأطير إعداده على مدى ثلاث سنوات أخذا بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على التوازنات الاساسية؛
· تقديم رؤية أفضل للمدبرين لتدبير برامجهم من خلال تمكينهم من آليات تتبع نجاعة النفقات العمومية.
الفرع الثاني: هيكلة الميزانية حول البرامج
تطلب تأسيس مبدأ إعداد قانون المالية وفق منطق النتائج، مراجعة تبويب الميزانية و إصلاح تصنيفاتها بغية الانتقال من منطق تقديم الاعتمادات حسب التصنيف الإداري، إلى منطق جديد ترتكز فيه الميزانية على البرامج كإطار للترخيص بتحصيل الموارد و تنفيذ النفقات العمومية و كذا بغية تسهيل قراءة ميزانية الدولة[31].
و هكذا تمثلت الهيكلة الجديدة للميزانية في تبويب الموارد (الفقرة الأولى) و تبويب النفقات (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: تبويب الموارد
فحسب المادة 37 من القانون التنظيمي لقانون المالية "تقدم موارد الميزانية العامة في فصول منقسمة، إن اقتضى الحال، إلى مصالح وطبيعة الموارد. وتقدم موارد كل مرفق من مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة مجمعة بحسب القطاعات الوزارية أو المؤسسات التابعة لها هذه المرافق.
وتقدم موارد الحسابات الخصوصية للخزينة بحسب كل حساب خصوصي داخل كل صنف من هذه الحسابات."[32]
الفقرة الثانية: تبويب النفقات
ينص القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد على تعديل التبويب الميزانياتي قصد الانتقال من المقاربة المعيارية للنفقات الى هيكلة ميزانياتية قائمة على البرامج ومشاريع مع التركيز على البعد الجهوي.
بخصوص البرمجة الميزانياتية، يتمحور التبويب الجديد المتعلق بالنفقات، بحسب القانون التنظيمي لقانون المالية، حول العناصر التالية:
1. الباب
2. الفصل
3. البرنامج
4. الجهة
5. المشروع أو العملية[33]
فهذا التقديم الجديد للميزانية يمكن من تجميع الموارد المالية حول البرامج التي يتم تبيان توزيعها حول الجهات و توضيح أهدافها و قياسها بواسطة مؤشرات قياس النتائج، و مواكبة مسلسل الجهوية و تعزيز اللاتمركز الإداري بالموازاة مع وضع إطار مناسب للتعاقد بين المصالح المركزية للوزارات مع مصالحها الخارجية[34].
كما تجدر الإشارة أن هذه الهيكلة الجديدة تهم مختلف مكونات القانون المالي (الميزانية العامة، مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والحسابات الخصوصية للخزينة)[35]
الفرع الثالث: شمولية الاعتمادات
تعني شمولية الاعتمادات تكييف ميزانية الدولة مع هدف اللاتركيز وتتمثل في منح الآمرين بالصرف و نوابهم التصرف في الاعتمادات الموضوعة رهن إشارتهم مع تحميلهم بالمقابل مسؤوليات مباشرة في تحقيق الأهداف المحددة لهم و إلزامهم بتقديم النتائج المسجلة.[36]
و تعتبر هذه الآلية أداة هامة من شأنها إعطاء ديناميكية لتحديث تدبير المالية العمومية و تكريس اللامركزية المالية من حيث كيفية وضع البرامج و توفير الاعتمادات الكفيلة بتحقيقها[37].
و يتطلب ذلك ضرورة توفر شرطين أساسيين للاستفادة من هذه المرونة:
1- تحسين تقديم الميزانية بإعادة هيكلة الكراسة الموازنية بشكـل يـجعـل مـن الـفقـرة الـسنـد الأساسـي لإنجـاز بـرنامـج أو مـشـروع أو عملية محددة.
2- تحديد مؤشرات مرقمة بالنسبة للأهداف تسمح بالربط بين : lالإعتمادات المخولة للعمليات أو البرامج أو المشاريع المسطرة، والنتائج المتوخاة من استعمال تلك الإعتمادات.
الفرع الرابع: إضفاء الطابع الجهوي على الميزانية
يرمي هذا المرتكز إلى تمكين الجهة من التوفر على منظور واضح للأهداف المزمع تحقيقها، و للموارد المالية و البشرية اللازمة لذلك، و من جهة أخرى تحديد حقوق و التزامات مختلف الشركاء فيما يتعلق بتحقيق تلك الأهداف.
ففي إطار التوجه نحو اللامركزية و الجهوية من الطبيعي أن يعهد إلى المسؤولين المحليين بالسهر على تنفيذ مختلف المشاريع العمومية بالمناطق التي يتواجدون بها، و مدهم بالوسائل المالية عن طريق تفويض الاعتمادات المالية و تبسيط مساطر حركيتها، حتى تتحقق المرونة المطلوبة في برمجة عمليات الميزانية العامة للدولة، و متابعة تنفيذها بفعالية من طرف أجهزة المراقبة الإدارية المختصة.
و من هذا المنطلق أصبح إعداد القوانين المالية يستند إلى المتطلبات الجهوية و هو ما يتجلى في التبويب الجديد للميزانية بحيث تخصص برامج لجهة معينة بحيث ستصبح الجهة التي سيطبق بها البرنامج عنصرا أساسيا في تقسيم العمليات المالية.
خاتمة
يتبين من خلال هذه الدراسة كيف أن إعداد قانون المالية وفق المقاربة التدبيرية المرتكزة على النتائج يمكن جميع الوزارات من برمجة متعددة السنوات على مدى ثلاث سنوات يجري تحسينها سنويا، وتأخذ في الاعتبار التكاليف المرتبطة بالموارد البشرية وبالتسيير والاستثمار مع المحافظة على الطابع السنوي لقانون المالية الذي يشكل فيه إطار النفقات على المدى المتوسط مرجعا للإعداد، مما يمكن من تحسين مناقشة الميزانية ووضع الخيارات الموازناتية والضريبية، في إطار برنامج متعدد السنوات يتيح توقعا أفضل ومرونة أكبر في توزيع الموارد، كما يلزم الحكومة بتحسين جودة الخدمات العمومية والتحكم في التكاليف.
ويربط قانون المالية وفق هذه المقاربة الجديدة، النفقة العمومية بتحقيق النتائج، من خلال هيكلة تدبير الميزانية، من أجل توجيهه نحو بلوغ نتائج قابلة للقياس، تستجيب لأهداف محددة سلفا، وتبرر الاعتمادات المالية المرصودة، كما تشدد على إعادة هيكلة تبويبات الميزانية، من أجل الانتقال من مقاربة معيارية للنفقات إلى ميزانية مقدمة على أساس البرامج، مع ترسيخ البعد الجهوي.
كما يربط كل برنامج بأهداف محددة وبمؤشرات مرقمة تمكن من قياس النتائج المحصل عليها، مع وضعها رهن التقييم، ويمنح مزيدا من المسؤولية للمدبرين مقرونة بالمساءلة والمحاسبة، كما يلح على إنجاز افتحاصات سنوية للأداء المشترك بين المفتشية العامة للمالية والمفتشيات العامة للوزارات.
و يعزز المبادئ الأساسية المنظمة للمالية العمومية، ويمكن من اعتماد قواعد مالية جديدة من أجل تعزيز التوازن المالي وشفافية تدبير الميزانية، فضلا عن تبسيط قراءة الميزانية، إذ يقدم قانون المالية" بشكل صادق" جميع موارد وتكاليف الدولة مع الأخذ بالاعتبار المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها.
[1] التيجي بشرى، مفتشة بوزارة الاقتصاد و المالية، المقاربة الجديدة لإصلاح المالية العمومية، موقع: http://www.marocdroit.com/
[2] موقع برلمان كوم، المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية، 02/05/2014.
[3] موقع برلمان كوم،إعداد و تحضير مشروع قانون المالية، 02/05/2014.
[4] المادة 46 من القانون التنظيمي رقم 130.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.62 بالجريدة الرسمية عدد 6370 بتاريخ 02/06/2015 ـ و كذا المادة الأولى من المرسوم رقم 2.15.426 المتعلق بإعداد و تنفيذ قانون المالية الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6378 بتاريخ 06/07/2015 ـ و كذا المادة الأولى من المرسوم رقم 2.07.995 بشأن اختصاصات و تنظيم وزارة الاقتصاد والمالية الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 06/11/2008
[5] موقع برلمان كوم، إعداد و تحضير مشروع قانون المالية، 02/05/2014.
[6] موقع برلمان كوم، نفس المرجع السابق
[7] موقع برلمان كوم، نفس المرجع السابق
[8] موقع برلمان كوم، نفس المرجع السابق
[9] موقع برلمان كوم، نفس المرجع السابق
[10] موقع برلمان كوم، نفس المرجع السابق
[11] ضياء السمن و إبراهيم صابري، قانون المالية، مطبعة الحمامة، تطوان، الطبعة الأولى 2016، ص 70-71
[12] ضياء السمن و إبراهيم صابري
[13] ضياء السمن و إبراهيم صابري
[14] ضياء السمن و إبراهيم صابري
[15] المادة 47 من القانون التنظيمي رقم 130.13
[16] المادة 47 من القانون التنظيمي 130.13 – أنظر أيضا عصام القرني، باحث في المالية العامة و القانون الضريبي بكلية الحقوق بسلا، السلطة المالية للبرلمان بين الثابت و المتغير على ضوء القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، مجلة دفاتر الحكامة، العدد 02، دجنبر 2015، ص 54 – و كذا ضياء السمن و إبراهيم صابري، نفس المرجع السابق ص 71.
[17] عصام القرني، المرجع السابق، ص 55.
[18] مرسوم ملكي رقم 330.66 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2843 بتاريخ 26/04/1967 ص 810.
[19] ضياء السمن و إبراهيم صابري، نفس المرجع السابق، ص 73.
[20] ضياء السمن و إبراهيم صابري، نفس المرجع، ص 74.
[21] المادة 46 من القانون التنظيمي رقم 130.13.
[22] ضياء السمن و إبراهيم صابري، نفس المرجع السابق، ص 74
[23] موقع القانون التنظيمي لقانون المالية http://lof.finances.gov.ma/
[24] موقع القانون التنظيمي لقانون المالية
[25] ضياء السمن و إبراهيم صادقي، المرجع السابق، ص 77
[26] دليل إصلاح الميزانية، وزارة المالية و الخوصصة،2005، ص 16.
[27] المركز المغربي للتنمية الفكرية، قراءة في شأن مشروع القانون التنظيمي للمالية، 2014.
[28] ضياء السمن و إبراهيم صادقي، المرجع السابق، ص 58.0
[29] عادل الخصاصي، شفافية المالية العامة، جريدة المساء، عدد ، 04/10/2012
[30] عبد النبي أضريف،أستاذ بكلية الحقوق بسلا، صدقية الميزانية على ضوء القانون التنظيمي للمالية الجديد، مجلة دفاتر الحكامة، العدد الثاني
[31] تقرير حول إصلاح القانون التنظيمي للمالية على ضوء دستور 2011 ، وزارة الاقتصاد و المالية، 12/06/2012. ص 7.
[32] موقع القانون التنظيمي لقانون المالية http://lof.finances.gov.ma/
[33] موقع القانون التنظيمي لقانون المالية http://lof.finances.gov.ma/
[34] سلسلة الدراسات و الأبحاث، الإصدار 6، 2013، ص 48.
[35] موقع القانون التنظيمي لقانون المالية http://lof.finances.gov.ma/
[36] موقع برلمان كوم، المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية، 02/05/2014.
[37] سلسلة الدراسات و الأبحاث، مرجع سابق، ص 58. - و يمكن الرجوع في هذا الصدد إلى: عائشة رحيم، التدبير المرتكز على النتائج، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق الرباط، السنة الجامعية 2007-20018، ص 10- و كذا دليل إصلاح الميزانية ، وزارة المالية و الخوصصة، 2005، ص 34 و ما بعدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق