الخميس، 8 أغسطس 2019

التعمير والتنمية البشرية

مقدمة

شكلت التنمية البشرية محور العديد من المبادرات الأممية التي هدفت إلى تحقيق رهان الألفية و المتمثلة في تحسين الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين في مختلف دول العالم و على رأسها الدول النامية التي انخرطت بدورها في مسلسل التنمية البشرية سواء انطلاقا من قناعاتها الذاتية أو من خلال الضغوطات التي مورست عليها من طرف المنتظم الدولي و المؤسسات المالية العالمية بخاصة.
و لتحقيق أهداف التنمية البشرية يتوجب تنفيذ مشاريع متعددة الأبعاد في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الرياضية...الخ و هذه المشاريع تتطلب إمكانيات لتنفيذها و من بين أهم تلك الإمكانيات توافر الأوعية العقارية التي ستقام عليها تلك المشاريع و هنا يأتي دور التعمير في رسم المخططات العمرانية التي تحتضن المبادرات الإسكانية و توطين الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية.
و عندما نتكلم عن التعمير فإننا نقصد وثائق التعمير التي تنظم عملية البناء داخل مجال ترابي معين بالشكل الذي يستجيب لمتطلبات التنمية البشرية، لذلك ارتبطت المشاريع التنموية بوثائق التعمير كمنطلق ضروري تسعى من خلاله الدولة تنظيم المجال الذي سيحتضن تلك المشاريع و من ثمة أصبح هناك تلازم موضوعي بين التعمير و التنمية البشرية.
إن هذا التلازم ارتبط بتجارب الدول الرائدة في مجال إعداد مخططات تعميرية لتنظيم المجال مثل ألمانيا[1] و بريطانيا[2] و الولايات المتحدة الأمركية [3] و الاتحاد السوفييتي[4]، نتيجة الاختلال في توزيع السكان و الأنشطة المرتبطة بهم مما أسفر عن وجود عدة ظواهر سلبية في محيط المدن الصناعية الكبرى و المناطق المهمشة مما دفع بتلك الدول إلى اعتماد مقاربات جديدة تستند على مخططات إلزامية لإعادة توزيع الأنشطة و الاستقرار السكاني سعيا إلى الرقي بالمستوى الاقتصادي و الاجتماعي لفئات عريضة من مجتمعاتها في إطار ما أصبح يصطلح عليه بالتنمية البشرية.
أما في المغرب فقط ارتبط تلازم التنمية البشرية بالتعمير منذ فترة الحماية التي اعتمدت سياساتها التنموية على قانون 1914 المتعلق بتصفيف الأبنية والتصاميم الموضوعة لتهيئة المدن وتوسيع نطاقها و الجبايات المفروضة على الطرق و الذي أفرز سياسات استعمارية حققت تنمية حقيقية في بعض المناطق و تهميشا صارخا لمناطق أخرى فيما سمي بالمغرب النافع و المغرب غير النافع، و هكذا نجد أن المناطق التي حظيت بوثائق تعميرية عرفت تقدما ملحوظا بالمقارنة مع تلك التي لم تحظى بتلك الوثائق الشيء الذي دفع دولة الاستقلال إلى تبني ظهير 25 يونيو 1960 بشأن التكتلات القروية كمحاولة للجواب على الاختلالات الموروثة عن سياسة الحماية التي ركزت على المراكز الحضرية و إنشاء أخرى لتسهيل عملية استغلال الموارد الوطنية، و منذ ذلك الحين ارتبطت السياسات التنموية في المغرب بالنصوص القانونية في مجال التعمير بحيث تعززت الترسانة القانونية بصدور القانون 12.90 المتعلق بالتعمير و القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية و التجمعات السكانية و تقسيم العقارات و صولا إلى القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة و زجر المخالفات في مجال التعمير و البناء و الذي من بين مقتضياته تعديل و تتميم القانون رقم 12.90، كما تميز مجال التعمير بإحداث الوكالات الحضرية و توسيع صلاحيات الجماعات في هذا المجال بهدف تحقيق المخططات التنموية الكبرى التي شملت محاربة السكن غير اللائق، و توفير البيات التحتية الصناعية و التجارية و السياحية ....الخ
هذا و قد انخرط المغرب منذ أواخر القرن العشرين في مبادرة أهداف الألفية التي تمحورت حول[5]:
· محاربة الجوع و الفقر
· تعزيز مشاركة المرأة
· زيادة الوصول إلى الخدمات الأساسية في التعليم و الصحة و المياه النقية و الصرف الصحي
· تخفيض حالات الوفاة
· الحفاظ على البيئة
· تنمية شراكات عالمية من أجل التنمية
كما دشن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تمحورت أهدافها حول محاربة الفقر والهشاشة وكذا الاقصاء الاجتماعي. وذلك من خلال إنجاز مشاريع دعم البنيات التحتية الأساسية، أنشطة التكوين وتقوية القدرات، والتنشيط الاجتماعي، والثقافي والرياضي إضافة إلى النهوض بالأنشطة المدرة للدخل.
فإذا كان جليا ارتباط التعمير بالتنمية البشرية، فإن السؤال المطروح هو: كيف تتجلى العلاقة بين التعمير و التنمية البشرية؟ و يتفرع عن هذا السؤال الإشكالي أسئلة فرعية من بينها: ما هي الآليات التعميرية التي تنتج التنمية البشرية؟ و ما هي الإكراهات التي تعيق تلك التنمية؟
للإجابة عن هذه الاشكاليات ارتأينا اعتماد المنهج القانوني للوقوف على النصوص التي تنظم مجال التعمير في المغرب، و المنهج التحليلي للوقوف على التحديات و الإكراهات و استشراف الحلول المستقبلية، استنادا إلى خطة البحث التالية:

المبحث الأول: الآليات التعميرية الضرورية للتنمية البشرية

تعتبر وثائق التعمير الآليات الأبرز في تحقيق التنمية البشرية، و وعيا من المشرع المغربي بهذا الدور، فقد اعتمد تلك الوثائق كآلية لتحقيق التنمية المنشودة (المطلب الأول)، و للوصول بهذه الأهداف التنموية إلى مستوى الجودة و الفعالية، ربط العملية التعميرية بالعديد من المتدخلين (المطلب الثاني)

المطلب الأول: وثائق التعمير كآلية لتحقيق التنمية

حرصا من المشرع على تعميم التنمية على كافة التراب الوطني مع مراعاة خصوصية الجماعات ذات الطابع الحضري و القروي فقد اختص كل نوع من هذه الجماعات بوثائق تعميرية تتماشى و خصوصياتها و متطلباتها التنموية، و هو ما سنتطرق إليه في فرعين منفصلين.

الفرع الأول: المجال الحضري

منذ استصدار القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير تمت المصادقة في المغرب على 1500 وثيقة تعميرية تخص مختلف مناطق المملكة تم بموجبها فتح أزيد من 80000 هكتار للتعمير مخصصة للسكن و الأنشطة الاقتصادية والمرافق و الفضاءات العمومية.
و تنوعت تلك الوثائق ما بين مخططات توجيه التهيئة العمرانية (الفقرة الأولى)، و تصاميم التنطيق و التهيئة (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: مخطط توجيه التهيئة العمرانية

لقد أقر المغرب 33 مخططا لتوجيه التهيئة العمرانية منذ صدور المرسوم القاضي بتطبيق القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير سنة 1993 و إلى غاية سنة 2012، كما يتم حاليا إعداد 35 مخططا.
و تهدف هذه المخططات إلى[6]:
· تحديد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية.
· تحديد المناطق العمرانية الجديدة، و تواريخ السماح بالقيام بعمليات عمرانية فيها.
· تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي و تعيين مواقعها.
· تحديد القطاعات التي يجب القيام بإعادة هيكلتها أو تجديدها أو بهما معا.
· تحديد مبادئ الصرف الصحي و الأماكن الرئيسية التي تصب فيها المياه المستعملة و الأماكن التي توضع فيها النفايات المنزلية.
· تحديد مبادئ تنظيم النقل.
· حصر برمجة مختلف مراحل تطبيق المخطط و بيان الأعمال التي يجب أن يحظى إنجازها بالأولوية خصوصا تلك التي يكون لها طابع فني أو قانوني أو تنظيمي.

الفقرة الثانية: تصاميم التنطيق و التهيئة

يهدف تصميم التنطيق إلى تمكين الإدارة والجماعات المحلية من اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة لإعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجيهات مخطط توجيه التهيئة العمرانية.
في حين يهدف تصميم التهيئة إلى تحديد جميع أو بعض العناصر التالية:
· تخصيص مختلف المناطق بحسب الغرض الأساسي الذي يجب أن تستعمل له أو طبيعة النشاطات الغالبة التي يمكن أن تمارس فيها، و ذلك بإحداث منطقة سكنية و منطقة صناعية و منطقة تجارية و منطقة سياحية و منطقة لزراعة الخضروات و منطقة زراعية و منطقة غابوية.
· المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه.
· حدود الطرق (المسالك و الساحات و مواقف السيارات) الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها.
· حدود المساحات الخضراء العامة (الأماكن المشجرة و الحدائق و البساتين) و ميادين الألعاب و المساحات المباحة المختلفة كالمساحات المخصصة للتظاهرات الثقافية و الفلكلورية الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها.
· حدود المساحات المخصصة للنشاطات الرياضية الواجب إحداثها وفق أحكام المادة 61 من القانون رقم 87 المتعلق بالتربية البدنية و الرياضية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.88.172 بتاريخ 13 شوال 1409 الموافق 19 ماي 1989 و حدود المساحات المخصصة للنشاطات الرياضية الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها.
· المواقع المخصصة للتجهيزات العامة كتجهيزات السكك الحديدية و توابعها و التجهيزات الصحية و الثقافية و التعليمية و المباني الإدارية و المساجد و المقابر.
· المواقع المخصصة للتجهيزات الجماعية و المنشآت ذات المصلحة العامة التي يتولى إنجازها القطاع الخاص كالمراكز التجارية و المراكز الترفيهية.
· الأحياء و الآثار و المواقع التاريخية أو الأثرية و المواقع و المناطق الطبيعية كالمناطق الخضراء العامة أو الخاصة الواجب حمايتها أو إبراز قيمتها لأغراض جمالية أو تاريخية أو ثقافية و كذلك القواعد المطبقة عليها إن اقتضى الأمر ذلك.
· ضوابط استعمال الأراضي و الضوابط المطبقة على البناء، خصوصا تحديد العلو الأدنى و الأقصى للمبنى و لكل جزء من أجزائه و طريقة تسييجه و شروط إقامة العمارات و توجيهها و مواقف السيارات المسقفة أو المكشوفة و المسافات الفاصلة بين المباني و نسبة المساحة الممكن إقامة البناء عليها بالقياس إلى مساحة الأرض جميعها و الارتفاعات المعمارية
· الارتفاقات المحدثة لمصلحة النظافة و المرور أو لأغراض جمالية أو أمنية أو للحفاظ على الصحة العامة و كذلك الارتفاقات التي تفرضها قوانين خاصة
· المناطق المفتوحة لإنجاز أعمال عمرانية بها بحسب توقيت معين
· دوائر القطاعات الواجب إعادة هيكلتها أو تجديدها
· المناطق التي تخضع تهيئتها لنظام قانوني خاص

الفرع الثاني: المجال القروي (مخطط تنمية الكتلة العمرانية القروية)

تشمل وثائق التعمير في المناطق القروية مخططات تنمية التكتلات العمرانية القروية، و سنتطرق في هذا الفرع إلى تعريف تلك المخططات (الفقرة الأولى) و بيان أهدافها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف مخطط التكتلات العمرانية

يعتبر تصميم نمو التكتلات العمرانية القروية وثيقة تعميرية تنظيمية تحدد حقوق استعمال الأراضي و كذا الارتفاقات و المقتضيات القانونية المطبقة لإحداث و تنظيم نواة قروية مستقطبة مع توجيه نموها و مراقبة تعمير التكتلات القروية، و يخص المناطق الواقعة خارج الجماعات الحضرية ، المراكز المحددة ،المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية و المراكز المحددة ، المجموعات العمرانية، و المناطق ذات الصبغة الخاصة.

الفقرة الثانية: أهداف مخطط التكتلات العمرانية

يهدف المخطط إلى تحديد:
· المناطق المخصصة لسكنى الفلاحين و تشييد مرافق خاصة بالاستغلال الفلاحي.
· المناطق المخصصة للسكنى من نوع غير فلاحي و للتجارة و الصناعة التقليدية و العصرية.
· المناطق التي يمنع فيها كل بناء.
· تخطيط الطرق الرئيسية للسير.
· الأمكنة المخصصة للساحات العمومية و المساحات العارية و الغراسة.
· الأمكنة المخصصة للبنايات و المصالح العمومية و كذا للمنشآت الخاصة بالحياة الاجتماعية و لا سيما بالسوق و بملحقاته.

المطلب الثاني: المؤسسات الناظمة لمجال التعمير

بعد التطرق في المطلب الأول من هذا المبحث إلى وثائق التعمير الناظمة لهذا المجال سواء على المستوى الحضري أو القروي، و بيان أهداف تلك الوثائق و محتوياتها التي ارتبطت بشكل أو بآخر بأهداف التنمية البشرية كما هي متعارف عليها عالميا و التي التزم المغرب بتحقيقها متجاوزا الإرث الاستعماري و محاولة لتجاوز النظرة الإصلاحية إلى بعد تنموي حقيقي، سنتطرق في المطلب الثاني إلى المؤسسات الناظمة لمجال التعمير و التي تتميز بتعددها، هذا التعدد الذي يشكل سمة طاغية سواء فيما يتعلق بإعداد وثائق التعمير (الفرع الأول) أو فيما يتعلق بتنزيلها على أرض الواقع (الفرع الثاني)

الفرع الأول: المؤسسات المتدخلة في عملية إعداد وثائق التعمير

نظرا لكون وثائق التعمير مرجعا للتدبير العمراني على مستوى كل جماعة، و انطلاقا من كون التعمير عموما هو مدخلا للتنمية البشرية و آلية من آليات تحقيقها، و حيث أن المشروع التنموي لا يقتصر على جماعة دون أخرى بقدر ما يرتبط بكامل التراب الوطني، الشيء الذي يفرض انعكاس البعد الوطني و تصوره على التنمية البشرية في مستوياتها المحلية، و بالتالي إيجاد نوع من الشراكة بين الدولة و الجماعات الترابية في تدبير هذا المجال الذي يصعب انتظار نتائجه في حالة انفراد الدولة أو الجماعة بتدبيره.
و بناء عليه فإننا سنتناول دور الدولة في إعداد وثائق التعمير (الفقرة الأولى) ثم دور الجماعات الترابية (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: دور الدولة في إعداد وثائق التعمير

قبل صدور الظهير الشريف رقم 1.93.51 بتاريخ 10 شتنبر 1993 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالات الحضرية، كانت مهمة إعداد وثائق التعمير تعود للإدارة المركزية مباشر، لكن مع خروج الوكالات الحضرية للوجود أسندت لها هذه المهمة في جميع تفاصيلها بدء من اختيار مكتب الدراسات التقنية المكلف بإعداد مشاريع وثائق التعمير و صولا إلى عرض هذه الأخيرة على أنظار اللجنة المحلية و اللجنة المركزية قصد المصادقة عليها و اعتمادها.
فإذا كانت الدولة حاضرة من خلال مؤسسة الوكالة الحضرية في عملية إعداد وثائق التعمير، فإن هذا الحضور لا يقتصر على هذه المؤسسة فقط بل يمتد ليشمل جل القطاعات الوزارية سواء على المستوى المركزي أو على مستوى المصالح الخارجية التي تمثل اللامركزية المرفقية.
و بالرجوع إلى المرسوم رقم 2.92.832 الصادر في 14 أكتوبر 1993 لتطبيق القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير نجده يحدد في مادتيه الرابعة و الخامسة أعضاء اللجنة المركزية و أعضاء اللجنة المحلية على التوالي، بحيث تضم اللجنة المحلية بالإضافة إلى الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم رئيسا، كلا من أعضاء اللجنة التقنية التابعة للعمالة أو الإقليم و المحدثة بموجب الفصل 5 من الظهير الشريف رقم 1.75.168 بتاريخ 15 فبراير 1977 المعتبر بمثابة قانون يتعلق باختصاصات العامل - و التي تتألف من الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ومن رؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة ومن مديري المؤسسات العمومية- و كذا رؤساء مجالس الجماعات المعنية، و رؤساء الغرف المهنية. في حين تضم اللجنة المركزية التي ترأسها السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير:
ممثل الوزير المكلف بالداخلية؛ • ممثل الوزير المكلف بالأشغال العمومية؛ • ممثل الوزير المكلف بالفلاحة؛ • ممثل الوزير المكلف بالتجارة والصناعة؛ • ممثل الوزير المكلف بالسكنى؛ • ممثل الوزير المكلف بالشؤون الثقافية؛ • ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالإحصاء؛ • ممثل الوزير المكلف بالنقل؛ • ممثل الوزير المكلف بالأوقاف؛ • ممثل وزير الشبيبة والرياضة؛ • ممثل الوزير المكلف بالتربية الوطنية؛ • ممثل الوزير المكلف بالصحة العمومية؛ • ممثل الوزير المكلف بالطاقة والمعادن؛ • ممثل الإدارة المكلفة بالدفاع الوطني؛ التعمير و التجزئات العقارية و المجموعات السكنية وتقسيم العقارات • ممثل الوزير المكلف بالسياحة؛ • ممثل الوزير المكلف بالاتصالات السلكية واللاسلكية؛ • مدير أمالك الدولة أو ممثله؛ • الولاة وعمال الأقاليم و العملات المعنية؛ • رؤساء مجالس الجماعات المعنية ؛ • مدير الوكالة الحضرية في حالة وجودها.
إذن يتجلى من خلال الحضور القوي للدولة في شخص سلطاتها الحكومية و مصالحها الخارجية في صلب عملية إعداد وثائق التعمير مدى أهمية هذه الأخيرة بالنسبة لبرنامج عمل الحكومة فيما يتعلق بالمشروع التنموي الذي يتطلب كافة القطاعات الوزارية حرصا منها على تخطيط عمراني يخصص الأوعية العقارية اللازمة لاحتضان المشاريع الحكومية المرتبطة بشكل أو بآخر بمشاريع التنمية البشرية.

الفقرة الثانية: دور الجماعة في إعداد وثائق التعمير

بالرغم من الأهمية التي يكتسيها دور الجماعات الترابية في تحقيق التنمية المحلية باعتبارها قاطرة لها و مكون رئيسي في منظومة التنمية البشرية، و رغم كونها هي المعنية أساسا بممارسة سلطة الشرطة الإدارية في مجال التعمير و تدخلها المباشر في إعداد مجالها الترابي بما يتوافق و مشروع التنمية البشرية، إلا أن دورها في إعداد الوثائق الناظمة لقطاع التعمير يثير الكثير من الجدل و يزيد من تعميق الإشكالية المتعلقة بإرادة المشرع المغربي حول دور الجماعات الترابية.
فإذا كانت الجماعات الترابية قد عرفت عبر مراحل تاريخية معينة توسيعا في اختصاصاتها و صلاحياتها إلا أن الملاحظ هو تراجع دورها في مجال التعمير و بخاصة في عملية إعداد وثائقه، فبالرجوع إلى ظهير 1952 المتعلق بالتعمير نجده ينص على أن المجالس الجماعية تقوم بدراسة مشروع تصميم التهيئة و الموافقة عليه قبل المصادقة عليه من طرف الوزير الأول، في حين نجد أن القانون رقم 12.90 قد تراجع عن هذا الدور بالنسبة للجماعات الترابية من خلال إلغائه لسلطة الموافقة و تعويضها بالاستشارة أو المساهمة التي توجب على المجالس الجماعية ممارستها داخل أجل شهرين بالنسبة لتصميم التهيئة و 3 أشهر بالنسبة للمخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية.
و لعل إرادة المشرع في هذا الصدد قد ذهبت في منحى متجانسا مع البعد الوطني لإعداد التراب و التنمية عامة و التنمية البشرية بخاصة و هو ما يتطلب تقوية دور الدولة على حساب الجماعات الترابية التي استفادت في ظل القانون القديم من سلطة الاعتراض على وثائق التعمير في مرحلتها النهائية و هو ما يضرب المجهودات التي قامت بها السلطات الحكومية المكلفة بالتعمير و باقي المتدخلين عرض الحائط و يخول للجماعات المساومة على تغيير وثائق التعمير بما لا يخدم البعد التنموي و غنما ينحصر في تلبية رغبات الناخبين التي غالبا ما تتسم بقصور النظر و تغليب المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، كما أن الدور الاستشاري و الاعتراف للجماعات بحق المساهمة يجعلها في صميم عمليات الإعداد عبر اقتراحاتها التي تتعزز بملاحظات العموم من خلال البحث العلني الذي يعقب الانتهاء من مشاريع وثائق التعمير.

الفرع الثاني: المؤسسات المتدخلة في عملية تنفيذ مقتضيات وثائق التعمير

بعد أن تطرقنا إلى موضوع الأجهزة المتدخلة في إعداد وثائق التعمير في الفرع الأول، سنتناول في الفرع الثاني هذا المؤسسات المتدخلة في عملية تنفيذ مقتضيات وثائق التعمير، محاولين من خلال ذلك إبراز البعد التنموي في عملية التنفيذ قبل التطرق في المبحث الثاني إلى الإكراهات التي تعيق التنمية البشرية.
فبالرغم من كون النصوص القانونية الجاري بها العمل في مجال التعمير قد خولت رؤساء الجماعات سلطة الترخيص بعمليات البناء و التجزيء و تقسيم الأراضي وفق ما تقتضيه وثائق التعمير، إلا أن هذه السلطة مقيدة بتدابير إجرائية تجعل من قرارات رؤساء الجماعات مجرد تحصيل حاصل يعكس رأي متدخلين آخرين في إطار الشباك الوحيد أو اللجنة الإقليمية للتعمير المنصوص عليهما بمقتضى المرسوم رقم 2.13.424 الصادر في 24 ماي 2013 بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل و شروط تسليم الرخص و الوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير و التجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات و النصوص الصادرة لتطبيقها و الذي اختص الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50000 نسمة بالشباك الوحيد، و التي يقل عدد سكانها أو يساوي 50000 نسمة.
فإذا كان المشرع لم يميز بين الشباك الوحيد و اللجنة الإقليمية للتعمير من حيث العضوية إلا أنه ميز في هذا المستوى بالنسبة للمشاريع الكبرى (الفقرة الأولى) و المشاريع الصغرى (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: المؤسسات المتدخلة في مجال المشاريع الكبرى

يقصد بالمشاريع الكبرى تلك المحدد في الملحق رقم 2 المرفق بضابط البناء العام و المنصوص عليه في المادة 18 منه و هي كالتالي:
المشاريع المزمع انجازها من طرف الإدارات أو الجماعات أو المؤسسات والمقاولات العمومية أو لحسابها، سواء كانت مشاريع تهدف إلى تمكينها من القيام بنشاطها الأساسي أو مشاريع ذات طابع ثانوي بالمقارنة مع هذا النشاط. وتدخل في هذا الباب، على سبيل الذكر لا الحصر، مشاريع البناء والتهيئة الآتية :
- البنايات الإدارية المعدة لممارسة نشاط مرفق عمومي ؛
- البنايات المعدة لممارسة نشاط مؤسسات تساهم فيها الدولة بكيفية مباشرة أو غير مباشرة أو تمارس عليها نوعا من المراقبة ؛
- التجهيزات التابعة لهذه البنايات؛
- المؤسسات التعليمية العمومية بمختلف مستوياتها و ملحقاتها؛
- تجهيزات الصحة العمومية كالمستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات والمصحات التي سيتم انجازها كليا أو جزئيا من طرف الدولة أو الجماعات أو المؤسسات العمومية ؛
- التجهيزات الرياضية كالمركبات والقاعات والملاعب والمسابح، ......... ؛
- مراكز الراحة والترفيه العمومية ( حدائق ومنتزهات عمومية ومناطق خضراء أو مشجرة و مواقع طبيعية ....... ) ؛
- المراكز ذات الطابع الاجتماعي كدور الشباب والمؤسسات الخيرية والنوادي النسوية والدور المخصصة لاستقبال الفئات المسنة، ........ ؛
- التجهيزات الثقافية كالمسارح والمتاحف والخزانات والمراكز الثقافية والنوادي، ......... ؛
- تجهيزات ذات الطابع الاجتماعي، المزمع انجازها من طرف المؤسسات الأنفة الذكر لفائدة العاملين بها.
2. مشاريع بناء المؤسسات الخاصة ذات الاستعمال العمومي أو التي يستعملها العموم مثل:
- المؤسسات والتجهيزات السياحية : فنادق و"موتيلات" ومخيمات و مراكز الاصطياف، ..... ؛
- التجهيزات الرياضية الخاصة ؛
- المدارس الخصوصية كيفما كانت طبيعتها ؛
- تجهيزات الترفيه : قاعات السينما والنوادي الليلية والمراكز السمعية والبصرية، ............... ؛
3. التجهيزات التجارية، كالمحلات التجارية الكبرى والمراكز التجارية والقيساريات والمزمع انجازها على مساحة إجمالية ( مبنية أو سيتم بناؤها ) للأرضية خارج البناء تتعدى 500م2 أو يفوق علوها 5،50 م ؛
4. جميع مشاريع بناء المؤسسات ذات الطابع الصناعي بمختلف أصنافها باستثناء مؤسسات الصنف الثالث، المزمع انجازها على مساحات إجمالية ( مبنية أو سيتم بناؤها ) للأرضية خارج البناء تقل أو تعادل 500م2 أو يقل أو يعادل علوها 5،50م ؛
5. جميع المشاريع المتعلقة ببناء العمارات التي يتعدى علوها 15،50 م ( طابق سفلي+3 طوابق عليا ) بما فيها المنشآت العلوية سواء تعلق الأمر بالعمارات المعدة للسكن أو لنشاط آخر وبالعمارات التي يعادل علوها 15،50م ( طابق سفلي + 3 طوابق عليا ) الواقعة خارج تجزئة سلمت أشغالها ؛
6. و جميع مشاريع البناء والمجموعات السكنية التي كانت أو لم تكن موضوع تجزئة والتي يفوق البرنامج الإجمالي لتحقيقها آنيا أو في أجل محدود 20 مسكنا.
و في هذه الحالة تضم الشبابيك الوحيدة و اللجان الإقليمية للتعمير في عضويتها الدائمة كل من:
- العمالة أو الإقليم
- الجماعة
- الوكالة الحضرية
- المديرية العامة للوقاية المدنية
- المصالح المختصة في مجال الربط بشبكات الاتصالات السلكية و اللاسلكية
- الأجهزة المكلفة بتسيير مختلف الشبكات

الفقرة الثانية: المؤسسات المتدخلة في مجال المشاريع الصغرى و تقسيم العقارات

و يقصد بالمشاريع الصغرى مشاريع البناء المخصص للاستعمال السكني أو المهني، و المنصوص عليها في الملحق رقم 3 المرفق بضابط البناء العام مثل:
السكن الفردي مثل فيلا أو جناح أو دار، وبصفة عامة كل عمارة يقل علوها أو يعادل 11.50م ( طابق سفلي + طابقان علويان ) بما فيها المنشآت العلوية والتي تقع في تجزئة عقارية سلمت أشغالها أو تجزئة غير قانونية تمت إعادة هيكلتها طبقا لمقتضيات الباب الثاني من القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والخاص بإعادة هيكلة التجزئات غير القانونية؛
2. مشاريع بناء العمارات الواقعة داخل تجزئة سلمت أشغالها التي يقل أو يعادل علوها 15.50م ( طابق سفلي + 3 طوابق) بما فيها المنشآت العلوية، سواء تعلق الأمر بعمارة معدة للسكن أو لأي غرض آخر، بالإضافة إلى كل عملية توسيع أو تعلية من شأنها أن توصل علو البناية القائمة إلى العلو المذكور؛
3. بناء أو تهيئة محل ذي طابع تجاري أو صناعي من الصنف الثالث، سيتم انجازه على مساحة إجمالية "مبنية أو سيتم بناؤها " تقل مساحة أرضيتها الخالصة عن 500 م2 ويقل علوها عن 5.50م كالدكاكين المخصصة للتجارة بالتقسيط والمقاهي وقاعات الشاي والمقشدات والمخابز والمطاعم الصغيرة ومشاغل الإصلاحات الميكانيكية والصناعة التقليدية والنجارة، ........ ؛
4. تغييرات تتعلق بمباني قائمة تدخل ضمن فئة المشاريع السالفة الذكر؛
5. تغييرات تتعلق بمباني قائمة لا تندرج ضمن هذه الفئة ولكن لا ينتج عنها أي تغيير على بنية المبنى ( (علو - قوام، ........... ؛)
وبصفة عامة كل المشاريع غير المعنية بمسطرة المشاريع الكبرى.
و في هذه الحالة تتألف اللجان الإقليمية أو الشبابيك الوحيدة من الأعضاء الدائمون الممثلون لـ:
- العمالة أو الإقليم
- الجماعة
- الوكالة الحضرية
و تنظم المحافظة على الأملاك العقارية إلى تشكيلة الشبابيك الوحيد و اللجان الإقليمية للتعمير في الحالة التي تكون فيها الطلبات المعروضة عليها تخص طلب الحصول على إذن بتقسيم العقارات
إذن، بعد أن اطلعنا على المتدخلين في مجال تنفيذ وثائق التعمير، يتبين مدى حرص المشرع على ضمان احترام مقتضيات تلك الوثائق و ضمان احترام التخصيص الذي عين للعقارات و توفر المشاريع على الشروط التي تسهم في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية و المتمثلة في نوع و حجم الخدمات التي ترقى بالمستوى المعيشي للسكان، و بالرجوع أيضا إلى الدورية الوزيرية المشتركة رقم 3020\27 الصادرة بتاريخ 4 مارس 2003 و المتعلقة بشروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في مجال التعمير، يتضح أيضا بجلاء الأولوية التي يمنحها للمشاريع الاستثمارية لما لها من أهمية و دور في رفع مستوى النمو الاقتصادي و توفير فرص الشغل و انعكاس ذلك على متطلبات التنمية البشرية.

المبحث الثاني: الاكراهات التعميرية التي تعيق التنمية البشرية

المطلب الأول: الإكراهات المرتبطة بالنصوص

المطلب الثاني: الاكراهات المتعلقة بالمساطر

الخاتمة

لما كانت التنمية هي المحور الرئيسي الذي تشتغل عليه جل حكومات دول العالم باعتبارها عاملا و مؤشرا للتقدم، فقد أخذت المشاريع التنموية بعدها الإنساني على اعتبار أن الإنسان هو هدف التنمية و محركها في نفس الآن، و من ثم أصبح مفهوم التنمية لا يقتصر على معدلات النمو الاقتصادي الذي ينعكس على مستوى الدخل الفردي، بل أصبح يمتد إلى مقومات تصب في اتجاه التوزيع العادل للثروة الوطنية من خلال الرقي بالمستوى المعيشي للمواطنين عبر توفير الخدمات و سد الحاجيات التي شكلت محور الأهداف التنموية التي تمخضت عن مجهودات المنتظم الدولي و بخاصة تلك التي أنتجتها الأمم المتحدة في إطار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و التي أصبحت نتائجها موضوع تقارير سنوية تخص كافة البلدان المنخرطة في برامج أهداف الألفية و منها بطبيعة الحال المغرب.
لقد عمل المغرب منذ الاستقلال على تبني مخططات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية، معززا مجهوداته التنموية بتنظيم مجاله الترابي من خلال العديد من الوثائق التعميرية و النصوص القانونية و عيا منه بتلازم قطاع التعمير مع مشاريع التنمية البشرية التي انخرط المغرب في أبعادها منذ أوائل التسعينات حيث عمل على تحيين ترسانته القانونية و استكمال بنائه المؤسساتي و ضبط مجالات التدخل للمؤسسات المختلفة حرصا منه على ضمان سيرورة متوازنة للعملية التعميرية مع ما تتطلبه أهدافه التنموية.
لكن بالرغم من كل المجهودات المبذولة، إلا أن موقع المغرب ضمن مؤشر التنمية البشرية الأممي ما زال متدنيا، بل إنه لم يحقق أي تحسن يذكر في ترتيبه، و ذلك راجع للعديد من الإكراهات خاصة تلك المتعلقة بالنصوص القانونية و المساطر المعتمدة مما توجب معه السير قدما في تذليل العقبات التي تقف حائلا أمام نجاح المشروع التنموي للمغرب، و الذي عبر الملك عن فشله في تحقيق انتظارات الشعب المغربي في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة يوم الجمعة 17 أكتوبر 2017، حيث اعتبر النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية ، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

قائمة المراجع

- ظهير 1952 المتعلق بالتعمير
- القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير
- القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم الأراضي
- القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة و جزر المخالفات في مجال البناء
- المرسوم رقم 2.92.832 المتعلق بتطبيق القانون رقم 12.90
- الظهير الشريف رقم 1.93.51 بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالات الحضرية.
- الدورية الوزيرية المشتركة عدد 3020\27 المتعلقة بشروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في مجال التعمير
- المرسوم رقم 2.13.424 بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل و شروط تسليم الرخص و الوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير و التجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات و النصوص الصادرة لتطبيقها.
- التقرير الوطني حول أهداف الألفية 2009
- الموقع الالكتروني للوكالة الحضرية بتطوان
- الموقع الالكتروني للشباك الوحيد بسلا

التجمعات السكانية المنتجة للفحم في وادي الروهر


[2] مخططات معالجة مشكلات الأقاليم الصناعية و الحد من تركز السكان في إقليم لندن و مشاريع المسح الإقليمي في منطقة ويلز

[3] مشروع وادي تنسي

[4] مخططات تقليص الفوارق الإقليمية و تحقيق التوازن

[5] التقرير الوطني حول أهداف الألفية، 2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق