مقدمة
لقد نشأ القانون عموما كنتيجة حتمية للاجتماع
البشري، فهذا الاجتماع بالقدر الذي شكل ضرورة حياتية ـ لأن الإنسان اجتماعي بطبعه،
و هذا يعني أن حياة الإنسان لا تستقيم إلا في إطار مجتمع حتى يتسنى تلبية الحاجات
المختلفة الضرورية للحياة لأن القدرات الفردية غير كفيلة بتحقيق تلك الحاجيات ـ
فهو شكل شرطا أساسيا لإنتاج الخصومات و الصراعات بسبب تضارب المصالح الشخصية أو
الذاتية لأفراد المجتمع، و من ثم توجب خضوع الأفراد إلى قواعد قانونية تنظم
علاقاتهم و تحفظ حقوقهم و تصون حرياتهم.
و لكي تكون للقواعد القانونية المنزلة الكفيلة
باحترامها من طرف الأفراد اقترن هذا الاحترام و الخضوع لها بتوافر سلطة عامة حاكمة
تلزم المجتمع باحترام القانون و تنزل العقوبة على من يخالف قواعده، و من بين
الآليات التي تمكن السلطة العامة من تنفيذ القانون و تطبيقه نجد مرفق القضاء الذي
اقترن بالقاعدة القانونية منذ نشأتها كضامن لتنفيذها و تطبيقها على أحسن وجه، و
ضمان عدم تغول السلطة في استعمال القانون كمبرر لتستبد بالمجتمع.
و قد عرف القضاء تطورا عبر مراحل تاريخية مختلفة،
هذا التطور اقترن بشكل أو بآخر بتطور الحياة البشرية و ارتباطها بتجمعات أكبر
فأكبر حتى بلغت إلى تأسيس كيانات سياسية تضم مجتمعا يتكون من ملايين المواطنين، و
بالموازاة مع ذلك تعددت أنواع النزاعات بين الناس و أصبحت الإمكانيات المتوفرة لمرفق
القضاء سواء على المستوى البشري أو الهيكلي لا تستطيع الاستجابة للقضايا المطروحة
عليها في المدد الزمنية المعقولة، و في هذا السياق اتجهت الكثير من بلدان العالم
إلى إنشاء محاكم متخصصة في نوعية معينة من القضايا، كالمحاكم التجارية، و المحاكم
الإدارية.
لكن مع مطلع الألفية الثالثة كانت الدعوات التي
تطالب بإيجاد آليات حديثة لتدبير المنازعات تقوم على التصالحية و ليس التخاصم، تجد
لدى المشرع آذانا صاغية، و من هنا تم ابداع آلية التحكيم عوض التقاضي سواء في
المنازعات ذات الطابع المدني أو الجنائي و حتى تلك المنازعات ذات الطابع الإداري
أو التجاري.
و نحن في دراستنا هذه سنركز على آلية التحكيم
التجاري سواء على الصعيد المغربي أو العربي لنقف على راهنيتها و مراحل تطورها
مستشرفين آفاقها على الصعيدين معا، و تكمن أهمية الخوض في دراسة هذه المسألة من
منطلق بروز هذه الآلية على كافة الأصعدة بما فيها الصعيد الدولي بالتزامن مع تحرير
التجارة العالمية و المجهودات التي ما تزال تبدل من طرف منظمة التجارة العالمية و
الدول الأعضاء بها لتسهيل الحسم في المنازعات الناشئة في ظل المعاملات التجارية
العابرة للأوطان من خلال انسياب رؤوس الأموال و تصاعد وثيرة التبادل التجاري التي
أصبحت تحقق أرقام معاملات خيالية، و لما كانت المعاملات التجارية تقوم على السرعة
و المرونة في إبرام العقود نظرا لطبيعتها فقد كان هذا المجال أرضية خصبة لظهور
منازعات كثيرة بين الفاعلين في القطاع، و قد سعت مختلف دول العالم لتدليل العقبات
أمام هذا الزخم من المعاملات التجارية التي لم تعد في سياق العولمة تقتصر على
الفاعلين المحلين فقط و لكن تمتد لتشمل الفاعلين الدوليين، بحيث أصبح هؤلاء
الأخيرين يفضلون الدول التي توفر المناخ المناسب للاستثمار و تكفل حقوق المتعاملين
في المدد المعقولة، و هذا ما لم تستطع المحاكم المختصة من توفيره الشيء الذي أعطى
أهمية كبيرة لهذه الآلية الجدية التي اصطلح على تسميتها بآلية التحكيم التجاري.
و في هذا السياق أصبح التحكيم التجاري الدولي
عنصرا رئيسيا في عقود الاستثمار الأجنبية
و تجدر الإشارة أيضا، أن عدالة التحكيم سابقة
بزمن طويل على العدالة العامة، فقد عرفت الشعوب و المجتمعات البشرية أساليب التحكيم([1])
كشكل من الأشكال البدائية للعدالة، فهو نظام قديم في نشأته([2])،
غير أنه حديث في أحكامه و مادته و دراسته.
و على ضوء ما تقدم نطرح الإشكالية التالية:
1.
ما المقصود بالتحكيم التجاري؟
2.
ما موقف المشرع المغربي و العربي من نظام التحكيم
التجاري، و كيف تطور هذا الموقف؟
3.
ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه نظام التحكيم
لجلب و تبادل الاستثمارات في العالم العربي؟
و لقد آثرنا تناول هذه الدراسة من زوايا مختلفة،
الشيء الذي تطلب منا الاعتماد على المناهج العلمية الكفيلة بتحقيق هدف الدراسة و
هي: المنهج القانوني الذي سيمكننا من الوقوف على النصوص القانونية و التنظيمية
التي تؤطر هذه الآلية، ثم المنهج التاريخي لتبيان السياق الذي نشأت فيه و تطورت
حتى أصبحت على شكلها الحالي و هي مقدمة و مدخلا ضروريا لاستشراف آفاقها، ثم المنهج
التحليلي للوقوف على الإشكالات التي تواجه آلية التحكيم التجاري و مدى فعاليتها.
و انطلاقا من كل ذلك ارتأينا اعتماد خطة البحث
التالية:
المبحث ألأول الإطار المفاهيمي
التحكيم التجاري
المطلب الأول: مفهوم التحكيم
التجاري و عناصره و مبرراته
الفرع الأول:مفهوم التحكيم
التجاري
الفقرة الأولى:تعريف التحكيم
التجاري
الفقرة الثانية: شروط
التحكيم التجاري
الفرع الثاني:عناصر و مبررات التحكيم التجاري
الفقرة الأولى: عناصر
التحكيم التجاري
الفقرة الثانية: مبررات
التحكيم التجاري
المطلب الثاني: الإطار
التنظيمي للتحكيم التجاري
الفرع الأول: التأطير
القانوني
الفقرة الأولى: على الصعيد
المغربي
الفقرة الثانية: الإطار
القانوني التحكيم التجاري على الصعيد العربي
الفرع الثاني: الآليات
التنظيمية
الفقرة الأولى: على المستوى
المغربي
الفقرة الثانية: على المستوى
العربي
المبحث الثاني: واقع و آفاق التحكيم
التجاري في المغرب و العالم العربي
المطلب الأول: تقييم التحكيم
التجاري
الفرع الأول: إيجابيات
التحكيم الدولي
الفقرة الأولى: تخفيف
الضغط على الجهاز القضائي
الفقرة الثانية: تشجيع
الاستثمارات الأجنبية
الفرع الثاني: معيقات
التحكيم التجاري
الفقرة الأولى: صعوبات
تنفيذ الأحكام التحكيمية
الفقرة الثانية: ضعف الوعي
بأهمية التحكيم
المطلب الثاني: أفاق التحكيم
التجاري
الفرع الأول: ارتباطه
بمسيرة العصرنة و التحديث
الفرع الثاني: سبل النهوض
بالتحكيم التجاري
الخاتمة
المبحث ألأول الإطار
المفاهيمي التحكيم التجاري
ننشد من
خلال هذا المبحث التعرف على واقع التحكيم التجاري على الصعيد الوطني و العربي، و
هذا الأمر يقتضي منا تحديد مفهومه و مبرراته (مطلب أول) ثم الوقوف على إطاره
التنظيمي ( مطلب ثان)
المطلب
الأول: مفهوم التحكيم التجاري و عناصره و مبرراته
سنتناول
مفهوم التحكيم التجاري في الفرع الأول، ثم بيان مبرراته في الفرع الثاني.
الفرع
الأول:مفهوم التحكيم التجاري
لتحديد
مفهوم التحكيم التجاري، يتطلب ذلك تعريفه (الفقرة الأولى) ثم تحديد شروطه (الفقرة
الثانية)
الفقرة الأولى:تعريف التحكيم التجاري
أما
التحكيم قانونا فهو نظام لتسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم
إما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرضونها([4]).
كما يعرف
التحكيم بأنه نظام القضاء الخاص يستبعد بمقتضاه أطراف النزاع قضاء الدولة و
يختارون أفرادا للفصل في المنازعات التي تثور بينهم.
و ينقسم
التحكيم إلى تحكيم اختياري و تحكيم إجباري، فيكون اختياريا إذا تم اللجوء إليه
بإرادة الخصوم([5])، و يكون إجباريا حينما يفرضه
المشرع على الخصوم بنص القانون([6]) .
كما يميز
بين التحكيم الحر و التحكيم المؤسساتي، فيكون حرا عندما يكون للخصوم حرية في
اختيار المحكمين([7])، و يكون مؤسساتيا حينما
يعهد به إلى هيئات تتولى تنظيم العملية التحكيمية من تعيين هيئة التحكيم و القيام
بإجراءات التحكيم و صدور القرار و تبليغه لأطراف النزاع ([8]).
و من ناحية أخرى يمكن التمييز بين التحكيم
الداخلي و التحكيم الدولي، فيكون داخليا عندما تكون طبيعة العلاقة وطنية أو داخلية
صرفة كأن يكون القانون و الإجراءات و المحكم و مكان التحكيم و الأطراف كلها مندولة
واحدة، و يكون دوليا إذا كانت طبيعة العلاقة ذات عنصر أجنبي كأن يكون التحكيم في
دولة أجنبية أو جنسية الأطراف أجنبية أو القانون أجنبي أو الإجراءات المطبقة على
النزاع أجنبية([9]).
الفقرة الثانية: شروط التحكيم التجاري
لكي يكون التحكيم
صحيحا و قابلا لتنفيذ منطوقه يتوجب التوفر على شروط و هي:
أن يتمتع
المتعاقد على التحكيم بأهلية التعاقد و سلطة التصرف في حقوقه، أو بتفويض يخوله
إبرام اتفاق التحكيم إذا كان ممثلا لشخص اعتباري.
أن يكون
موضوع النزاع مما يصح فيه التحكيم، فما يعد من الموضوعات القابلة للتحكيم في بلد
ما قد يكون غير ذلك في بلد آخر.
أن يكون
اتفاق التحكيم مكتوبا، و أن يظهر إرادة الطرفين باللجوء إلى التحكيم، ما لم ترد
قواعد قانونية تتيح للتجار الاتفاق على التحكيم شفويا في نزاعاتهم التجارية
الفرع الثاني:عناصر و مبررات التحكيم التجاري
الفقرة الأولى: عناصر التحكيم التجاري
تنعقد آلية التحكيم
التجاري بتوافر عناصرها الأساسية و هذه العناصر
هي: أطراف النزاع، المحكين، حكم المحكمين.
و هم الخصوم سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أو
اعتباريين على أن تتوفر فيهم صفة تاجر، و قد يكون الخصوم من نفس الجنسية أو من
جنسيات مختلفة، و سواء أكانت المنازعة قائمة على معاملات تجارية تعاقدية بين
الطرفين أو ناتجة عن التزام قانوني ناشء عن الاخلال بالقواعد القانونية المنظمة
للتجارة في البلد الذي نشأت فيه المنازعة.
و يتم
تعيينهم إما باتفاق أطراف النزاع، أو بقرار من المحكمة المختصة في التحكيم الوطني،
أو بقرار من الجهة الدولية التحكيمية.
و يجب أن تتوافر في منطوق الحكم بيانات اتفقت
مجمل النصوص القانونية على ضرورتهاكالكتابة، و تضمينه ببعض البيانات الأساسية التي
تختلف من بلد إلى آخر، غير أن غالب القوانين الوطنية تتفق على أن يتضمن الحكم:
مضمون الاتفاق، ملخص أقوال الخصوم و مستنداتهم، أسباب الحكم، تاريخ و مكان صدوره،
بيان مخالفة أو رفض أحد المحكمين التوقيع على الحكم، توقيع جميع أو أكثرية
المحكمين.
الفقرة الثانية: مبررات التحكيم التجاري
مما لا شك فيه أن
التحكيم التجاري أصبح في الوقت الحاضر أكثر تلاؤما مع مقتضيات العصر و علاقاته
المتشابكة بين الأطراف و الدول([10])، و التقدم العلمي و التقني في مختلف المجالات، فهذه
التطورات كشفت بما لا يدع للشك أن النصوص القديمة لم تعد تتلاءم متطلبات العصر و
أنه لابد من إيجاد آليات تنسجم مع المنازعات المستجدة، التي تحتاج إلى مناخ جديد
تنتفي فيه العيوب التي يحتمها القضاء العادي و المتمثلة في بطء الإجراءات، و إطالة
أمد التقاضي، و علانية الجلسات، و تواضع خبرات القضاة بموضوع النزاع، و يوفر
بالمقابل سرعة و سرية في إجراءات التحكيم،و ثقة الأطراف في حياد و كفاءة المحكم
الذي اختاروه بإرادتهم.
غير أن بعض الفقه يجد
في التحكيم التجاري نظاما لتحصين الشركات
الكبرى تجاه قضاء الدولة المستثمر فيها.
المطلب
الثاني: الإطار التنظيمي للتحكيم التجاري
الفرع
الأول: التأطير القانوني
الفقرة الأولى: على الصعيد المغربي
سنميز في هذه الفقرة بين القانون
الوطني و الدولي الذي يؤطر نظام التحكيم التجاري بالمغرب.
أولا: التحكيم التجاري في القانون
المغربي
يعود
الاهتمام بالتحكيم التجاري في المغرب إلى عهد المولى إسماعيل، وتحديدا إلى سنة
1693 تاريخ إبرام معاهدة سان جرمان مع الدولة الفرنسية، التي تضمنت إمكانية الفصل
في بعض النزاعات الخاصة عن طريق التحكيم([11]). إلا أن أول تنظيم قانوني للتحكيم من
طرف المشرع المغربي، كان بمقتضى ظهير المسطرة المدنية -الملغى- الصادر في 12 غشت
1913 والذي خصص له الفصول من 527 إلى 543([12]) ثم جاء قانون المسطرة المدنية الحالي
الصادر في 28 شتنبر 1974 واهتم كذلك بالتحكيم، فخصص له الباب الثامن من القسم
الخامس أي الفصول 306 إلى 327([13]).
وقد جاء القانون رقم 08.05([14])القاضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من ق.م.م،بهدف وضع
إطار قانوني متكامل وفعال للتحكيم الداخلي والدولي و الوساطة الاتفاقية استجابة
للتطورات التي يعرفها ميدان المال و الأعمال وانسجاما مع المبادئ الدولية للتحكيم،
وكمحاولة لإعادة النظر في المنظومة القانونية للتحكيم ببلادنا وإعطاء التحكيم
التجاري مكانة خاصة تراعي هذه المستجدات وتضمن لمختلف الفاعلين الاقتصاديين الحصول
على عدالة في ظروف يطمأن إليها الأطراف، عدالة ترتكز على قواعد مرنة وعلى مبادئ
الإنصاف مع مراعاة عادات وأعراف الميدان التجاري المحلية والدولية ، ووضع التصورات
الكفيلة بتطوير الإطار القانوني للتحكيم تنسجم مع المبادئ الدولية الجديدة وتستفيد
من الإصلاحات التي همت القوانين الأجنبية و القوانين الدولية النموذجية
وتساير تطلعات الفاعلين الاقتصاديين وضرورة تشجيع الاستثمار
ومن
الأمور التي تدعوا إلى الانتقاد كون المشرع لم يفرق بين التحكيم المدني والتحكيم
التجاري وذلك عكس بعض التشريعات المقارنة([15])، في حين وسع من نطاق
التحكيم التجاري على حساب التحكيم المدني وذلك بشكل غير مباشر من خلال اقتصار أغلب
فصول تعديل قانون 05-08 على المعاملات التجارية وإقصائه للمعاملات المدنية، وهذا
إن دل على شيء فإنما يدل على الإتجاه الخاطئ والغير البناء الذي سلكه ، فعوض تشجيع
أفراد المجتمع المدني على فض نزاعاتهم عن طريق القانون التفاوضي الإرادي سلك
القانون اتجاه تشجيع الأفراد الذين ليست لهم صفة التاجر ولوج المحاكم. رغم كون
المترقبين لتعديل المسطرة كانوا ينتظرون توسيع من فئة المجتمع المدني للاستفادة من
هذه الوسيلة لفض منازعاتهم وخاصة فيما يخص نزاعات الشغل والشخصية ولما تشمل حتى
النزاعات الجنائية.
ورغم ما
لهذا القانون من سلبيات إلا أنه جاء بمجموعة من المقتضيات الجديدة وذلك حتى يتخطى
النقص الوارد في القانون القديم، ومن بين الإيجابيات التي جاء بها أنه خص قسم
للتحكيم الداخلي وقسم آخر للتحكيم الدولي، وبذلك يكون قد وضع حدا لتخوف المستثمرين
الأجانب بالمغرب الذين كانوا يمتنعون عن الاستثمار بالمغرب نظرا لعدم وجود قانون
خاص ينظم تعاملاتهم.
كما وسع
من اختصاص هيئة التحكيم بحيث منح لهذه الأخيرة سلطة واسعة بالنظر في موضوع النزاع
أو إيقاف الإجراءات إذا عرض عليها خلال مرحلة التحكيم مسألة تخرج عن اختصاصها أو
تم الطعن بالزور في ورقة أو سند قدم لها واتخذت بشأن تزويره إجراءات جنائية (الفصل
17-327 من قانون 05-08)
ثانيا: التحكيم التجاري في المغرب على ضوء
الاتفاقيات الدولية
إذا
كان المشرع المغربي المغربي قد خص التحكيم الدولي بالفرع الثاني من القانون 08.05
إلا أنه نص في الفصل 39-327 منه على أن:"تطبق مقتضيات هذا الفرع على التحكيم
الدولي دون الإخلال بما ورد في الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من لدن المملكة
المغربية و المنشورة بالجريدة الرسمية". و هو ما يؤكد على سمو الاتفاقيات
الدولية على القوانين الوطنية التي تجد تأصيلها في دستور 2011.
و
قد اعتمد المغرب العديد من الاتفاقيات في نطاق التحكيم التجاري سواء على المستوى الدولي
أو العربي ، و حيث أن خصصنا ضمن خطة الدراسة فقرة خاصة بالاتفاقيات العربية في هذا
المجال، فقد ارتأينا التطرق في هذه الفقرة إلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها
المغرب على ان نتطرق للاتفاقيات العربية في الفقرة المخصصة لها.
أبرمت
في 10/06/1958 بشأن الاعتراف بالمقررات التحكيمية الأجنبية و تنفيذها التي قررت
اتخاذها اللجنة الاقتصادية و الاجتماعية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، و التي صادق
عليها المغرب بمقتضى الظهير الشريف رقم: 1.59.266 بتاريخ 19/01/1960.
أبرمت
في 01/03/1954 و المتعلقة بالمسطرة المدنية و التي صادق عليها المغرب بمقتضى
الظهير الشريف رقم 1.67.645 بتاريخ 30/09/1969([16]).
و
تعرف أيضا باتفاقية واشنطن B.I.R.D
و التي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من 14/10/1966 و صادق عليها المغرب بمقتضى مرسوم
ملكيمؤرخ في 31/10/1966 و أصبح دولة متعاقدة في هذه الاتفاقية بتاريخ 10/06/1967.
و
حري بالذكر أن أول قضية عرضت على المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية
المحدث بموجب هذه الاتفاقية كانت سنة 1972 بين المغرب و شركات أمريكية.
·
اتفاقية
الشراكة المغربية الأوروبية حيث نصت على سلك مسطرة التحكيم الحر في حالة عدم
التوصل لفض النزاعات في إطار مجلس الشراكة أو لجنة الشراكة.
·
اتفاقية
التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية التي نصت على إحداث هيئة تحكيمية تحمل
اسم "لجنة التحكيم"
·
مع كوريا
الجنوبية في 27 يناير 1999
·
مع بولونيا
في 24 أكتوبر 1994
·
مع الهند
في 13 فبراير 1999.
الفقرة الثانية: الإطار
القانوني التحكيم التجاري على الصعيد العربي
بعد نيل الدول العربية استقلالها سعت جاهدة
للمارسة سيادتها على كامل إقليمها، لذلك تعاملت بحذر شديد من التحكيم خاصة و أنها
لحقها العديد من خيبات الأمل من التحكيم الدولي نتيجة ما حصل في قضية شيخ أبو ظبي([17])و كذلك قضية أرامكو ضد الحكومة السعودية ([18]) و تكساكو ضد الحكومة
الليبية ([19])الحكومة الليبيةالشيء الذي دفعها إلى اتخاذ موقف معادي للتحكيم حيثمثل لها رمزا من رموز
الظلم و التعنت الاستعماري، لكن مع تسارع الأحداث الدولية وجدت الدول العربية
نفسها معزولة عن الاستثمارات الدولية، لذلك و بهدف جلب الاستثمار الذي يبحث دائما
عن ضمانات، لجأت إلى تبني نظام التحكيم التجاري.
و لقد تعاظم دور التحكيم التجاري على الصعيد
العربي حتى أنه أصبح يلعب دورا على مستوى التحكيم التجاري الدولي في مجال تسوية المنازعات
والتي يكون أحد أطرافها من دول العالم الثالث ويأتي على رأس الدول الرائدة في هذا المجال: مصر ولبنان
والأردن وتونس، حيث قامت غرفة التجارة الدولية بتنصيب محكمين من هذه الدول بالإضافة
إلى اتخاذ الغرفة من تونس و مصر مقرا لهيآتها.
و قد اتجهت الدول العربية إلى إصدار نصوص
لتأطير هذه الآلية منذ خمسينيات القرن الماضي من خلال الجامعة العربية ممثلة في
الاتفاقية العربية لسنة 1952 المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية و التحكيمية([20]).
و يستند التحكيم
التجاري العربي على العديد من الاتفاقيات
التي وقعت في الكويت بتاريخ 27/05/1971 و انضم
إليها المغرب منذ 15/11/1975 و التي ينص ملحقها الأول على مسطرة المفاوضات و
التوفيق و التحكيم.
و التي ألغيت
بمقتضاها اتفاقية 1952، أبرمت بتاريخ 06/04/1983 و دخلت حيز النفاذ بتاريخ
30/10/1985، و تضم
جميع الدول العربية باستثناء مصر و جزر القمر، و قد صادق عليها المغرب بتاريخ
30/03/1987.
نصت هذه الاتفاقية على الاعتراف بتنفيذ الأحكام و
القرارات التحكيمية في المواد المدنية و التجارية و الإدارية و الأحوال الشخصية
كما أكدت الاتفاقية على الصفة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة في دولة
متعاقدة، دون أخذ بعين الاعتبار جنسية الفريق التي صدرت لمصلحته .
الموقعة
بعمان بتاريخ 26/11/1980 و التي تقضي المادة 25 منها على تسوية المنازعات الناشئة
عن تطبيقها عن طريق التوفيق و التحكيم...
الموقعة بتونس بتاريخ 27/02/1981
المتممة للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية، إذ يحيل فصلها 4 بشأن
تسوية المنازعات على الفصل 6 من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال .
وقعت بمدينة عمان الأردنية بتاريخ
14/04/1987([21])و عدلت بتاريخ 22/04/1992 و دخلت حيز النفاذ بتاريخ 27/06/1992، و رغم أن
المغرب قد وقع عليها إلا أنه لم يصادق عليها لحد الآن، و رغم أهميتها لم تصادق
عليها إلا 8 دول عربية (اليمن، الأردن، ليبيا، العراق، تونس، فلسطين، لبنان،
السودان)([22])،
و بموجبها أنشأالمركزالعربي للتحكيم
التجاري([23])،و
تطبق الاتفاقية على النزاعات التجارية الناشئة بين أشخاص طبيعيين أو معنويين أيا
كانت جنسياتهم يربطهم تعامل تجاري مع إحدى الدول الأعضاء أو أحد أشخاصها أو تكون
لهم مقار رئيسية فيها.
وأهم ما جاءت به هذه الاتفاقية هو أن
التحكيم وفقا للاتفاقية له طريقان إما الشرط التحكيمي السابق للنزاع أو الاتفاق
التحكيمي اللاحق للنزاع([24]).
أضف إلى ذلك العديد من الاتفاقيات
الثنائية بين الدول العربية و منها الاتفاقيات الثانائية التي وقعها المغرب مع
لبنان 1977 و ليبيا 1984 و البحرين 2000 و الكويت 1999 و الأردن 1988 و مصر 1989.
الفرع
الثاني: الآليات التنظيمية
الفقرة الأولى: على المستوى المغربي
لم
يهمل المشرع المغربي مؤسسة التحكيم عند إنشائه للمحاكم التجارية، حيث نص في الفقرة
الأخيرة من المادة 5 من قانون إحداث هذه المحاكم، على أنه: "يجوز للأطراف
الاتفاق على عرض النزاعات المبينة أعلاه (والتي أسند اختصاص البت فيها للمحاكم
التجارية) على مسطرة التحكيم وفق أحكام الفصول 306 إلى 327 من قانون المسطرة
المدنية".
و من الصعوبات العملية التي يثيرها
التحكيم بالمغرب أنه لم يأتي بقانون مستقل بذاته على شكل مدونة([25])
وذلك لإكراهات تتجلى في غياب الوسائل الأساسية المتطلبة في التحكيم مثل مراكز
التحكيم ومن اطر متخصصة وذات كفاءة وخبرة في شتى الميادين و بالخصوص ما يتعلق
بالمعاملات التجارية الدولية رغم وجود بعض المراكز التحكيمية في المغرب ( مثل مركز
التحكيم في مراكش، الرباط، وطنجة)، إلا أنها لا تكون محل ثقة من طرف المستثمرين
الأجانب في المغرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك صعوبات عملية والتي أتى بها
القانون الجديد05- 08 حيث إذا كان من المبادئ الأساسية التي تميز التحكيم عن القضاء
هي حرية اختيار المحكم الذي سيتولى الفصل في النزاع، فإن القانون الجديد قلص من
هذه الحرية وذلك بنصه على إلزامية المحكم بالتصريح لدى الوكيل العام قصد تسجيله في
لائحة تشمل أسماء محكمين مما يعني أن المشرع المغربي قيد الأشخاص الذين يتولون
مهمة التحكيم في طائفة معينة وبسط يده على مجريات التحكيم، كما قام بتقييد الشخص
المعنوي في تولي مهمة المحكم حيث أجاز له سوى صلاحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره
لكن الواقع العملي أن هناك شركات ذات خبرة أكثر من الشخص الذاتي كالشركة المتخصصة
في منح درجة السفن فهذه الأخيرة لها إمكانية تولي مهمة التحكيم.
الفقرة الثانية: على المستوى العربي
يتم حاليا إنشاء مؤسسات تحكيم جديدة بشكل
منتظم في كل قارة, في انعكاس لعالم يزداد عولمة تتطلب الحياد, ولكنها فعالة, آليات
تسوية المنازعات. فقط بعض مؤسسات التحكيم هي راسخة ولها سجل حافل جدا, ومع ذلك,
مثل المحكمة الجنائية الدولية في باريس, حيث تأسست ممارسة التحكيم الدولية الحديثة
قبل محكمة التحكيم الدولية للمحكمة الجنائية الدولية. المحكمة الجنائية الدولية,
التي أعدت أيضا المسودة الأولى لاتفاقية نيويورك, الذي يجيز تنفيذ قرارات التحكيم
في 154 بلدان, وكثيرا ما يشار إليها باسم “رولزرويس” التحكيم الدولي لمكانتها,
جودة والتاريخ. وهو واحد فقط من العديد من مؤسسات التحكيم الذي يمكن اعتباره, ومع
ذلك, وربما لا تكون دائما الخيار الأفضل اعتمادا على الموقع الأطراف وخصائص نزاع
محتمل.
و نرى في وطننا العربي مؤسسات تحكيمية
بارزة اهمها
1.
مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)
أسس في 1979, وCRCICAA هو مؤسسة التحكيم الأبرز في مصر.
أسس في 1979, وCRCICAA هو مؤسسة التحكيم الأبرز في مصر.
2.
مركز دبي للتحكيم الدولي (مدينة دبي الأكاديمية العالمية)
أسس في 19944, ومدينة دبي الأكاديمية العالمية هي الهيئة التحكيم الرائدة في دبيويستخدم عادة للتحكيم بناء تنطوي على الشرق الأوسط.
مركز دبي للتحكيم الدولي (مدينة دبي الأكاديمية العالمية)
أسس في 19944, ومدينة دبي الأكاديمية العالمية هي الهيئة التحكيم الرائدة في دبيويستخدم عادة للتحكيم بناء تنطوي على الشرق الأوسط.
3. مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي أنشأ في
1993
4. الغرفة العربية الأوروبية للتحكيم التجاري التابعة لغرفة التجارة العربية
الأوروبية.
5. أمنء عامون مساعدون يغطون مختلف المناطق: الخليج العربي، المشرق العربي،
المغرب العربي، و أمين عام تحكيمي في الدول الأوروبية.
6. الاتحاد العربي للتحكيم الدولي
7. المركز العربي للتحكيم التجاري
ناهيك عن وجود مراكز اخرى في بعض الدول ك
لبنان، اليمن، البحرين، الامارات، قطر، الكويت، تونس، الجزائر، مصر، سلطنة عمان،
الاردن، والآن سوريا، المغرب وفي اليمن يدرسون مشروع قانون جديد.
المبحث الثاني: واقع و آفاق
التحكيم التجاري في المغرب و العالم العربي
المطلب الأول: تقييم
التحكيم التجاري
الفرع الأول: إيجابيات
التحكيم الدولي
الفقرة الأولى: تخفيف الضغط على الجهاز القضائي
إن اللجوء الى التحكيم له دور في تخفيف العبء عن كاهل القضاء العادي
الذي تكون أمامه نزاعات عديدة قد يستغرق الفصل فيها وقتاً أطول في حين أن المحكم
يكون متفرغاً للنزاع الذي يعرض عليه وهذا هو ما يعرف بالسرعة في التحكيم إضافة إلى
أنه يكون ملزماً بالفصل في النزاع المعروض عليه خلال المدة المحددة في شرط التحكيم
ما لم يتفق الخصوم على مدها إلى فترة يحددونها .
الفقرة الثانية: تشجيع الاستثمارات الأجنبية
يعد التحكيم
التجاري الدولي من الوسائل الرئيسة في استقطاب الاستثمارات وبث الطمأنينة في نفوس
المستثمرين وتشجيعهم على تحويل رؤوس أموالهم إلى البلد المضيف للاستثمار وزيادة
النشاط، ويعد التحكيم نظاماً مناسباً ومن الوسائل الملائمة لجلب والتشجيع على
الاستثمار كونه قضاء متخصصاً وسريعاً لحل المنازعات المرتبطة بالاستثمار وبما يسهم
إيجاباً في تحقيق الأمن القانوني والقضائي، فالمستثمر سواء كان وطنياً أو أجنبياً
ومهما كانت المبادرات التشجيعية المنصوص عليها في التشريعات والأنظمة القانونية
فإنه لا يبادر إلا إذا تحقق من وجود قضاء مستقل وفعال يترجم النصوص بما يحقق العدل
والمساواة، خاصة أنه يراعي جميع أطراف المنازعة لاسيما في ظل تعدد الثقافات
القانونية وهو ما يجعل المستثمر الأجنبي يصر دائماً على التمسك بوجود شرط التحكيم .
و في هذا
الشأن يقول المستشار أحمد صالح العجله، مدير مركز الشارقة للتحكيم التجاري الدولي،
إن التحكيم يسهم في تحقيق الاستقرار للبيئة التجارية والاستثمارية وتذليل كافة
العقبات التي تعيق حركة التجارة والاستثمار ومنها المعوقات القانونية وتوفير
الطريق البديل لتسوية المنازعات وهو التحكيم لما يتسم به من السرعة والمرونة في
الإجراءات والمحافظة على العلاقة بين الخصوم[26].
ومن أبرز
مزايا التحكيم على المستويين التجاري والعقاري أنه يساعد على استمرار العلاقة بين
طرفيه بعد انتهاء التحكيم والاستمرار في علاقة الشراكة التجارية والاستثمارية بما
يحقق النمو والاستقرار الاقتصادي وفي القطاع العقاري كذلك يحقق نفس المزايا .
الفرع الثاني: معيقات
التحكيم التجاري
الفقرة الأولى: صعوبات تنفيذ الأحكام التحكيمية
حسب المستقر فقها وقضاء، أن الصعوبة هي تلك المستجدات التي تطرأ بعد صدور الحكم موضوع التنفيذ، ولم يكن بالإمكان إثارتها خلال مراحل التقاضي، من ثم يخرج عن هذا المفهوم ما كان قائما قبل صدور الحكم ولو لم يسبق التمسك به شريطة أن يكون مثير الصعوبة إما أنه كان حاضرا أو بأن إجراءات استدعائه لم تكن سليمة فلا يمكن أن يواجه بما ذكر.
و يبقى الإطار القانوني هو الفصلين 149 و 436 من قانون المسطرة المدنية، فالأول جاء فيه "يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال في
الصعوبات
المتعلقة
بتنفيذ
حكم
أو سند قابل للتنفيذ،" وطالما أن المقررات التي تصدر عن هيئات التحكيم هي أحكام، فإن مقتضيات الفصل 149 من ق م م تشملها أيضا.
الفقرة الثانية: ضعف الوعي بأهمية التحكيم
رغم وجود بنية للتحكيم
التجاري الدولي في المغرب و البلدان العربية، إلا أن الوعي بأهميته تبقى محدودة، و
باستثناء العقود التي يكون أحد طرفاها أجنبي فإن غالبية عقود المعاملات التجارية
المحلية لا تنص على اللجوء إلى التحكيم و تستند إلى الجهاز القضائي للدولة، و لقد
ساعد في ضعف الوعي عدم جدية المجهودات المبذولة من طرف الدولة لحث المتعاملين في
القطاع التجاري، و عد نص القواعد القانونية على جبرية التحكيم و ترك ذلك لحرية
الأطراف.
و رغم كون اللجوء إلى آلية
التحكيم في الأصل هي اختيارية إلا أن نص القانون على جبريتها في بعض القضايا يبقى
مفيدا لتشجيع المتعاملين على اللجوء إليه و اكتشاف أهميته و لو من منطلق التخفيف
على الجهاز القضائي.
المطلب الثاني: أفاق
التحكيم التجاري
الفرع الأول: ارتباطه
بمسيرة العصرنة و التحديث
من المسلم به أن التحكيم
التجاري الدولي يعتبر أحسن وسيلة يمكن اللجوء إليها
باعتباره نظاما قضائيا يعلو فوق النظم القانونية الوطنية، و ضرورة يفرضها واقع
التجارة الدولية بالرغم من أن واقع التحكيم يبرز جهل جل الأفراد والمؤسسات بوجوده
إضافة إلى أنه يبقى خاضعا للقضاء المحلي الذي يمارس حرية الرقابة للحفاظ على
القوانين والتقاليد الأساسية المتمثلة في النظام العام الوطني.
إلا أن النظرة المستقبلية
تفرض توعية الفعاليات الاقتصادية بوجوده وأهميته على المستوى الوطني و الدولي.
الشيء الذي كرسه مشروع
القانون رقم "08.05" و الهدف
ضمان قابلية تطبيق مختلف الاتفاقيات المذكورة في إطار المنظومة القانونية الداخلية
ولاسيما فيما يخص شروط الاعتراف بالقرارات التحكيمية والأجنبية وتنفيذها، و كما
سبق ذكره فإن قانون المسطرة المدنية المغربي خلافا لقانون المسطرة المدنية الفرنسي
الجديد وقوانين العديد من الدول العربية لا يميز بين المقتضيات الخاصة بالتحكيم
الداخلي وتلك المتعلقة بالتحكيم الدولي لكن بفضل المشروع السالف ذكره تم تدارك هذه
الثغرة. ولا يخفى ما لهذا التعديل من تأثير على الاستثمار في بلد كالمغرب بحكم
طبيعته، و مكانته المتميزة و جو العصرنة المميز للفترة، فمنذ بداية التسعينات
انطلقت هاته المسيرة بالانخراط في أوراش إصلاح اقتصادية وقانونية حيث انخرط المغرب
في اتفاقية " الكاط " سنة 1994 وقبل بنظام تحويل عملته الوطنية سنة 1993
ومنذ 1995 باشر مفاوضات مع التحاد الأوروبي بهدف الاتفاق على التبادل الحر الذي
دخل حيز التطبيق سنة 2000 وفي ماي 2001 نظم المغرب مناظرة أكادير من اجل خلق منطقة
للتبادل الحر لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط وهو عضو منخرط في عدة اتفاقيات أخرى
دولية وثنائية من أجل حماية الاستثمارات ونموها كما سبق ذكره في العرض. وهذا
الانفتاح على الاقتصاد الدولي رافقته عدة تحولات هيكلية وقانونية من أجل فرض اقتصاد
متوازن ومالية مستقرة ومن أجل ضمان الأمان القضائي كما أن قانون الأعمال عرف عدة
إصلاحات طيلة النصف الأول من التسعينات.
ما سبق ذكره من شأنه أن يخلق
محيطا قانونيا ملائما للاستثمار بشكل عام وجاذبا للمستثمرين الأجانب في وقت عولمة
الاقتصاد والتنافس بين الأنظمة القانونية الوطنية، حيث أن المستثمرين هم في حاجة
إلى جو من الأمن القانوني يعطي لهم رؤية واضحة بخصوص التشريع الواجب التطبيق والذي
يطمئن بخصوص حل نزاعاتهم وهذا بالطبع ما يفتح آفاق واسعة للتحكيم التجاري الدولي
في بلدنا.
الفرع الثاني: سبل النهوض
بالتحكيم التجاري
-
إن أول السبل للنهوض بالتحكيم التجاري الدولي هو خروج مدونة
للتحكيم التجاري إلى حيز الوجود .
-
تشجيع المستثمرين على الالتجاء إلى التحكيم التجاري
الدولي كآلية بديلة لحل المنازعات.
-
تشجيع إنشاء مراكز التحكيم التجاري الدولي .
-
تكوين محكمين في مستوى جيد.
-
توفير ضمانات الاستقلالية والحياد والشفافية والفعالية
في التحكيم التجاري الدولي.
-
الاهتمام بالجانب العلمي
والأكاديمي في التحكيم التجاري الدولي بعقد الندوات والمؤتمرات في هذا الموضوع.
-
تكريس حرية الأطراف في
الاتفاق على التحكيم وإجراءاته والت
الخاتمة
وختاما يمكن القول أن التحكيم عدالة مكملة أو بديلة لا تنقص شيئا من سلطة الدولة
بل يساهم في تخفيف العبء والضغط الذي تعرفه المحاكم سواء المدنية أو التجارية لسبب القضايا العالقة والمتراكمة في رفوفها ، و قد استمد التحكيم هذه الأهمية من الفقه الإسلامي الذي أولى اهتماما خاصا لتسوية المنازعات الناشئة بين الأفراد بشكل ودي دون اللجوء إلى الأجهزة القضائية القائمة والمتسمة بالبطء والتعقيد، وعلى نفس المنوال سارت أغلب التشريعات الوضعية بسنها مجموعة من القوانين التي تنظم هذه الوسائل بشكل متطور يساير مستجدات العصر المتسم بالحداثة وخاصة الميدان التجاري .
كما أن المشرع المغربي و العربي استطاع نسبيا أن ينظم هذه الوسائل إما بقواعد قانونية عامة أو أخرى خاصة، مراعيا في ذلك التوافق مع ما صادق عليه من اتفاقيات ثنائية ودولية في هذا الصدد.
إلا أن متطلبات الأمن القانوني الذي يعزز ثقة المستثمرين وتوجيه رؤوس أموالهم لدعم الاقتصاد الوطني، يتطلب مزيدا من الجهود والمسايرة لوثيرة التطور التي تعرفها.
قائمة المراجع
· أبو
زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري و الإجباري، بدون دار نشر، 1995.
·
اتفاقية
عمان العربية للتحكيم التجاري.
· أحمد
شكري، الوسيط في النظرية العامة و المقاولات، مطبعة المعارف الجديدة، ط1، 2001.
·
الأمانة
العامة لجامعة الدول العربية، إدارة الشؤون القانونية، الشبكة القانونية العربية،www.arablegalnet.org
·
الجريدة
الرسمية عدد 3011 بتاريخ 05/07/1970.
·
الجريدة
الرسمية عدد 5584 بتاريخ 06/12/2007.
· حمزة
حداد، تعريف التحكيم بوجه عام و بقواعده لدى اتحاد المصارف العربية، مقال منشور
بالمجلة المغربية للتحكيم التجاري، العدد 2، 2002.
· رحال البوعناني "التحكيم الاختياري في
القانون المغربي الداخلي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص، السنة الجامعية 1996 –
1997. جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، الرباط. الصفحة.
· شارول
روسو، القانون الدولي العام، ترجمة شكر الله خليفة و عبد المنعم سعد، دار الأهلية
للنشر و التوزيع، بيروت، 1982.
· شعيبي المذكوري "الاتفاق على التحكيم في
قانون المسطرة المدنية" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 74.
·
عبد الحميد الأحدب، التحكيم الدولي،
الجزء الثاني، منشورات دار المعارف.
· عبد
الحميد الشواربي، التحكيم و التصالح في ضوء الفقه و القضاء و التشريع، دار
المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1996.
·
عبد
الرزاق عمر شيخ نجيب، حقوق المؤلف في الدول العربية و التحديات المعاصرة، دورية
مركز الدراسات و البحوث لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عدد 336 (حقوق
الملكية الفكرية).
· عبد الله درميش "اهتمام المغرب
بالتحكيم، إلى أي حد؟" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية. العدد 73.
·
عبد
المجيد غميجة، قراءة في مشروع مدونة التحكيم، سلسلة الندوات و الأيام الدراسية،
منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، العدد 2، 2004.
·
الفيروز أبادي، القاموس المحيط، الجزء
الرابع، دار الفكر، بيروت، 1978..
· محمد
أحمد الصانوري، دور المحكم في خصومة التحكيم الدولي الخاص، مطبعة دار الثقافة للنشر و التوزيع.
· محمود
السيد التحيوي، تنفيذ حكم المحكمين، دار الفكر االجامعي، 2006.
·
مقال
منشور بجريدة الخليج الاقتصادي الالكترونية، عدد:4 أبريل 2004.
·
ناريمان عبد القادر، اتفاق التحكيم
طبقا لقانون التحكيم في المواد المدنية و التجارية،دار النهضة العربية، 1996.
[11] ) رحال البوعناني
"التحكيم الاختياري في القانون المغربي الداخلي" رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص، السنة الجامعية 1996 – 1997. جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، الرباط.
الصفحة. 39 وما بعدها.
[12] ) خلاف ما يذهب إليه بعض
الفقه من أن التحكيم لم ينظم بالمغرب إلا بمقتضى قانون المسطرة المدنية الصادر في
سنة 1974. راجع في هذا الإطار شعيبي المذكوري "الاتفاق على التحكيم في قانون
المسطرة المدنية" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 74. ص. 42.
[13] ) مع العلم أن هناك فصول أخرى
متناثرة في قوانين أخرى تتناول التحكيم، كما هو الشأن في الفصل 894 من قانون
الالتزامات والعقود….
يراجع في هذا الموضوع، عبد الله درميش "اهتمام المغرب بالتحكيم، إلى أي
حد؟" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية. العدد 73، ص. 10.
([17]) تعود قضية تحكيم شيخ أبو ظبي بسبب نزاعه مع شركة Petroleum Development co حيث أصدر المحكم الانجليزي اللورد
"اسكويث" حكما تحكيميا سنة 1951 يقول فيه:"إذا كان هناك من قانون
محلي يقتضي تطبيقه فهو قانون أبو ظبي، و لكن هذا القانون لا وجود له، لأن أمير هذا
البلد هو الممسك بشؤون العدالة بصورة كاملة، مستندا إلى أحكام القرآن، فضلا عن إنه
من الصعب تصور وجود مجموعة من المبادئ القانونية في تلك المنطقة يمكن تطبيقها بصدد
وسائل تجارية حديثة".
([18])ثار نزاع بين شركة أرامكو
( شركة البترول العربية الأمريكية / ARAMCO ) وبين الحكومة السعودية فيما
يتعلق بعقد استغلال حقل بترول على الأراضي السعودية وعندما تعاقدت السعودية مع
احدى شركات أوناسيس لنقل البترول الذي تصدره اعترضت على ذلك شركة أرامكو باعتبار
أن من شأن ذلك المساس بحقوقها المترتبة على عقدها مع السعودية وقد تضمن اتفاق التحكيم
النص على أن يفصل المحكم في النزاع وفقا للقانون السعودي فيما يتعلق بالمسائل التي
تدخل في الاختصاص القانوني للسعودية وفيما عدا هذا تقضي هيئة التحكيم وفقا للقانون
الذي تقرر أنه واجب التطبيق إلا أن هيئة التحكيم انتهت إلى تطبيق القانون الدولي
العام لعدم وضوح المقصود باصطلاح الاختصاص القانوني ولعدم كفاية الأحكام القانونية
السارية في السعودية ولأن احد أطراف التعاقد دولة .
وقد صدر الحكم في القضية بتاريخ
23/8/1958 وفيه قررت هيئة التحكيم انه لما كان القانون الإجرائي السعودي غير قابل
للتطبيق نظرا لإخراج الطرفين للنزاع من اختصاص المحاكم السعودية وكان من عير
المقبول أن يخضع التحكيم الذي يكون أحد طرفيه دولة لأحكام قانون دولة أخرى فإن
التحكيم يخضع لقانون الشعوب Law Of Nations وهو ما يعوزه الوضوح في
مقام الإجراءات وأوردت هيئة التحكيم فى أسباب حكمها انه لا محل لتطبيق القانون
الفرنسي مصدر نظريه العقد الإداري علي نزاع بين شركة أمريكيه والحكومه السعودية
لأن إمتياز البترول ليس عقد إمتياز لإدارة مرفق عام إذا لا يوجد عملاء من الجمهور
يتعاملون مع الشركة ولا وجود لمجلس دولة يراقب ويبطل الأعمال الإداريه غير
القانونية.
([19])يتعلق موضوع
النزاع بعقد مبرم بين الشركة والحكومة الليبية سنة 1977 لاستغلال حقل بترول في
الأراضي الليبية موقع قبل ثورة الفاتح في ليبيا إلا إن الحكومة الليبية قامت
بتأميم شركة البترول المذكورة وأسندت رئاسة هيئة التحكيم إلى الأستاذ / ديبويسنة (Dupuy ) الذي استبعد تطبيق القانون الليبي على الرغم من كونه القانون الواجب
التطبيق وطبق القانون الدولي العام مقررا بأن العقد المبرم بين الشركة والحكومة
الليبية يعتبر بلا شك من العقود الدولية وبالتالي فهو لا يخضع لقانون داخلي لدولة
من الدول ولا يخضع للأعراف الدولية وأن الإشارة في العقد إلى عبارة تحكيم دولي
تكفي لتدويل العقد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق