مقدمة
يعتبر القانون الإداري كفرع من فروع
القانون، مثالا لتطور القانون بشكل عام، و القانون العام بشكل خاص.
و معلوم لدى الدارسين للعلوم
القانونية أن القانون كان في العصور القديمة عبارة عن فرع رئيسي واحد هو القانون
المدني، بحيث يتضمن هذا الأخير مجمل القواعد الحاكمة لمختلف المعاملات و العلاقات
بما في ذلك علاقة المواطن بالمؤسسات العامة (الدولة)، قبل أن يتفرع إلى فروع مختصة
بكل مجال على حدة عبر مراحل تاريخية معينة، و في إطار هذا التطور الذي عرفه مجال
القانون كان القانون الإداري و لا يزال آخر تطور في حقل القانون العام باعتباره
حديث النشأة، بل هو لا يزال في طور النشأة، لأننا و لحد الساعة لا نجد مدونة أو
نصا يمكن اعتباره قانونا إداريا على غرار باقي الفروع القانونية الأخرى (كالقانون
الجنائي، القانون التجاري، قانون الأسرة...الخ)، و لم يستطع لا الفقه و لا المشرع
أن يضع تصورا لتحقيق هذا الهدف.
ولقد شهدت السنوات الثلاثون الأخيرة
محاولات لتقنين القانون الإداري، علـى أساس أنه قد تبلورت الآن معظم نظرياته،
وتحددت بكثير مـن الوضوح جل مبادئه، لذلك سيكون من المفيد أن يجري تقنينه، ولو على
مستوى المبادئ العامة والنصوص الرئيسية، ورغم ما بذل من جهد في هذا الاتجاه، فإنها
جميعـاً لـم تحقق هدف التقنين لا في فرنسا و لا في غيرها و إلى الآن ([1]).
و لا يزال القاضي الإداري يستند في
فرد أحكامه على الاجتهاد و بعض القواعد المتناثرة في مدونات قانونية أخرى أو حتى
الاستناد إلى اللوائح و المذكرات (التشريع الفرعي).
و على الصعيد العربي، يمكن القول أن
البدايات الأولى لنشأة القانون الإداري كانت في كنف الدولة الإسلامية الفتية، حيث
شكلت مؤسسة ديوان المظالم جهة قضائية تعنى برد القرارات التي يتخذها الولاة و
الأمراء في المجالات الإدارية المختلفة، أما في العصر الحديث فقد تأثرت التجارب
العربية بالنظم المستوردة أو المستلهمة من مصادر خارجية كما هو الشأن بمصر و
المغرب اللذان يشكلان جوهر هذه الدراسة، غير أن هذا الاستلهام لم يكن نفسه في
الدولتين، كما أنه لم يكن متطابقا تماما مع المصادر الخارجية بحيث عمل المشرع
المغربي خاصة على إضفاء طابع الخصوصية المغربية على المادة الإدارية، في حين يمكن
اعتبار مجلس الدولة المصري و إن أحدث على شاكلة مجلس الدولة الفرنسي إلا أن مساره
و الاجتهادات التي رسخها في المادة الإدارية المصرية كانت بحق مفخرة للقانون
الإداري العربي و مصدر إلهام المشرع العربي في العديد من البلدان، لدرجة أنه لا
تخلو جامعة في العالم العربي لا تدرس التجربة المصرية في هذا الشأن، و ليس أقل
منها التجربة المغربية التي ورثت نصوصا قانونية في ظل الحماية و رغم أن احتفظت
بالإرث الاستعماري إلا أنها استطاعت تأصيل المادة الإدارية بما يلامس الخصوصية
المغربية.
و تكمن أهمية دراسة نشأة القانون
الإداري عموما في دور مقومات تلك النشأة في فهم صيرورة تطور القانون الإداري، فإذا
انطلقنا مثلا من خاصية هذا القانون و التي مفادها كونه قانون القضاء الإداري، فهذا
راجع إلى المقومات المرتبطة بنشأته في فرنسا على يد مجلس الدولة، و قد أوجدت هذه
الخاصية المبرر بالنسبة لباقي الدول التي سارت في مسار التجربة الفرنسية في ربط
القانون الإداري بالقضاء الإداري نشأة و تطورا، و هذا ما يتجلى في ارتباط هذا الفرع
من القانون العام في كافة دول العالم بوجود القضاء الإداري، كما يتجلى تطوره من
خلال اجتهاد القضاء الإداري، و هو بالمناسبة أكثر منه في باقي فروع القانون
الأخرى، لأن القاضي الإداري غير مقيد في عمله بنصوص بالحجم بالدرجة التي تقيد
القضاء الزجري أو التجاري مثلا.
كما أن أهمية هذه الدراسة لا تستقيم
إلا من خلال المقارنة مع التجارب الأخرى و خاصة التجربة الفرنسية باعتبار هذه
الأخيرة مهد القانون الإداري و المنهل الذي نهلت منه باقي التجارب الأخرى بأشكال
متفاوتة، لذلك سنعتمد في دراستنا هذه على المنهج التاريخي و المنهج المقارن
لارتباط موضوع الدراسة كما بينا سالفا بهذين المنهجين، بحيث يمكننا المنهج
التاريخي من معرفة ظروف نشأة القانون الإداري و تطوره في الوطن العربي من خلال
التجربتين الرائدتين و هما التجربة المصرية و التجربة المغربية، في حين يمكننا
المنهج المقارن من مقاربة هاتين التجربتين فيما بينهما من جهة و بينهما و التجربة
الفرنسية من جهة أخرى.
كما سنحاول في هذه الدراسة الإجابة
على الإشكاليات التالية:
ما هو القانون الإداري؟
كيف نشأ القانون الإداري؟ و كيف تطور في كل من مصر و المغرب؟
إلى أي مدى تأثر القانون الإداري المصري و المغربي بنظيرهما الفرنسي؟
ما هو دور القضاء الإداري في الدولتين في نشأة و تطور هذا القانون؟
و هل ارتبط القانون الإداري فيهما بنشأة القضاء الإداري؟ أم بدأت نشأته قبل
ذلك؟
و
للإجابة على هذه التساؤلات ارتأينا اعتماد الخطة التالية:
المبحث الأول: نشأة القانون الإداري المصري
المطلب الأول: مرحلة ما قبل إحداث
مجلس الدولة
الفرع الأول: مرحلة المحاكم
المختلطة
الفقرة
الأولى: نشاة المحاكم المختلطة
الفقرة
الثانية: التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة
الفرع الثاني: المحاكم الاهلية
الفقرة
الأولى: انشاء المحاكم الاهلية
الفقرة
الثانية: تنظيم المحاكم الاهلية
المطلب الثاني: مرحلة ما بعد إنشاء مجلس الدولة (بعد 1946)
الفرع الأول: مرحلة الاختصاص
المحدد للمجلس
الفقرة
الأولى: مرحلة تثبيت أركان المجلس
الفقرة
الثانية: مرحلة إصلاح المجلس
الفرع الثاني: مرحلة الاختصاص
الشامل للمجلس
الفقرة
الأولى: صدور دستور 1971
الفقرة
الثانية: صدور قانون 47/1972
المبحـث الثاني : نشأة القانون الإداري المغربي
المطلب الأول: مرحلة القضاء الموحد
الفرع الاول: فترةما قبل الاستقلال
الفقرة
الأولى: ما قبل الحماية
الفقرة
الثانية : فتــرة الحمايـة
الفرع الثاني : مرحلة الاستقلال
الفقرة
الأولى: مرحلة إنشاء المجلس الأعلى
الفقرة
الثانية: صدور ظهير التنظيم القضائي
المطلب الثاني : مرحلة القضاء المزدوج
الفرع الاول : اختصاصات المحاكم الإدارية
الفقرة
الأولى: الاختصاصات النوعية للمحكمة الادارية
الفقرة
الثانية : الاختصاص المحلي
الفرع الثاني: تنازع الاختصاصات
الفقرة
الأولى: تنازع الاختصاص النوعي
الفقرة
الثانية: تنازع الاختصاص المحلي
الخاتمة
المبحث الأول: نشأة القانون
الإداري المصري
تعتبر مصر من الدول الرائدة في مجال العلوم
القانونية، و كانت من بين الدول السباقة إلى استلهام التجربة الفرنسية فيما يتعلق
بالقانون و القضاء الإداريين، و قد بلغ ذلك إلى درجة إنشاء مجلس الدولة المصري على
غرار مجلس الدولة الفرنسي، و كان لمجلس الدولة المصري دورا بالغا في نشأة القانون
الإداري المصري من خلال إبداع القواعد و النظريات أو تطوير تلك التي استلهمها من
اجتهادات القضاء الفرنسي، و نظرا لأهمية هذا المجلس ذهب أغلب فقهاء القانون
الإداري سواء في مصر أو خارجها إلى تقسيم مسار القانون الإداري المصري نشأة و
تطورا إلى مرحلتين هي مرحلة ما قبل إحداث مجلس الدولة، و مرحلة ما بعد إحداثه، و
هذا ما سنتناوله في مطلبين متتاليين.
المطلب الأول: مرحلة ما قبل إحداث مجلس
الدولة
و هي الفترة التي تسبق سنة 1946
تاريخ إنشاء مجلس الدولة، و قد عرف التنظيم القضائي المصري في تلك المرحلة نوعان
من المحاكم هي المحاكم المختلطة (الفرع الأول)، و المحاكم الأهلية (الفرع الثاني)
الفرع الأول: مرحلة المحاكم المختلطة
هي نوع من المحاكم كانت موجودة في
مصر قبل سنة 1946 فكان الغرض
منها الفصل في المنازعات التي تثور بين المصريين و الأجانب أو بين هؤلاء الاخيرين
مع بعض إذا كانا مختلفي الجنسية .
الفقرة الأولى: نشاة المحاكم المختلطة
قبل انشاء المحاكم المختلطة في مصر , كانت الدولة متخلفة في مجالات مختلفة بل حتى قانون
الفصل بين السلط لم يكن موجودا انذاك و كانت الادارة غير خاضعة للقانون في كل
تصرفاتها , فكان النظام السائد في مصر تلك الفترة استبداديا
مما اسفر عن التدخل الاجنبي في شؤونها , فتم انشاء نظام
الامتيازات الاجنبية بغرض عدم خضوع الاجانب للنظام المصري من حيث القانون و القضاء
و انما يخضعون لقوانين بلادهم التي كان يقوم بتطبيقها القناصل الاجانب .
استمر
هذا الوضع الى غاية انشاء المحاكم المختلطة سنة 1875 باتفاق بين مصر
و الدول صاحبة الامتيازات للفصل في المنازعات التي تثور
بين المصريين و الاجانب او بين هؤلاء الاخيرين اذا كانا مختلفي الجنسية , حيث ارادت مصر
بهذه الخطوة ان تخفف من غلو نظام الامتيازات الذي يستفيد منه رعايا الدول الاجنبية
.
اما
بالنسبة للجهاز القضائي فقد تربع فيه القضاة على القمة و انقسموا الى اجانب و
مصريين , و لكن مثل الاجانب الاهمية و كان لهم الوضع الخاص و
المتميز ماديا و معنويا , و مع تحكم
بريطانيا في مصر انذاك فقد رغبت ان تكون لها سلطة على تلك المؤسسة الدولية ,
فتدخلت في مسالة تعيين القضاة الاجانب و احتكت بالدول في هذا الشان و طبقت سياستها
على القضاة المصريين اللذين لم يمثلوا دورا رئيسيا في تلك المحاكم نظرا لقلة
العناصر ذات الدراية القانونية الغير كافية .
الفقرة الثانية: التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة
يكشف عن هذه الخطوة اصدار لائحة ترتيب المحاكم
المختلطة التي تعتبر ايضا اول تنظيم لأعمال السلطة القضائية في مصر . و قد تضمنت هذه اللائحة اول قيد قانوني على تصرفات الادارة بما
يخضعها للرقابة القضائية حماية لمصالح الافراد الخاصة .
يعين رؤساء ووكلاء محكمة الاستئناف والمحاكم
الابتدائية لمدة سنة واحدة بمرسوم بناء علي اختيار الجمعية العمومية لمحكمة
الاستئناف بالأغلبية المطلقة ويكون هذا الاختيار فيما يختص بالمحاكم الابتدائية من
قائمة تضعها الجمعية العمومية لكل محكمة بأسماء ثلاثة مرشحين لكل من محكمتي
الاسكندرية والقاهرة واثنين لمحكمة المنصورة وترتب أسماؤهم حسب الحروف الهجائية
وتعين الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف سنويا رؤساء الدوائر بها. وتعين الجمعية
العمومية لمحكمة الاستئناف سنويا أيضا رؤساء الدوائر في المحاكم الابتدائية بناءا
علي ما تعرضه الجمعية العمومية لكل محكمة منها.
والذي نستطيع استخلاصه من تلاوة هذه
المادة هو أن أمر تعيين رئيس محكمة الاستئناف المختلطة لابد أن يكون بموافقة,
واختيار الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف، بل انهم ذهبوا ــ ضمانا لاستقلال
القضاء ــ الي أبعد من هذا، فاشترطوا حتى بالنسبة لتعيين رؤساء المحاكم
الابتدائية, أن يكون أمر تعيينهم وهي موافقة الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف
المختلطة. هذا ما تم الاتفاق عليه، وما سلم به ,وهو في نظر البعض المظهر الأسمى
لاستقلال القضاء، وبذلك احتفظت مصر
بكرامتها . ان اعطاء وزير العدل حق تعيين رئيس محكمة النقض ورئيس محكمة الاستئناف
أمر فيه مساس ظاهر بالاستقلال المرجو للقضاء, لأن هذين المنصبين من أسمي المناصب
القضائية.
و عند عودتنا الى تلك اللائحة و خصوصا المادة الحادية
عشر فهي تنص على انه يجوز للمحاكم المختلطة في الاحوال المنصوص عليها في القانون
المدني المصري ان تحكم في الاعتداءات التي تنشا على اجراءات ادارية تقع على حق
مكتسب لأحد الاجانب و فيما عدا ذلك منعت تلك المادة المحاكم المختلطة من ان تحكم
في املاك الحكومة من حيث الملكية ولا ان تؤول معنى امر يتعلق بالإدارة ولا ان توقف
تنفيذه كما حظرت المادة المذكورة على تلك المحاكم ان تحكم في اعمال الحكومة التي
تباشرها بموجب سلطتها العامة او التي تتخذ بناءا على قوانين و لوائح الادارة
العمومية و تنفيذا لتلك القوانين و اللوائح منعت هذه اللائحة ايضا المحاكم
المختلطة من النظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة في اعمال السيادة .
و تعني هذه النصوص اولا ان جميع الدعاوى المتعلقة باعمال
الادارة تكون من اختصاص القضاء المختلط، طالما أن رافعها من الأجانب، وفي هذه
الحالة يطبق القانون المدني المختلط، وبذلك يكون هذا القانون منطبقا على الحكومة
إذا دخلت في منازعة مع الأفراد .
الفرع الثاني: المحاكم الاهلية
أن
إنشاء هذه المحاكم يعتبر الخطوة الأولى والهامة في بناء القانون الإداري المصري،
حيث تقرر خضوع الإدارة للقانون، والفصل بين نشاطها وبين الجهة التي تحكم في
المنازعات التي تثور عند مباشرة ذلك النشاط.
الفقرة الأولى: انشاء المحاكم الاهلية
انه في يوم 30
ديسمبر 1883 صدر الأمر العالى بإنشاء المحاكم الأهلية فى
مصر، وكان بمثابة نقطة فاصلة فى تاريخ مصر القضائى، وسبقه إنشاء المحاكم المختلطة
فى عام 1875م، فى عهد
الخديوى إسماعيل ووزيره نوبار، بقصد تقليص سلطات المحاكم القنصلية التى كانت تبيح
للأجانب التقاضى أمام القنصليات التابعين لها، وضياع حقوق المتقاضين المصريين..
وفى يوليو 1880 فى عهد حكومة رياض باشا تشكلت لجنة برئاسة وزير الحقانية لإجراء
المطالعات والتحضيرات اللازمة لإنشاء المحاكم الأهلية، ثم جاء الاحتلال البريطانى
فتعطل المشروع ثم استأنفت الحكومة النظر فيه، وشكلت لجنة لمباشرة ترتيب المحاكم
الأهلية، وعمل لائحة نظامها الداخلى واختيار الأشخاص القادرين على شغل مناصب
القضاة.
الفقرة الثانية: تنظيم المحاكم الاهلية
أكدت المذكرة التأسيسية لإنشاء
المحاكم الأهلية على التأسيس بالدول المتمدينة فى وضع حدود بين القوة الإدارية
والقوة القضائية، بحيث لا يجوز لأحدهما أن تتعدى على الأخرى، واقترحت المذكرة وضع
حدود لاختصاص كل من المحاكم النظامية والشرعية، وأن تختص المحاكم الشرعية بالنظر
فى الأحوال الشخصية، وتختص المحاكم النظامية بالنظر فى القضايا المدنية والتجارية والجنائية، حتى تتلافى
تكرار نظرها أمام المحكمتين كما هو حاصل بما فيها مواد القتل، لأنه إن لم يثبت
القتل شرعا لدى المحاكم الشرعية وصدور الحكم ببراءة المتهم: فالقضية تنظر ثانيا
أمام المحاكم النظامية، وربما يحكم على المتهم بالأشغال الشاقة لثبوت الجناية .
أما عن
اختيار القضاة من ذوى اللياقة والاستغلال فى الرأي: فقد تبين أن عدد الذين درسوا
القوانين قليل، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، ويلزم أن تؤخذ الاحتياطات السديدة
فى انتخاب زيادة عن باقى مأمورى الحكومة، فإن المأمورين لهم رئيس يستصدرون منه
الأوامر ويسترشدون منه، أما القضاة فلا يمكن إعطاؤهم أى تعليمات، ولهذا يلزم أن
يكونوا أكثر معرفة ودراية من مأمورى الإدارة، ولأجل إجراء الانتخاب بأحسن كيفية:
يلزم حصوله بواسطة قومسيون "لجنة" تعينها الحكومة، ولا يتم التعيين إلا
بتصديق من مجلس النظار.
هذا من
جهة الاستعداد، أما من جهة الاستقلال فى الرأى فعلى فرض وجوده طبعًا عزيزيا فى
الأهالى، فإنه يلزم أن يكون مرتب القاضى كافيا له، وأن يكون آمنا على نفسه وعلى
معاشه وعلى مسكنه ولو استحصل على جميع ذلك، فيلزم أن يكون استقلال رأيه مقرونا
بالعلم والاستعداد والخبرة، وإلا فيكون الاستقلال المذكور مضرا لا نافعا، وفى
الحالة التى عليها مصر الآن، مع عدم تضرر الأهالى وتعودهم على القضاء، إن سلمنا
بوجود استقلال الرأى: فلا نضمن اقترانه بالاستعداد الكافى فى جميع من يصير انتخابه
من الأعضاء، ولذلك فيلزم لمدة ما تدريب القضاة وتمرينهم حتى يمكنهم أن يقومون فيما
بعد بأعباء وظائفهم بأنفسهم.
وبما أنه
لا يتأتى إيجاد "مستشارين" للمحاكم لعدم جواز إعطاء تعليمات أو إرشادات
للقضاة: فيتحتم حينئذ تعيين أشخاص لهم دراية بعلم القوانين، عالمين بطباع الأهالى،
عارفين بلسانهم يدرجون ضمن أعضاء المحاكم، ويكونون موجودين معهم بالمحكمة، ولهم
رأى مثلهم، يمكن المجادلة والمناقشة فيه فيما بينهم، ويمكن الوصول إلى هذا الغرض
بأخذ بعض الأهالى الذين مكنوا مدة فى المحاكم المختلطة، ومن الأفندية الذين تحصلوا
على علم القوانين بأوروبا، وبعض الأوروبيين الموجودين بالقطر المصرى العارفين
بالقوانين وبلغة البلد وعوائد الأهالى، وإذا تحسن أيضا فيصير انتخاب بعض من القضاة
الأجانب الموجودين بالمحاكم المختلطة، لما لهم من التمرن على طباع وعادات الأهالى،
ويصير تعيينهم فى الدرجات العليا.
وبذلك
تكون الحكومة أجرت عملًا مؤيدًا لثروة رعاياها، مؤيدا لتقدم القطر و عماريته، هذا ولإدخال الأجانب فى المحاكم
الأهلية ميزة أخرى، وهى أن المحاكم المختلطة هى محاكم استثنائية و ايجادها ما كان
إلا لعدم وجود محاكم أهلية يمكن تطمين الأوروبيين بها، و الاستحصال على ثقتهم
لكفاءتها وحقانيتها.
المطلب الثاني: مرحلة ما بعد إنشاء مجلس
الدولة (بعد 1946)
في الوقت الذي اعتبر بعض الفقه أن
القانون الإداري في مصر بدأ مع المحاكم المختلطة و الأهلية ، اعتبر جانب آخر من
الفقه أن مبادئ القانون الإداري لم تنشأ حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد
إنشاءه عام 1946.([2])
و
على هذا الأساس يمكن تناول مرحلة ما بعد 1946 من خلال فرعين: الفرع الأول مرحلة الاختصاص المحدد للمجلس، و الفرع الثاني: مرحلة الاختصاص الشامل
للمجلس أو الولاية العامة للمجلس.
الفرع الأول: مرحلة الاختصاص المحدد
للمجلس
و
تمتد من التأسيس إلى 1972، و تنقسم بدورها لمرحلتين، مرحلة تثبيت أركان المجلس من
1946 إلى 1949 (الفقرة الأولى) ثم مرحلة إصلاحه و تمتد من 1949 إلى 1971 (الفقرة
الثانية).
الفقرة الأولى: مرحلة تثبيت أركان المجلس
يعتبر
إنشاء مجلس الدولة المصري منعطفا هاما في التنظيم القضائي المصري، بحيث شكل ذلك
انتقال النظام القضائي في هذا البلد من القضاء الموحد إلى القضاء المزدوج، و دشن
بذلك ميلاد القضاء الإداري.
فكما اعتبر إنشاء المحاكم المختلطة عام 1875
والمحاكم الأهلية عام 1883 فاتحة عهد قضائي جديد في مصر، اعتبر قانون إنشاء مجلس
الدولة في عام 1946 نقطة تحول هامة في هذا العهد سواء في ميدان القضاء أو في عالم
القانون.
و
لقد جاءت مبادرة إنشاء المجلس في سياق رفض استمرار إخضاع المنازعات الإدارية
للقضاء العادي سواء من طرف الفقهاء أو المواطنين، فارتفعت أصوات هؤلاء مطالبة
بضرورة إجراء إصلاح قضائي من خلال إنشاء قضاء إداري يتولى التصدي للقضايا الإدارية
طبقا للمبادئ التي أرساها مجلس الدولة الفرنسي، ويعمل على اكتمال بناء القانون
الإداري وتطور قواعده، خاصة بعد فشل المحاولات السابقة في 1879 و 1883([3]).
وقد
استجاب المشرع المصري لتلك الرغبات بإنشاء مجلس الدولة مقتديا إلى حد كبير بالنظام
الفرنسي بمقتضى القانون رقم 112 لعام 1946، الذي منح مجلس
الدولة اختصاصات استشارية وقضائية، وجعل محكمة القضاء الإداري الجهة المختصة
بالفصل قضائيا في المنازعات الإدارية، غير أنه لم يمنح القضاء الإداري اختصاصاً
عاماً في نظر المنازعات الإدارية، و إنما اختصه بمسائل معينة، و مع ذلك يلاحظ أن
النصوص المحددة لاختصاص المجلس شملت في الواقع معظم المنازعات الإدارية([4])، وظلت المحاكم
العامة ذات اختصاص عام بالنسبة للمنازعات الإدارية وأصبح القضاء الإداري مختصاً
بجزء من تلك المنازعات.
الفقرة الثانية: مرحلة
إصلاح المجلس
لقد
أعيد تنظيم مجلس الدولة بالقانون رقم 9 لعام 1949، و بمقتضاه اتسعت الاختصاصات
القضائية للمجلس ـ بحيث اختصت محكمة القضاء الإداري في الفصل في المنازعات الخاصة
بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريدات ـ غير أن تلك الاختصاصات ظلت محددة على
سبيل الحصر ([5]).
و
بصدور القانون رقم 165 لسنة 1955، اتسع الاختصاص القضائي لمجلس الدولة ([6])، حيث أصبح
مختصاً بالمنازعات المتعلقة بكافة العقود الإدارية، ورغم أن تلك المنازعات تشكل
الجانب الأكبر من المنازعات الإدارية إلا أن القضاء الإداري ظل صاحب اختصاص محدود.
ثم ألغي هذا القانون بمقتضى القانون رقم 55 لعام
1959 الذي أعاد تنظيم مجلس الدولة بمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة.
والواقع
أن مجلس الدولة المصري منذ إنشائه بالقانون رقم 112 لعام 1946 وإعادة تنظيمه
بالقوانين المتعاقبة، قد أثبت قدرة فائقة على استيعاب المشاكل الإدارية وخلق
الحلول الملائمة لها، وتوفير المزيد من ضمانات سيادة القانون، وإجبار الأفراد على
احترامه وتطبيق قواعده تطبيقاً سليما مقتفيا في ذلك اثر القضاء الإداري الفرنسي
والتطور الذي وصل إليه القانون الإداري هناك، فعمل بذلك على إنشاء القانون الإداري
وترسيخ مبادئه وتطوير قواعده، كاشفا عن استقلال القضاء الإداري وتحرره من قيود
القانون المدني.
وقامت
المحكمة الإدارية العليا ـ و هي أعلى محكمة بالقسم القضائي لمجلس الدولة
المصري([7])ـ بدور رئيسي في بناء قواعد القانون
الإداري وتأصيل مبادئه وإرساء نظرياته، و تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وسلطة
التقدير المتروكة للإدارة، وتحديد مفاهيم القانون الإداري.
ورغم
القوانين المتعاقبة الخاصة بمجلس الدولة والتي كانت تعمل على إعادة تنظيمه وتوسيع
اختصاص القضاء الإداري، وقصر الاختصاص بنظر الكثير من المنازعات الإدارية عليه بعد
أن كان مشتركا بينه وبين القضاء العادي، إلا أن الولاية العامة في نظر المنازعات
الإدارية كانت معقودة للقضاء العادي، وكان اختصاص القضاء الإداري استثناء من
القاعدة العامة المقررة للقضاء العادي، أي أن اختصاص مجلس الدولة ظل حتى قانونه
الصادر عام 1959 واردا على سبيل الحصر([8]). و إذا كان
المجلس قد توسع في تفسير النصوص المقررة لاختصاصه بما يخضع المزيد من التصرفات
الإدارية لرقابته، إلا أنه ظل غير مختص بنظر جميع المنازعات الإدارية.
الفرع الثاني: مرحلة الاختصاص الشامل
للمجلس
دشنت
هذه المرحلة مع دستور جمهورية مصر العربية عام 1971 (الفقرة الأولى) و توجت بصدور
القانون رقم 47/1972 (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: صدور دستور 1971
اعتبر الدستور الصادر في 11 شتنبر
1971 حاسما في موضوعات
شغلت بال الفقه سنين طوال بإسناد الولاية العامة في نظر المنازعات الإدارية للقضاء
الإداري ([9])، وبذلك يكون
هذا التطور طبيعيا وتستقيم الأمور وتزول الخلافات بين جهتي القضاء ويصبح القاضي
الإداري قاضيا للقانون العام، و يتجلى ذلك في نص المادة 172 من الدستور التي نصت
على أن: " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات
الإدارية والدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى" ([10])، و بذلك أصبح
مجلس الدولة ركيزة قضائية لصالح الأفراد يحميهم من بطش الإدارة و تعسفها ([11]).
الفقرة الثانية: صدور قانون 47/1972
في ظل دستور 1971، صدر قانون مجلس الدولة رقم 47 من عام 1972 حيث قرر في
البند 14 من المادة 10 منه اختصاص مجلس الدولة دون غيره بالفصل في سائر المنازعات
الإدارية، و بذلك يكون هذا القانون قد أكمل صرح القضاء الإداري المصري الذي برع في
ابتداع الحلول و النظريات التي توازن بين المصلحة العامة و مصلحة الفرد([12]).
وهذا التطور في التشريع كان من شانه
أن جعل القانون الإداري متطورا وايجابيا لكي يسد احتياجات الإدارة ويواكب التطورات
السريعة والمستجدة في النشاط الإداري للدولة، خاصة و أن المادة 10 من القانون
المذكور قد نصت على العديد من الاختصاصات التي اختصت بها محاكم مجلس الدولة كالنظر
في:
-
الطلبات
التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن فى القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في
الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات.([15])
-
الطلبات
التى يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع
أو فصلهم بغير الطريق التأديبى([16]) .
المبحـث الثاني : نشأة القانون الإداري المغربي
للقانون
الإداري مكانة خاصة في تحديد النظام البنيوي للدولة المغربية، فالإدارة المغربية
عرفت منذ بداية القرن التاسع عشر تطورات سواء في هيكلتها و قواعد تسييرها أو في
علاقتها مع الأفراد، و هذه التطورات جعلت القانون المطبق على الإدارة يعرف هو
الآخر عدة تطورات و ذلك عن طريق الاجتهاد القضائي، لذلك سنحاول الجواب عن سؤال
نشأة القانون الإداري المغربي من خلال مرحلتين أساسيتين و هما مرحلة القضاء الموحد
(المطلب الأول) و مرحلة القضاء المزدوج (المطلب الثاني)
المطلب
الأول: مرحلة القضاء الموحد
بدأ
العمل بنظام القضاء الموحد في المغرب قبل الاستقلال ( الفرع الأول) و استمر العمل
به ما بعد الاستقلال (الفرع الثاني)
الفرع الاول: مرحلة ما قبل
الاستقلال
نشأة
هذا القانون الإداري في المملكة المغربية ماقبل الاستقلال، تقتضي ضرورة التمييز ما
بين مرحلتين أساسيتين: مرحلة ما قبل الحماية –أي فترة الاعتماد على التشريع
الإسلامي- (الفقرة الأولى)، ومرحلة الحماية التي تميزت أساسا
بتطور مهم في الترسانة القانونية المنظمة للإدارة المغربية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ما قبل الحماية
نجد ان
ما قبل الحماية أي ما قبل سنة 1912 كانت الإدارة المغربية تقوم بوظائف
التنفيذ والتشريع معا، حيث انه لم يكن هناك مبدأ الفصل بين السلطات ولم يكن لاحد
ان يطعن في تصرفاتها، اما الباب الوحيد الذي كان جائزا للمواطنين اذا اصاب
احد جور من عمال المملكة، فهو ان يتقدم بتظلم الى وزير الشكايات الذي اختص
بالمادة الإدارية من خلال:
-
فحص الشطط
في استعمال السلطة.
-
مراقبة الإدارة
المالية لمختلف القياد
-
النظر في
الشكايات الوافدة من المستفيدين من الاعتمادات المالية.
-
نظارة
الأوقاف.
-
سلطة
التنفيذ الإحتياطي.
وحاصل القول أن المغرب عرف ما قبل
الحماية نظاما إداريا بأجهزته المتنوعة، وكان لهذه الأجهزة من دون شك قانون
يحكمها, قواعده مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية, والعادات المنبثقة عن الواقع,
ولكنه لم يكن في وقت من الأوقات قانونا ذي قواعد متميزة على غرار القانون الإداري
الفرنسي، غير أن انعدام الشبه بين القانون المطبق على الإدارة المغربية وقتها و
بين القانون الإداري كما هو معروف, لا ينتقض من قيمة القواعد المغربية قيد أنملة،
كما لم تكن الإدارة الإسلامية إدارة مختلة بل كانت إدارة عادلة إلى حد كبير، مع
بعض التفاوت حسب الحقب و الفترات.
غير أنه مادام القانون الإداري يرتبط نشأة بوجود قضاء إداري، وهو ما لم يتوفر في
المغرب ما قبل الحماية, فلم يوجد تبعا لذلك قانون إداري بالمعنى المتعارف عليه.
الفقرة الثانية : فتــرة الحمايـة
بإعلانها الحماية على المغرب في 30
مارس 1912، قامت فرنسا بعدة إصلاحات تخدم مصالحها، وبالنسبة للمجال الإداري فقد
قامت بإنشاء محاكم فرنسية تختص بالنظر في بعض القضايا الإدارية طبقا للفصل الثاني
من ظهير 12 غشت سنة 1913، ولم ير مشرع الحماية آنذاك ضرورة إحداث قضاء إداري متخصص
رغم أنه أخد بازدواجية القانون، والسبب في ذلك يرجع إلى أن النزاعات الإدارية التي
كانت تحدث آنذاك كانت تتصف بالبساطة وعدم التعقيد، فهي بذلك لم تكن تؤثر على الإدارة
باستثناء المنازعات الإدارية المتعلقة بصفقات الدولة والأشغال العمومية والمسؤولية
الإدارية. وهذه المنازعات الإدارية المتعلقة بهذه الميادين قد أوكل مشرع الحماية
حق النظر فيها إلى المحاكم الفرنسية بالمغرب، وذلك حماية للامتيازات الأجنبية فيه.
ففيما يخص هده المرحلة و التي تمتد
من سنة 1912 إلى غاية 1956 كانت الحلول
التي يعطيها القاضي للمنازعات الإدارية تجد مصدرها الأساسي في القانون الإداري
الفرنسي ولاسيما في اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي،فلم يتميز قاضي الإدارة المغربية
أثناء هده الحقبة بأي اجتهاد يذكر . لقد وضعت المادة 8 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي مبادئ
القضاء الإداري المبنية على أساس مبدأ فصل السلطات الإدارية و القضائية ذي الأصل
الفرنسي و بما أن تدخل الإدارة سيتزايد بحكم اقتحامها لمختلف المجالات فإن هذا
سيكشف ثغرات أساسية يتضمنها النظام القضائي خلال مرحلة الحماية، و التي تتجلى
أساسا في انعدام دعوى الشطط في استعمال السلطة .[26]
و على العموم يمكن اعتبار أن المادة
الإدارية في ظل الحماية جاءت في ظل الظهير الخاص بالتنظيم القضائي المؤرخ في 12
غشت 1913، حيث جاء الفصل 8 منه بتحديد بعض اختصاصات المحاكم العصرية في المادة
الإدارية، و اختصها بالنظر في الدعاوى التي تهدف إلى تقرير مديونية الدولة
والإدارات العمومية، إما بسبب تنفيذ العقود التي تبرمها وإما بسبب الأشغال التي
تأمر بها، و في الدعاوى المرتبطة بالأعمال الصادرة عن الدولة، و الدعاوى المرفوعة
من الإدارات العامة على الأفراد.
و يمثل الإدارات العمومية قانونا
أمام القضاء أحد موظفيها ...." نستنتج من هدا الفصل من جهة أولى أنه يمنع على
المحاكم القضائية أن تتدخل في الوظيفة الإدارية لأن دلك من شأنه عرقلة مهامها تبعا
لمقولة " أن تحكم على الإدارة يعني أن تدير". ومن جهة ثانية يمنع على
رجال الإدارة التدخل في الوظيفة القضائية لأن القاضي المختص في المادة الإدارية هو
القاضي الإداري.
لقد تمت صياغة عدة نصوص قانونية إلى
جانب ظهير التنظيم القضائي لسنة 1913 والتي تتجلى لنا من خلالها الطبيعة الإدارية
المحضة للمنازعات التي تنظر فيها المحاكم العادية ونخص بالذكر في هدا الإطار :
الفصل 17 من ظهير 1913 لقانون
المسطرة المدنية.
الفصل 96 من ظهير 12 غت 1913 المتعلق
بالتحفيظ العقاري
قضاء نزع الملكية لسنتي 1914 و 1951
قضاء المعاشات لسنة 1930
إن هده النصوص وغيرها التي تمت
صياغتها خلال فترة الحماية ستتطور بعد الاستقلال خصوصا مع إنشاء المجلس الأعلى و
إحداث المحاكم الإدارية.
الفرع الثاني : مرحلة
الاستقلال
إن نشأة
القانون الإداري في المملكة المغربية بعد الاستقلال، تقتضي ضرورة التمييز ما بين
مرحلتين جوهريتين في عمر القانون و القضاء الإداريين : مرحلة إحداث المجلس الأعلى–
أي فترة التأسيس الفعلي لقضاء إداري وطني-، ومرحلة إحداث المحاكم الإدارية التي
توجت التطور الذي عرفة القانون و القضاء الإداريين.
و حيث أننا خصصنا ضمن هذا المبحث
مطلبا خاصا بالمحاكم الإدارية فإننا سنركز في هذا الفرع على إحداث المجلس الأعلى سنة 1957 الذي يعتبر الانطلاقة الحقيقية للقانون
الإداري ومبادئه (الفقرة الأولى) و التي
ترسخت بصدور ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974.
الفقرة الأولى: مرحلة إنشاء المجلس الأعلى
امتدت
هده المرحلة في الفترة ما بين سنة 1957 إنشاء المجلس الاعلى الى سنة 1974 تريخ
صدور ظهير التنظيم القضائي.
تم إحداث المجلس الأعلى غداة
الاستقلال بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 كأعلى جهاز قضائي و لقد اختص في المادة الإدارية من خلال نظره في المسائل المتعلقة بالطعون بالنقض ضد الأحكام
الصادرة في القضايا التي يكون احد أطرافها شخص معنوي عام، و الطعون الموجهة ضد
مقررات السلطة الإدارية للشطط في استعمال السلطة.
و يبقى
هدا الاختصاص نسبي طالما ان المشرع أجاز لأي غرفة النظر في اختصاص الغرفة الأخرى.
و لقد
اتسمت هذه المرحلة ببذل جهود من أجل خلق قانون إداري له ذاتيته الخاصة و المستقلة.
و في إرساء الدور الكبير الذي لعبه بواسطة نظرياته و مبادئه العامة، كما لا
ينبغي أن ننسى خاصة دور المشرع المغربي و الفقهاء في وضع مقوماته و أسسه
العامة تنظيرا لبزوغ كينونته كقانون إداري مستقل محض.
الفقرة الثانية: صدور ظهير التنظيم القضائي
بمقتضى
التنظيم القضائي للمملكة الذي تم بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 33.74 1 بتاريخ
15 يوليوز 1974 أصبحت المحاكم العادية (الابتدائية و
الاستئنافية) ذات اختصاص عام بدعاوى المسؤولية الإدارية، وكافة الدعاوى المقامة
على الإدارة والتي لا ترمي إلى إلغاء قرار إداري وعمل قاضي الإدارة المغربي
في ظل قضاء موحد عضويا، و ازدواجية في القانون المطبق.
و بقيت المنازعات الإدارية المتعلقة بالتعويض
تنظر فيها المحاكم الإقليمية بصفة ابتدائية و تستأنف أمام محاكم الاستئناف و يطعن
فيها بالنقض أمام المجلس الأعلى أما المنازعات الإدارية المتعلقة بالإلغاء لعدم
المشروعية فتبقى من اختصاص المجلس الأعلى.
المطلب
الثاني : مرحلة القضاء المزدوج
عرفت هذه المرحة انطلاقتها
بإنشاء المحاكم الإدارية، وذلك بالقانون رقم 41.90. وكذا بإنشاء محاكم الاستئناف الإدارية
بالقانون رقم 80.03 لسنة 2006، كتعبير صادق عن الأوضاع السائدة بالمغرب ([28])، و كنتيجة لمجموعة من العوامل
الداخلية و الخارجية التي بلورت قضاء إداري قصد فرض و تعميم المشروعية و حماية
الحقوق[29].
فالمحاكم الإدارية أحدثت لتتولى النظر في
القضايا التي تكون الإدارة أو أحد الأشخاص العمومية طرفا فيها ، وقد ظهرت نتيجة
توافر مجموعة من الأسباب والعوامل سواء منها الداخلية المتمثلة في كبح جماح
الإدارة وإرغامها عن طريق الرقابة القضائية بعدم الخروج عن أحكام القانون بإصدار
قرارات جائرة أو التهرب من تنفيذ القرارات القضائية وبذلك يمكن تكريس دولة الحق
والقانون، أو الخارجية التي يمكن إيجازها
في استجابة المغرب للحملة الدولية المتعلقة بالمناداة باحترام حقوق الإنسان[30]، بخلق جهاز قضائي يتكيف مع الشروط التي تفرضها المعاملات، وجاءت أيضا
كنتاج للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب الملك الحسن الثاني بتاريخ 8 ماي 1990
وهكذا رأى القانون المحدث لهذه المحاكم النور بعد مصادقة مجلس النواب عليه في
دورة يوليوز1991 . هذا الى جانب اعتبار خضوع الدولة لحكم القانون ، بتقرير جزاء
البطلان أو الانعدام بالنسبة لتصرفات الإدارة المخالفة للقانون، أو تعويض الضرر
إذا لم يكن ممكنا إعادة الحال الى ما كانت عليه من أهم الضمانات التي تقر لحماية
حقوق الأفراد[31]
ولا يمكن أن يقوم بهذه الوظيفة إلا القضاء الإداري الذي يقوم بدور الرقابة على أعمال
الإدارة كوسيلة أساسية لتأكيد المشروعية وسيادة القانون وحماية الأفراد والجماعات
وحرياتهم . وهكذا إذن أصبحت بموجبه هذه المحاكم مختصة بالدعاوى الإدارية،
الالغاء والتعويض، وساعد المناخ السياسي الذي واكب إحداثها، بل و مهد ذلك، إضافة
على جرأة و تكوين رجالها, على إعطائها قدرة أكبر على الخلق و الإبداع،
و لإبراز دور المحاكم الإدارية
في تطور المادة الإدارية بالمغرب، ارتأينا أن نتناول اختصاصاتها في الفرع الأول،
ثم تنازع هذه الاختصاصات في الفرع الثاني.
الفرع الأول :
اختصاصات المحاكم الإدارية
تنقسم اختصاصات المحاكم الإدارية إلى
اختصاصات نوعية (الفقرة الأولى) و أخرى محلية (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الاختصاصات النوعية للمحكمة الادارية
حددت
المادة 8 من قانون انشاء المحاكم الادارية و التي جاء فيها انه تختص المحاكم
الادارية مع مراعاة المادين 9 و 11 من القانون المذكور بالبث ابتدائيا :
-
في طلبات
الغاء قرارات السلطة الادارية بسبب تجاوز استعمال السلطة.
-
في
النزاعات المتعلقة بالعقود الادارية .
-
دعاوي
التعويض عن الاضرار انشطة اشخاص القانون العام معدا الأضرار التي تسببها مركبات
اشخاص العامة في الطريق العام "
-
النظر في
المنازعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالمعاشات ،
منح الوفيات المستحقة للعاملين
-
فيما يتعلق
بمرافق الدولة و الجماعات و المؤسسات العامة
-
النصوص
التشريعية المتعلقة بانتخابات و الضرائب و نزع الملكية
-
البت في
الدعاوي المتعلقة بالتحصيل ديون المستحقة للخزينة العامة.
-
اما
بالنسبة للمحكمة الإدارية بالرباط فقد اوكل لها المشرع بالإضافة الى الاختصاصات
العامة الواردة في المادة 8
-
حق
النظر في المنازعات المعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعيين بظهير شريف او
مرسوم .
-
النزاعات
الراجعة الى المحاكم الادارية التي تنشا خارج دوائر الاختصاص وفقا للمادة 11
من القانون المحدث لها ، وتعد استثناء وارد للمادة 8 من القانون المذكور [32]
الفقرة الثانية : الاختصاص المحلي
الاختصاص
المحلي للمحاكم الإدارية يقصد به صلاحية تلك المحاكم في الفصل في الدعاوى بناء على
أساس جغرافي تحقيقا لمصالح الخصوم و لتقريب القضاء من المتقاضين، و يتحدد هذا
الاختصاص وفق قواعد و فصول المسطرة المدنية المنصوص عليها في الفصول من 27 الى
الفصل 30، و المتمثلة في الموطن الحقيقي أو الموطن المختار أو محل الإقامة للمدعى
عليه، و ذلك ما لم يوجد نص بخلاف ذلك.
هذا و
قد قرر المشرع بالنسبة للاختصاص المحلي للمحاكم الإدارية استثناءات([33]) نظرا لتميز المادة
الإدارية ببعض الخصوصيات لا سيما إذا كانت الإدارة هي المدعى عليها، و في هذا
الصدد أقر المشرع على أن ترفع طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إلى المحكمة
الإدارية التي يوجد بها موطن الإلغاء([34])، و أن تختص المحكمة الإدارية بالرباط
بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو
مرسوم، و بالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر
اختصاص جميع هذه المحاكم([35]).
الفرع الثاني: تنازع
الاختصاصات
و تنقسم بدورها إلى تنازع في
الاختصاصات النوعية (الفقرة الأولى) و تنازع في الاختصاصات المحلية (الفقرة
الثانية)
الفقرة الأولى: تنازع الاختصاص النوعي
التنازع في هذه الحالة يكون
بين جهتين قضائيتين مختلفتين هما القضاء الإداري و القضاء العادي، و قد يكون
التنازع إيجابيا أو سلبيا، فيكون إيجابيا عندما تتشبث كل جهة قضائية بأنها صاحبة
الاختصاص للنظر في الدعوى المعروضة عليها، و يكون سلبيا عندما تقضي كل جهة بعد
اختصاصها.
فإذا كانت بعض الأنظمة
القضائية تتوفر على محاكم للتنازع كما هو الشأن في فرنسا، فإن النظام القضائي
المغربي قد اختص المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بالنظر في الاختصاص النوعية
بين المحاكم الإدارية و المحاكم العادية، و قد أثير تنازع الاختصاص النوعي في
المغرب بالتزامن مع إحداث المحاكم الإدارية، ففي ظل نظام وحدة القضاء ببلادنا لم
يكن للدفع بعدم الاختصاص النوعي سوى وظيفة ثانوية أو احتياطية (30) .
الفقرة الثانية: تنازع الاختصاص المحلي
و يحصل هذا التنازع بين
محكمتين تنتميان إلى نفس الجهة القضائية، كأن تتنازع محكمتين إداريتين سلبا أو
إيجابا حول قضية ما، فيعود اختصاص الحسم في هذا التنازع لمحاكم الاستئناف الإدارية
إذا كانت المحكمتين المتنازعتين مشتركتين في المحكمة الأعلى درجة/محكمة الاستئناف
الإدارية، و يعود اختصاص الحسم في التنازع إلى محكمة النقض إذا كانت المحكمتين
تنتميان إلى محكمتين استئنافيتين مختلفتين.
و تجدر الإشارة أن الخريطة
القضائية الإدارية المغربية حاليا تضم محكمتين استنافيتين إداريتيتن هما:
محكمة الاستئناف الإداري بالرباط تتفرع عنها محاكم
إدارية في كل من الرباط، الدار البيضاء، فاس، مكناس، و وجدة.
محكمة الاستئناف الإداري بمراكش و تتفرع عنها
محكمة إدارية بمراكش و محكمة إدارية بأكادير.
الخاتمة
يتضح من خلال هذه الدراسة
الموجزة، أن القانون الإداري رغم حداثة نشأته على المستوى العربي مقارنة بدول أخرى
خاصة منها الأوروبية التي كانت فرنسا سباقة إلى وضع أسس هذا الفرع من القانون
العام، بحيث لم تعرف الدول العربية المادة الإدارية إلا مع مطلع القرن 20، متأثرة
في ذلك و بشكل ملحوظ بالمدرسة الفرنسية، إلا أن جذور هذه المادة في العالم العربي
تعود إلى عدة قرون و بالضبط في البدايات الأولى للإسلام، هذا المناخ الإسلامي يعود
له الفضل في خلق العديد من القواعد التي تحكم النزاعات الناشئة بين المواطنين و
أجهزة الدولة المختلفة
لكن مع دخول الدول العربية
تحت نير الاستعمار، عرفت المادة الإدارية فيها منعطفا تاريخيا تمثل في استلهام
المادة الإدارية الأجنبية و محاولة توفيقها مع أحكام الشريعة الإسلامية و خصوصية
الشعوب العربية الإسلامية المنفتحة على الأديان و الثقافات و القوميات التي تشكل
مكونات الأمة، و رغم خوض كل دولة مسارا متمايزا عن الأخرى، كما رأينا في التجربة
المغربية و المصرية موضوع هذه الدراسة، إلا أن الطابع الغالب على المادة الإدارية
في البلدين اتسمت بالتشابه من خلال اعتماد نظام القضاء الإداري المتخصص ضمن القضاء
المزدوج، و تميز القانون الإداري في البلدين أيضا بالتطور المستمر من خلال نصوص قانونية أطرت كل مرحلة من مراحل
هذا التطور، و كانت نتيجة ذلك كله هو ترسيخ تنظيم قضائي متين واضح المعالم و
الاختصاصات و منفتح على اجتهادات القاضي الإداري الشيء الذي أصبح ينبأ باستقلالية
المادة الإدارية في كل من مصر و المغرب و لو بدرجات متفاوتة، رغم أن نشأتها لم تكن
مستقلة كما بيننا في مضمون هذا الدراسة.
كما أن التنظيم القضائي في
الدولتين رغم التشابه العميق الذي يصبغه، إلا أننا وقفنا على بعض التمايزات من حيث
طبيعته، فالقضاء المصري تبنى نظام القضاء المزدوج على غرار فرنسا، أي ما يسمى
بالمدرسة الفرانكوفونية المرتكز على محاكم إدارية يشكل مجلس الدولة محكمة عليا
لها، في حين اعتمد المغرب نظاما قد يكون استثنائيا لاعتماده على قاعدة الازدواجية
بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى و الثانية و موحدا على مستوى المحكمة العليا و
المتمثلة في محكمة النقض التي تختص بالنظر في الطعون المقدمة ضد أحكام المحاكم
العادية و الإدارية معا، و هو الشيء الذي دفع بعض الفقهاء إلى اعتبار النظام
القضائي المغربي لا هو بالموحد و لا هو بالمزدوج، و إنما نظاما شبه مزدوج.
قائمة المراجع
-
القانون
رقم 112 لسنة 1946 المتعلق بإنشاء مجلس الدولة المصري
-
القانون
رقم 9 لعام 1949 الخاص بمجلس الدولة المصري
-
القانون
رقم 165 لسنة 1955 الخاص بمجلس الدولة المصري
-
القانون رقم 55 لعام
1959 الخاص بمجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة
-
الدستور
المصري لسنة 1971
-
القانون
رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة
-
الدستور
المصري لسنة 2014
-
القانون
رقم 1.57.223 منشور بالجريدة الرسمية 2347 .
-
القانون
رقم 3.64 يتعلق بتوحيد المحاكم منشور بالجريدة الرسمية عدد 2727.
-
محمد
الشافعي أبوراس، القانون الإداري، مركز التعليم المفتوح، http://olc.bu.edu.eg/olc/images/213.pdf
-
ثروت
بدوي، مبادئ القانون الإداري: أصول القانون الإداري و أسسه و خصائصه، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1966.
-
محمد
فؤاد مهنا، مبادئ و أحكام القانون الإداري، مؤسسة شباب الجامعة، 1973 القاهرة.
-
عيد
مسعود الجهني، القضاء الإداري و تطبيقاته في المملكة العربية السعودية، ط الأولى
1984.
-
سليمان
الطماوي، القضاء الإداري: الكتاب الأول قضاء الإلغاء،دار الفكر العربي، 1976.
-
المستشار
نبيل ميرهم رئيس مجلس الدولة، دليل القاضي الإداري، مجلس الدولة المصري
http://www.idlo.org/publications/Benchbook_judiciary_procedures.pdf
-
محمود
علي أحمد مدني من هيئة مفوضي الدولة، الإدارة الناجحة عامل رئيسي في تطوير قضاء
مجلس الدولة، الدورية العلمية المتخصصة، مركز الدراسات و البحوث بمجلس الدولة المصري،
العدد الأول، مارس 2015. http://ecs.eg/ResearchCenter
-
ادريس
العلوي العبدلاوي " المدخل لدراسة القانون الجزء الاول نظرية القانون الطبعة
الثانية سنة 1975 ص 522
-
عبد
القادر بيانة " المختصر في القانون الاداري المغربي " الطبعة الاولى
1985 رقم الايداع القانوني 68/1985
-
ادريس
البصري – ميشال روسي – " القانون الاداري المغربي " الطبعة
الاولى 1988 المترجم عن الطبعة الرابعة للنص الفرنسي
-
مليكة
الصروخ " القانون الاداري دراسة مقارنة " الطبعة الثانية سنة 1992
-
عبد
الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة و الوراقة الوطنية،
2003.
-
الجيلالي
أمزيد، مباحث في مستجدات القضاء الإداري، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية
و التنمية، الطبعة الأولى، 2003.
-
عبد
القادر مساعد، القضاء الإداري المغربي ضمانة للحقوق و الحريات، أطروحة لنيل
الدكتوراة في القانون العام، 1998-1999.
-
المنتصر
الداودي، الإشكاليات القانونية و الواقعية في اختصاص القضاء الإداري، 2005.
([1]) د. محمد الشافعي أبوراس،
القانون الإداري، مركز التعليم المفتوح، ص 23 و 24. http://olc.bu.edu.eg/olc/images/213.pdf
([2]) د. ثروت بدوي، مبادئ القانون الإداري: أصول
القانون الإداري و أسسه و خصائصه، دار النهضة العربية، القاهرة، 1966، ص 81.
([3]) يتعلق
الأمر بمجلس شورى الحكومة الذي صدر القرار بتأسيسه يوم 23 أبريل/نيسان 1879
للمعاونة في مشروعات القوانين وإبداء الرأي في المسائل القانونية المتعلقة
بالمنفعة العامة والفصل في النزاعات الإدارية، غير أن هذه التجربة لم يكتب لها
النجاح ، و قد عاد إلى الوجود بمقتضى القانون النظامي لسنة 1883 ليتم إلغائه في
غضون سنة. و هناك من الفقهاء من يعتبر مجلس الدولة الحالي امتدادا لهذا
المجلس.راجع في ذلك المستشار محمود علي أحمد مدني من هيئة مفوضي الدولة، الإدارة
الناجحة عامل رئيسي في تطوير قضاء مجلس الدولة، الدورية العلمية المتخصصة، مركز الدراسات و البحوث بمجلس الدولة
المصري، العدد الأول، مارس 2015، ص 9-10.
([27]) نص الفصل 79 من ق ل ع على
أن "الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن تسيير إدارتها و عن
الأخطاء المصلحية لمستخدميها" كما نص الفصل 80 على أن "مستخدمو الدولة و
البلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم و عن الأخطاء الجسيمة
الواقعة منهم في أداء وظائفهم، و لا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه
الضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها".
[28] عبد القادر مساعد، القضاء
الإداري المغربي ضمانة للحقوق و الحريات، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام،
1998-1999.
[29] المنتصر الداودي،
الإشكاليات القانونية و الواقعية في اختصاص القضاء الإداري، 2005، ص 81.
[30] عبد القادر مساعد، المرجع
السابق، ص 31
[31] في هذا الإطار صدر قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/06/1985.
(30) الجيلالي أمزيد، مباحث في مستجدات القضاء الإداري، منشورات المجلة
المغربية للإدارة المحلية و التنمية، الطبعة الأولى، 2003.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق