الخميس، 8 أغسطس 2019

الآليات الرقابية على الأعمال الإدارية

تهدف الإدارة العامة إلى تدبير و تسيير المرافق العامة في مختلف تجلياتها و مظاهرها إلى تحقيق المصلحة العامة، و هي تسعى على تحقيق هذا الهدف من خلال العديد من الأعمال و النشاطات، غير أنها لا تمارس تلك النشاطات و الأعمال بحرية مطلقة و إنما هي ملزمة بالتقيد بالنصوص القانونية و التنظيمية التي تتوخى الحفاظ على التوازن الضروري بين المصلحة العامة و المصالح الخاصة للمواطنين و ضمان الحقوق و الحريات المكفولة لهم من خلال منع الإدارة من التعدي على تلك الحقوق و الحريات و المصالح الخاصة إلا في حدود ضيقة تقتضيها المصلحة العامة للبلد.
و رغم إطلاق المشرع يد الإدارة في العديد من مجالات تدخلها من خلال منحها سلطة تقديرية إلا أن تلك السلطة التقديرية في حد ذاتها ليست مطلقة و مقيدة بالعديد من القيود من أهمها قيد تحقيق المصلحة العامة.
فهذا الكم من النصوص التي تكون ترسانة قانونية لضبط و توجيه الأعمال الإدارية لدليل قاطع على بديهية تجاوز الإدارة و اختلال أدائها لذلك لم يكتفي المشرع سواء وطنيا أو دوليا على بناء الترسانة القانونية المتعلقة بسبل القيام بالأعمال الإدارية على أحسن وجه، و إنما امتد اهتمامه و مقصده إلى خلق آليات رقابية للتأكد من مدى احترام الإدارة لضوابطه و بالتالي تكون الرقابة على هذا المستوى تحمل أبعادا تقويمية و زجرية و هو ما يبدو جليا في النصوص المنظمة لهذه الآليات و التي ضمت تدابير وقائية و زجرية على حد سواء.
و هذا بأي حال من الأحوال لا يعني أن الرقابة تنحصر في هذا الدور فقط، و إنما اتجهت إلى تقييم مدى كفاءة الإدارة في تحقيق مخططاتها و برامجها لتقويم الأداء دون أن يحمل ذلك في طياته أبعادا عقابية و هذا راجع لتعدد الآليات الرقابية و أنواعها من رقابة إدارية و قضائية و سياسية و مدنية
لقد تعددت و اختلفت التعاريف بين فقهاء القانون الإداري و علماء الإدارة العامة حتى أن علماء الإدارة العامة أنفسهم اختلفوا فيما بينهم في تعريف الرقابة حيث عرفها كل منهم من زاوية تخصصه:
فيعرفها Robert J.Mockler بأنها عبارة عن جهد منظم لتحديد مقاييس للأداء لتحقيق الأهداف المخططة. كما عرفها Henry fayol بأنها الإشراف و المراجعة من سلطة أعلى بقصد معرفة كيفية سير الأعمال و التأكد من أن المواد المتاحة تستخدم وفقا للخطة الموضوعة([1]).
في الواقع يوجد تعريفات كثيرة و إن اختلفت قليلا عن بعضها إلا أن علماء الإدارة يكادوا يكونوا قد أجمعوا على أنها عملية منظمة و منتظمة يتأكد من خلالها المدراء من مدى تنفيذ الخطط و تحقيق الأهداف باستخدام طرق فعالة و ذات كفاءة عالية([2])، بغرض تصحيح الانحرافات.
من خلال هذا التعريف يتضح أن للرقابة وظيفة تتمثل في تقويم الأعمال الإدارية و إبقائها في المسار الذي يحقق أهداف الإدارة و التي هي تحقيق المصلحة العامة بالنسبة للإدارة العامة، و لقد ترعرعت هذه الوظيفة الرقابية مع العالم تايلور عند تبنيه لفكرة الإدارة العلمية في بداية القرن 20 حتى أصبحت ملازمة للتخطيط.
و يتمثل دور الرقابة في مساعدة المنظمة على التغلب على المشكلات و المصاعب، و كشف الأمور غير المنتظمة، و إدارة المواقف الصعبة، و ذلك على كافة المستويات الرقابية، فعلى المستوى الاستراتيجي تساهم الرقابة في متابعة العوامل التي يمكنها التأثير على مدى تطبيق الخطط الإستراتيجية، و على المستوى التكتيكي فإنها تساهم في متابعة النتائج الدورية المرافقة لعملية التنفيذ، و على المستوى التشغيلي و هي بهذا تشمل كافة المستويات الإدارية العليا و الوسطى و الدنيا.
و تكمن أهمية الرقابة في كون العمل الإداري اقترن بها لدرجة أصبحت معه تصنف كعلم من علوم الإدارة لا محيد للمنظمات سواء أكانت عامة أم خاصة عنها، بحيث لم تعد مجرد آلية لكشف الاختلالات التي قد تشوب النشاط الإداري بل مثلت ظاهرة من الظواهر التي تهتم بها العلوم الإدارية و أرضية للعديد من الدراسات و الأبحاث التي تروم تأهيل الإدارة في المنظمات المختلفة، و تنبع هذه الأهمية من كون الرقابة أحد الأركان الأساسية في الإدارة العملية الحديثة، كما أنها الذراع الرئيسي للإدارة المتطورة للنهوض بالمنشآت لتتمشى مع التطوير و التحديث تحقيقا لمستويات عالية من الكفاءة و الفاعلية .
و لئن كان من البديهي أن تقوم الجهة، التي تسند مهام للكوادر الإدارية قصد تنفيذها وفق المخططات و البرامج التي تحقق أهداف المنظمات، بتتبع مدى ارتباط الأعمال المنفذة بتلك المحددة في البرامج و المخططات معتمدة على مستويات مختلفة إستراتيجية و تكتيكية و تشغيلية.
و لقد نمت أهمية الرقابة نتيجة التوسع في القطاع الحكومي، وتعدد مهامه، وضخامة الأموال المستثمرة في مشروعاته وبرامجه، وذلك كله للردع ضد الغش والاختلاس,وحماية الأموال العامة، وتوفير المعلومة للإدارة حتى يتسنى لها الأداء الجيد وتحقيق الأهداف، وترتبط عملية التنمية ارتباطا وثيقا بالرقابة المالية والإدارية باعتبار أن التنمية هي الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة ضمن تخطيط سليم , ونجاح عملية التنمية يرتبط بشكل عام ورئيسي بالقضاء على مظاهر الفساد وتحقيق الإصلاح المالي والإداري وحسن استخدام الموارد المتاحة وتطوير السياسة الإدارية وكفاءة الأفراد .
فما هي الآليات الرقابية على العمال الإدارية؟ و هل البناء القانوني لها كاف لإرساء دعائمها؟ ثم هل تصطدم تلك الآليات بإكراهات قانونية و عملية في أداء وظيفتها؟
إن موضوع دراستنا هذه سينصب على الآليات الرقابية على الأعمال الإدارية، و سنركز على أربع مستويات من الرقابة هي: الرقابة الإدارية، السياسية، القضائية، و المدنية، معتمدين على المنهج البنيوي لإبراز الآليات و تشكلها التنظيمي، في حين سنعتمد على المنهج الوظيفي لبيان كيفية قيم تلك الآليات بوظيفتها الرقابية، ثم سنعتمد أيضا على المنهج التحليلي لنحاول من خلاله التعرف على مدى فاعلية تلك الآليات و إبراز أوجه الخلل الذي يعتري عملها فيما بين ما هو قانوني و ما هو عملي.
هذا و سنعتمد على خطة البحث التالية:

المبحث الأول: الرقابة السياسية و الإدارية

سنتناول الرقابة السياسية في المطلب الأول ثم الرقابة افدارية في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الرقابة السياسية

تتخذ الرقابة السياسية على أعمال الإدارة صوراً مختلفة، فقد تتم عن طريق الرأي العام وتمارسها المؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية . كما قد تمارس عن طريق المؤسسات البرلمانية.

الفرع الأول: رقابة البرلمان

الرقابة البرلمانية تعتبر من وظائف البرلمان الهامة وتمارس هذه الوظيفة من خلال قيام البرلمان بمراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها عن أعمالها وقراراتها التي تصدر عنها أثناء مباشرة صلاحياتها ، وعلى ذلك يستطيع البرلمان متابعة ومراجعة أعمال الحكومة من حيث مدى مطابقتها لحدود المشروعية والقانون وكذلك المصلحة العامة، فإذا اتضح خروج السلطة التنفيذية عن الأهداف المرسومة لها فله أن يراجعها وأن يعيدها إلى الطريق السليم .

الفقرة الأولى: الأصول التاريخية لمفهوم الرقابة البرلمانية

يرتبط نشأة الرقابة البرلمانية ، تاريخية بظهور المسؤولية السياسية ، ف الرقابة البرلمانية كما سبق ذات طبيعة سياسية ، و هي قائمة على فكرة أن الجهة الخاضعة للرقابة ، مسؤولية سياسية كاملة ، فردية و تضامنية ، أمام هيئة البرلمان ، ولقد ظهرت المسؤولية السياسية بداية في شكلها الفردي ، قبل أن تنتقل إلى مسؤولية جماعية ، تضامنية لأفراد الحكومة أمام البرلمان .
و قد نشأت المسؤولية الفردية نتيجة تطور النظام الدستوري البريطاني، و بسبب الحكومة البرلمانية التي ظهرت بعد ثورة 1688 في بريطانيا ، كان العمل يجرى في بريطانيا على أن الملك لا يستطيع أن يرتكب خطأ ، وهو غير مسؤول سياسيا عن أفعاله .
أما في فرنسا فقد ظهر مبدأ المسؤولية التضامنية في منتصف القرن التاسع عشر ، إذ أن الحكومات التي لم تكن تحظى بثقة المجلس التشريعي المنتخب على أساس الاقتراع العام لم يكن بإمكانها الاستمرار في الحكم ، و كما هو واضح أن المسؤولية التضامنية تجمع بين طرفين هما مجلس الوزراء من ناحية و البرلمان من ناحية آخري.
أما في الوقت الحالي، فقد تطورت الرقابة البرلمانية، و أصبحت تطال جهات لم تكن خاضعة تقليديا لها. و في هذا الشأن ، يفرق ''مايكل كول'' بين المحاسبة البرلمانية الرأسية و التي توجه للوزراء فقط، و المحاسبة البرلمانية الأفقية ، التي توجه الجهاز الإداري الأول داخل الوزارات ومؤسسات الدولة . و هو يرى أن الاتجاه الحديث للرقابة أصبح يدخل هذه الجهات ضمن الأطراف الخاضعة للرقابة البرلمانية.

الفقرة الثانية: أهداف الرقابة البرلمانية .

يتفق الدارسون للرقابة البرلمانية على أنها تتسم بانتقائية. ذلك يعنى أن القائم بالرقابة يختار الحدث الذي سيتولى من خلاله محاسبة السلطة التنفيذية. وعلى هذا الأساس، تصبح هناك أهداف محددة للقائم بالرقابة لتبني حدث معين و أسلوب رقابي محدد للممارسة حق الرقابة البرلمانية بغية تحقيق الأهداف المتوخاة وأهداف الرقابة البرلمانية متعددة و هي عموما تنقسم إلى أربعة أنواع الأول يرتبط بالرقابة على السياستين الداخلية و الخارجية. و نوع ثاني أهداف ترتبط بتحقيق مصالح الطرف القائم بالرقابة. و الثالث أهداف ترتبط بأعمال الدستور و القانون و تنقيح التشريعات رابعا أهداف ترتبط بالرغبة في تغيير السلطة التنفيذية أو الحد من نفوذها[3].

الفرع الثاني : آليات الرقابة البرلمانية

وتتمثل هذه الوسائل الرقابية في، الأسئلة البرلمانية) الفقرة الاولى ( ، واللجن البرلمانية الدائمة والمؤقتة (لجن لتقصي الحقائق) الفقرة التانية

الفقرة الاولى : الأسئلة الشفوية و الكتابية

يعرف السؤال بكونه الفعل الذي بمقتضاه يطلب عضو برلماني من وزير إيضاحات حول نقطة معينة ، و لا يتضمن هذا الفعل جزءا سياسيا، أي أنه لا يثير المسؤولية للحكومة، مما يميزه عن باقي و سائل المراقبة كملتمس الرقابة و الاستجواب .
أولا : الأسئلة الشفهية
تنص المادة 189 من النظام الداخلي لمجلس النواب ، على أنه تخصص جلسة كل يوم الثلاثاء للأسئلة النائبات و النواب و أجوبة الحكومة، حيث يقوم مكتب المجلس بتسجيل الأسئلة الشفهية الجاهزة في جدول الأعمال، ويوزع عدد الأسئلة حسب التمثيل النسبي على أن لا تقل الحصة المخصصة للمعارضة عن نسبة تمثيليتها داخل المجلس، على أن توزع قائمة الأسئلة المبرمجة قبل تاريخ الجلسة ب 24 ساعة على الأقل، و من اجل تجاوز مشكل تغيب الوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية أتجه المشرع البرلماني إلى تنظيم هذه الجلسات و ذلك بنصه على ضرورة وضع برمجة شهرية للقطاعات الحكومية التي ستشملها الأسئلة كل أسبوع، ويمكن تحويل السؤال الشفهي الذي له طابع شخصي او محلي إلى سؤال كتابي بعد إشعار صاحب السؤال بذلك كتابة، ليعلن هذا الأخير داخل اجل 8 أيام موافقته أو رفضه، وفي حالة عدم جوابه يعتبر ذلك موافقة منه، و تقوم الفرق و المجموعات النيابية بتحديد المدة الزمنية التي خصصتها لكل سؤال، و تخبر بذلك رئاسة المجلس 24 ساعة قبل بداية الجلسة، على أن لا تقل مدة السؤال عن دقيقة واحدة و في حالة عدم إخبار رئاسة المجلس في الأجل السالف الذكر تحدد تلقائيا دقيقتان لكل سؤال، مع تخصيص نفس الحصة لأعضاء الحكومة ، وتجيب الحكومة داخل اجل 20 يوما من تاريخ إحالة السؤال من لدن المجلس إذا تعلق الأمر بالأسئلة القطاعية.

ثانيا : الأسئلة الكتابية

السؤال المكتوب عبارة عن طلب مكتوب يوجه من طرف أحد البرلمانيين إلى عضو من أعضاء الحكومة أو رئيس الحكومة
والأسئلة المكتوبة يرجع تاريخها في فرسا إلى قرار اتخذ سنة 1909، وأدخلت هذه التقنية على مجلس الجمعية الوطنية، وثم تبناها مجلس الشيوخ سنة 911 ، وهذا النوع من الأسئلة بالنسبة للبرلمانيين مصدر ثمين للمعلومات من أجل حل المسائل العديدة المعروضة عليهم من قبل ناخبيهم
و قد خصص الفرع الرابع من النظام الداخلي لمجلس النواب المادتين 200 و 201 للأسئلة الكتابية ، حيث تنص المادة 200 منه على ضرورة إعلان الرئيس (رئيس المجلس) في بداية الجلسة المخصصة للأسئلة الشفهية عن عدد الأسئلة الكتابية المتوصل بها وعدد الأسئلة التي تمت الإجابة عنها وتلك التي بقيت بدون جواب بعد مرور الآجال القانونية المنصوص عليها في الفصل 100 من الدستور. أما المادة 201 فتنص على وجوب نشر الأسئلة الكتابية، وأجوبة أعضاء الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان، و كما هو الحال بالنسبة للأسئلة الشفوية فأن الأنظمة الداخلية للبرلمان نصت على لا يمكن أن تتضمن الأسئلة الكتابية توجيه آية تهمة شخصية إلى الوزراء الموجه إليهم السؤال احترام الأخلاق السياسة التي من المفترض أن تتميز بها العلاقات السياسية بين الفاعلين السياسيين، والسؤال الكتابي وإن كان ذو طابع شخصي أو محلي، يبقى أداة من أدوات المراقبة البرلمانية.

الفقرة الثانية : اللجن النيابية لتقصي الحقائق أو اللجن المؤقتة

إذا كانت اللجان البرلمانية تستمر طيلة الولاية التشريعية فأن اللجان المؤقتة تشكل لدراسة قضية محددة و تنتهي مهمتها بإيداع تقريرها تعد لجان تقصي الحقائق لجان مؤقتة وذلك بالنظر لمحدودية اختصاصاتها و امتدادها الزمني و يعتبر حق البرلمان في تقصي الحقائق مسطرة مستوحاة جزئيا من الإجراءات القضائية، إلا أنها استعملت لخدمة وظيفة غير قضائية و هي إعلام المؤسسة النيابية ، فلجان تقصي الحقائق تشكل أداة للكشف عن الحقيقة يمتلكها البرلمان، لقد نشأت لجان تقصي الحقائق أول مرة في فرنسا ـ خلال وجود النظام الملكي بها و تطورت مع تطور النظام البرلماني بفرنسا و مع بداية الجمهورية الخامسة سنة 1958 وقع التمييز بين نوعين من اللجان المؤقتة و لجان المراقبة حيث كانت تشكل لجان تقصي الحقائق من أجل جمع معلومات حول وقائع معينة و تقدم نتائج عملها للغرفة البرلمانية التي أنشأتها أما لجان المراقبة فكانت تكلف بدراسة التسيير الإداري والمالي أو التقني للمقاولات الوطنية بهدف إعلام الغرفة التي أنشأتها إلا أن قانون عشرين يوليوز ألف 1991 ألغى هذه الازدواجية و دمج نوعي اللجان السالفة الذكر تحت إسم موحد هو لجان تقصي الحقائق.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهرت لجان تقصي الحقائق سنة 1792 و قد تطورت خصوصا في عهد الرئيس فرانكلن روزفلت و تتوفر هذه اللجان على اختصاصات مهمة خاصة في غياب وسائل مهمة لمراقبة الكونغرس للجهاز التنفيذي ، و قد وجهت عدة انتقادات للجان تقصي الحقائق التي شكلت من قبل مجلس النواب أو مجلس الشيوخ الأمريكيين و ذلك بسبب طرق اشتغالها التي جعلت منها تنافس المساطر القضائية.
أما في المغرب فقد تراوحت دساتيره بين استبعاد التنصيص عليها تارةً (1962_1972)، ودسترتها منذ المراجعة الدستورية لرابع سبتمبر1992 تارة أخرى، فهكذا جاءت دساتير 62_ 70_ 72 خالية من أية إشارة إلى لجان تقصي الحقائق[4]، مما جعل موضوع لجان تقصي الحقائق، من القضايا التي أثارت جدلاً سياسياً و فقهياً كبيرا طيلة الثلاثين سنة التي أعقبت صدور أول دستور (1962).
وقد وضع دستور 1992 حداً للتجاذب بين غياب التنصيص الدستوري الصريح على لجان تقصي الحقائق وتشكليها من الناحية الواقعية ، حين نص في فصله الأربعين على أحقية البرلمان في إحداثها ، وعاود التأكيد على ذلك في المراجعة الدستورية للثالث عشر من شتنبر سنة 1996.
و في نفس الاتجاه سار دستور 2011 في تأكيده على آلية لجان تقصي الحقائق و ذلك في الفصل67 منه الذي ينص على :'' يجوز ان تشكل بمبادرة من الملك ، آو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب او ثلث أعضاء مجلس المستشارين، لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة أو بتدبير المصالح أو المؤسسات أو المقاولات العمومية، و إطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها " و من تجاوز أي تعارض بين عمل اللجان النيابية و الإجراءات القضائية نص نفس الفصل على ما يلي : '' لا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية مادامت هذه المتابعات جارية و تنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق سبق تكوينها فور فتح تحقيق قضائي حول الوقائع التي اقتضت تشكيلها "
وجدير بالذكر أن القانون التنظيمي رقم 05-95 المنظم للجان النيابة لتقصي الحقائق أصبح متجاوزا ويتضمن مجموعة من الإشكالات الدستورية تتمثل بالأساس في تعارض قاعدة التمثيل النسبي وحقوق المعرضة المنصوص عليها في )الفصل10( كما ان تدخل الحكومة في توقيف عمل اللجنة عبر تحريك المتابعة القضائية يبقى أهم الإشكالات، فضلا عن تناقض سرية عمل اللجنة والحق في الوصول إلى المعلومة الذي سار بدوره حقا دستوريا ( فصل 27 ) وفي هذا السياق ينتظر أن تتم مراجعة بعض الأمور من خلال المصادقة على قراءة ثانية للقانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق النيابية لتقصي الحقائق.

المطلب الثاني : الرقابة الإدارية

سواء أخذت الدولة بالنظام المركزي أو النظام اللامركزي فلابد لها أن تباشر خوفا من الرقابة على الهيئات الإدارية الأخرى و هذا ما يسمونه بالرقابة الإدارية .
و تشمل الرقابة الإدارية في العلاقة القائمة بين الأجهزة و الهيئات الإدارية فيما بينها، كرقابة الإدارة المركزية (الوزارة ) على الإدارة المحلية أو رقابة الهيئات و الأجهزة الإدارية المحلية على بعضها البعض مثل الرقابة التي يمارسها الوالي أو العامل على الجماعات الترابية.
و قد تصدى الفقه في محاولة منه لتعريف الرقابة الإدارية فقد ذهب البعض الى أنها رقابة الإدارة لنفسها فتقوم بتصحيح ما تكشفه من أخطائها في تصرفاتها المختلفة أو ما يكشف عنه الأفراد تظلماتهم المرفوعة إليها .
و كما تعرف بأنها: مراقبة السلطات و الأجهزة الإدارية المركزية و اللامركزية لنفسها، و لأعمالها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلبات الأفراد و فحص أعمالها و تصرفاتها للتأكد من مدى مشروعيتها ([5]).
و كما تعرف بأنها: الرقابة التي تقوم بها الادارة بنفسها و ذلك لمراقبة أعمالها و القرارات التي تصدر عنها و ذلك لتحقق من مدى مطابقتها للقانون أو ملائمتها للظروف المحيطة بها ([6]).
و كما تعرف بأنها : نشاط إنساني يختفي بمسايرة عمليات التنفيذ للخطط و السياسات مركزا على التوقيع حدوث الأخطاء و محاولة تجنبها مقدما لتجديد الاختلافات و التميز بينها و معرفة أسبابها بطريقة مرنة تتفق مع طبيعة و حجم النشاط الذي يتم مراقبته و العمل على تصحيح مسار التنفيذ عن طريق معالجة الانحرافات و تنمية الايجابيات و بأسلوب يدفع العاملين على تحسين الأداء و تطويره و يتحقق التعاون بينهم من أجل تحقيق الهداف المرجوة .
و كما عرفها البعض بأنها تلك الجهود و الأنشطة المستمرة المنظمة للحصول على معلومات صحيحة و دقيقة عن تقدم العمل و التنفيذ في مختلف مجالات النشاط التي تتولى مسؤوليتها و مقارنة معدلات التنفيذ و المستويات المستهدفة في الخطة الموضوعة و الكشف عن الانحراف و تصحيحها([7]).
أما عن تعريف المشتغلين بالقانون فقد ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أنها رقابة ذاتية إذ أن الإدارة تراقب نفسها بنفسها([8]) .

الفرع الأول: الرقابة الإدارية التلقائية

تشكل الرقابة التلقائية للإدارة آلية بالغة الأهمية تتيح إمكانية عدم الغوص في الاختلالات و الأخطاء، فالإدارة تبقى حريصة على أن تخرج أعمالها إلى الوجود خالية من أية عيوب.
و ذلك راجع بالأساس إلى طبيعة الرقابة التلقائية (الفقرة الأولى) و تعدد صورها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طبيعة الرقابة الإدارية التلقائية

تتحقق وتتعقد الرقابة الإدارية الذاتية تلقائيا بتدخل الجهة أو السلطة الإدارية المختصة من تلقاء نفسها لممارسة سلطات وقدرات الرقابة التي منها إقامة القانون أو اللوائح الإدارية ومقتضيات الواقع الإداري لتصحيح أو تعديل أو تلقي أو تسحب أعمالها الإدارية الغير مشروعة أو تصادق على الأعمال الإدارية المشروعة .والرقابة الذاتية التي تقوم وتتحرك بهذه الطريقة الذاتية التلقائية تقوم على أساس السلطة التقديرية,حيث تتمتع السلطة الإدارية بالقيام بها أو عدم القيام بها.وقد يقوم بهذا التدخل التلقائي الموظف الذي قام بالتصرف أي مصدر القرار إلى إلغاء قراره أو تعديله إذا اكتشف عدم صحته,كما قد يقوم بذلك رئيسه الإداري إسنادا إلى سلطته الرئاسية فيلغي قرار المرؤوس كليا أو يكتفي بتعديله جزئيا([9]).
إن منح القانون للإدارة الحق في ممارسة سلطات الرقابة على قراراتها بنفسها من سحب وتعديل وإلغاء للأعمال والقرارات غير المشروعة أو تصديق وإجازة المشروعة منها ,يعطيها الحرية في القيام بعملية الرقابة الذاتية ,فإن شاءت أن تراجع قراراتها فلها ذلك,وإن لم تفعل يترك الأمر إلى تظلمات الأفراد وذوي المصالح ومن ثم إلى الرقابة القضائية.فالرقابة الإدارية الذاتية التي تتحرك بهذه الطريقة التلقائية تجعل سلطة الإدارة العامة في القيام بهذه الرقابة سلطة تقديرية يمكنها القيام بها وبالشكل الذي تراه ملائما وتبقى جدوى الرقابة الذاتية منوطة بحسن نية الإدارة ورغبتها في إصلاح أخطائها فيكون لهذه الأخيرة الحكم والخصم في آن واحد يجعل ضمان الاعتماد عليها غير آمن.فالضمان الفعال يمكن لوجوب الالتجاء إلى جهة محايدة ألا وهي جهة القضاء([10]).

الفقرة الثانية: صور الرقابة الإدارية التلقائية

و تتمثل في الرقابة التلقائية و هي الذاتية الرئاسية و كذا الرقابة الوصائية.
أولا : الرقابة التلقائية الذاتية
وهذا النوع من الرقابة يعكس مدى جدية و رغبة الإدارة في مراقبة نفسها حيث تضع آليات داخل الجهاز الإداري من أجل الوقوف على مواطن الخلل بهدف إصلاحها سجلات للاقتراحات وعقد اجتماعات دورية لمتابعة الأداء الإداري,وبقدر ما يكون هذا النوع من الرقابة جادا وحقيقيا بقدر ما تقلل الإدارة من تجاوزاتها وتحد من باقي أنواع الرقابة الأخرى([11]).
والرقابة التلقائية تتحقق عندما تقوم الإدارة من تلقاء نفسها ببحث ومراجعة أعمالها لفحص مدى مشروعيتها أو مدى ملاءمتها. وقد يقوم بذلك نفس الموظف الذي قام بتصرف فيقوم بإلغاء أو تعديل أو استبدال تصرفها إذا اكتشف عدم صحته أو يقوم بذلك الرئيس الإداري لهذا الموظف([12]).
ثانيا :الرقابة التلقائية الرئاسية
إن كل القوانين تمنح للرئيس الإداري سلطة التدخل لرقابة أعمال مرؤوسيه سواء للمصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها .
ب حيث تخول القوانين والأنظمة للرئيس الإداري حق التدخل للتعقيب على أعمال مرؤوسيه من أجل المصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها سواء كان ذلك من تلقاء نفسه أو بناء على تظلم أو طعن رئاسي أو سلمي.
كما يمكن تعريف الرقابة الرئاسية بأنها : " سلطة تتيح للرئيس مراقبة تابعيه المباشرين و مراجعة أعمالهم ابتغاء تحقيق المصلحة العامة بحيث يمارس الرئيس الإداري سلطته الرئاسية بحكم القانون دون حاجة إلى نص تشريع صريح بتحويلها له , لأن هذه السلطة تعد ملازمة لصفته الرئاسية و للدرجة التي يحتلها قي سلم التدرج الإداري([13]) .
و للرئيس الإداري عدة سلطات أهمها : المصادقة, التعديل , السحب , الإلغاء , بالإضافة إلى سلطتي التعقيب و التوجيه كما له سلطة الحلول محل الموظف المرؤوس في القيام بأعماله و واجباته الوظيفية فهي وسيلة غير مباشرة لممارسة الاختصاص و ذلك بقوة القانون([14])
إن سلامة و فعالية الرقابة الإدارية في تحقيق أهدافها لابد من شروط في نظام الرقابة الرئاسية و هي كما يلي:
- يجب أن تتم عملية الرقابة باستمرار و بانتظام على الأفعال و الأعمال و القرارات.
- يجب أن يقوم نظام الرقابة الرئاسية على معايير و أسس موضوعية واضحة بالنسبة للعمال أو الموظفين.
- ضبط و تحديد النظام الإداري للمؤسسات و المرافق العامة في الدولة .
- اتسام النظام الرقابي بقدر كاف من المرونة,حتى يتماشى ومقتضيات العمل الإداري ليتمكن من مراجعة الخطط المتغيرة كالظروف الطارئة لكي يبقى النظام الرقابي الرئاسي -متحفظا بفاعلية.
- ممارسة النظام الرقابي في نطاق ممكن,أي حصر عدد مفعول من الموظفين والعمال تحت إشراف ورئاسة الرئيس الإداري.
- نظام الرقابة يجب أن يكون موضوعيا لا شخصيا, وأن لا يكون الهدف من الرقابة إرضاء الرغبات والدوافع الشخصية وإنما يجب أن يكون الهدف منها هو كشف الانحرافات.
-أن يكون نظام الرقابة الرئاسية نظاما اقتصاديا. و أن لا تكون التكاليف المادية للقيام بالعملية الرقابية أكثر من تكاليف الضرر الناتج عن غيابها.

الفرع الثاني: الرقابة بناء على تظلم

تتعدد أنواع الرقابة المبنية على التظلمات (الفقرة الثانية) كما تتميز بوضوح عناصرها (الفقرة الأولى)

الفقرة الأولى: عناصر التظلم الإداري

التظلم الإداري أو ما يسمى بالطعن الإداري هو الشكوى التي يقدمها أصحاب الصفة والمصلحة إلى السلطات الإدارية والرئاسية أو الوصائية أو اللجان الإدارية الخاصة,طاعنين في قراراتها وأعمالها الإدارية غير المشروعة, مطالبين بإلغائها أو سحبها أو تعديلها بما يجعلها أكثر اتفاقا مع مبدأ الملاءمة والفعالية([15]).
وللتظلم الإداري ثلاث عناصر وهي :
1- الطابع القانوني للتظلم الإداري :ويقصد به الطريق القانونية المتمثلة في الشكوى المرفوعة من طرف صاحب الحق أو المصلحة بمقتضاها يطلب استرجاع حقه وتصحيح وضعيته
2- الطابع الإداري للتظلم :ويتمثل في الطابع الإداري له الذي يعني توجيه التظلم الإداري إلى السلطة الإدارية المختصة، ويطرح هذا العنصر معرفة السلطة الإدارية المختصة وكيفية تحديدها.
3- موضوع التظلم :يعني أن التظلم الإداري يوجد مبدئيا ضد عمل قانوني أو تصرف إداري([16])

الفقرة الثانية: أنواع التظلمات الإدارية

يمكن تطبيق تصنيف التظلمات الإدارية بالاعتماد على الجهة التي يرفع إليها التظلم إلى تظلمات رئاسية و أخرى ولائية و تظلمات ترفع إلى لجان خاصة و هو التصنيف الذي نصت عليه المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية حيث نصت على :
" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدرجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فإن لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه " يعني الطعون بالبطلان لا تكون مقبولة ما لم يسبقها تظلم رئاسي ([17])
1- التظلم الرئاسي
و هو التظلم أو الطعن الذي يقدمه صاحب الشأن و المصلحة من الأفراد إلى الرئيس الإداري مصدر القرار موضوع التظلم طالب من ممارسة سلطته الرئاسية التي تخوله حق إقرار أعمال مرؤوسيه أو تعديلها أو سحبها أو استبدالها بقرار مشروع أو مطابق للقانون أو اللوائح العامة و ملائمته مع مبادئ المرافق العامة .
2- التظلم الولائي
و هو ذلك الطعن الذي يرفقه صاحب الصفة و المصلحة في صورة التماس و رجاء إلى نفس الجهة الإدارية مصدرة القرار و يطلب منها إعادة النظر في هذا القرار و مراجعته بالتعديل أو الإلغاء أو السحب.
3- التظلم أمام اللجنة الإدارية الخاصة :
قد يرفع التظلم من الطرف لجنة إدارية خاصة و ذلك بموجب نص قانون و تشكل هذه اللجنة من عناصر إدارية مقدرة الكفاءة.
4- التظلم الإداري الوصائي
و هو ذلك الطعن الذي يرفعه أصحاب المصلحة إلى السلطات الإدارية المركزية الوصية و المختصة بالرقابة الإدارية الوصائية على الهيئات و السلطات الإدارية اللامركزية المتظلم منها.

المبحث الثاني: الرقابية القضائية و المدنية

سنتطرق إلى الرقابة القضائية في المطلب الأول ثم إلى الرقابة المدنية في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الرقابية القضائية

تتوزع الرقابة القضائية على الأعمال الإدارية بين المحاكم المالية (الفرع الأول) و المحاكم الإدارية (الفرع الثاني).

الفرع الاول : المحاكم المالية

قبل إبراز الدور الرقابي للمحاكم المالية في المغرب (الفقرة الثانية)، علينا التعرف على الأسس القانونية التي تستند إليها (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الأساس القانوني للمحاكم المالية

تعتبر المحاكم المالية هيئات عليا للرقابة على المال العام تناط بها مهام مراقبة تنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات المحلية بمراحلها المختلفة وأجهزتها المتعددة، وتمثل بالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها "محاكم مالية" تناط بها ممارسة اختصاصات رقابية قضائية وإدارية حسب مجالات تدخلها.
وقد كان الارتقاء بهذه الهيأة لتصبح مؤسسة دستورية خلال التسعينات تم اعتباره حينها نقلة نوعية واتجاها واضحا لتقويتها ومنحها الآليات القانونية لحماية المال العام وضبط آليات التدبير المالي العمومي والمحلي.
وعلى الرغم من الأهمية التي يكتسيها عمل المجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بمالية الدولة، والمجالس الجهوية للحسابات فيما يخص المالية المحلية، إلا أن الاهتمام التشريعي والعملي بهذه المؤسسات لم يرقى إلى المتوخى من دسترة هذه المؤسسات، بل إن الإطار الدستوري نفسه بقي محدودا جدا ولم يحسم في الطابع القضائي الفعلي لهذه المجالس.

الفقرة الثانية: الدور الرقابي للمحاكم المالية

وإذا كانت التقارير الصادرة قد أثارت نقاشا واسعا حول تدبير المالية العمومية على مستوى القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، فإنها اعتُبرت بحق من أهم آليات الرقابة السياسية على المال العام، على اعتبار أن ملاحظات وخلاصات المحاكم المالية فضحت خروقات هائلة كانت طي الكتمان فيما مضى، وأطلعت الرأي العام على تفاصيل دقيقة تهم اختلالات التسيير وسلطت الضوء على فضائح بالجملة على المستوى المالي و التدبيري.
فالمجلس الأعلى للحسابات أصبح يكتسي أهمية معنوية كبرى على الرغم من إشكالات النص الدستوري وغموض الوضعية القانونية ومحدودية الإمكانات المادية والبشرية، وإذا كانت حماية المال العام تعتبر في صلب الإصلاح السياسي والدستوري، فإن تعزيز الرقابة القضائية وتفعيل دور المجلس الأعلى للحسابات يوجد في صلب النقاش الدائر حاليا بخصوص إقرار مبادئ الحكامة السياسية والمالية والتدبيرية.
فعندما تم التنصيص على دسترة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات اعتُبِر الأمر حينها نقلة نوعية، وتم الحديث عن دخول المغرب مرحلة تاريخية في إقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي، وأُعطي الانطباع حينها أن حماية المال العام قد تم إقرارها في القانون الأساسي للمملكة. غير أن وضعية هذه المؤسسات بقيت غامضة عندما تم إفرادها بالباب العاشر من الدستور، وتم التنصيص على إحداثها بصفتها هيئات للرقابة "العليا على تنفيذ قوانين المالية"، مما يخرجها عمليا من مجال القضاء بصريح النص الدستوري رغم الاختصاصات القضائية المخولة لهذه المجالس.
فالدستور خصص الباب السابع للقضاء والباب الثامن للمحكمة العليا، ولم يتطرق في سياق ذلك لهيئات الرقابة العليا على المال العام بصفتها هيئات قضائية، مما يخرجها عمليا من دائرة القضاء، ويجعل حماية المال العام في هذا الصدد خارج القضاء المالي المنشود.
بل إن عدم إدراج هذه المؤسسات في الباب السابع يجعل قضاتها غير معْنيِين بالضمانات المنصوص عليها فيه، فقضاة المحاكم العادية يتمتعون بضمانات دستورية، في حين أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات يستفيدون فقط من ضمانات قانونية تنص عليها المادة 165 من مدونة المحاكم المالية التي أوردت نفس الصيغة المستعملة في النص الدستوري.
ومن جهة ثانية نجد أن قضاة المحاكم المالية لا ينتمون للجهاز القضائي لعدم انضوائهم تحت مقتضيات الباب لسابع من الدستور ولا يعنيهم المجلس الأعلى للقضاء، مما يطرح إشكالات حقيقية ترتبط بالطابع القضائي للمحاكم المالية وبالضمانات القضائية لحماية المال العام.
كما أن التنصيص في الدستور على أن مهام المجلس الأعلى للحسابات تنحصر في الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية (الفصل 96) يقيد هذه الهيئات على مستوى حماية المال العام ومراقبة مختلف أوجه التسيير الإداري والتدبير المالي العمومي.
وإذا كان النص الدستوري لم يفَصِّل في عدد من مجالات تدخل المجلس الأعلى للحسابات، فإن ترك الأمر للنص القانوني من أجل إيراد التفاصيل والحيثيات يؤدي إلى غموض الوضع الدستوري والمعنوي والاعتباري لهذه المؤسسات، كما يضفي ذلك مزيدا من الغموض على الأساس الدستوري وعلى مجالات التدخل وممارسة الاختصاصات.
فالفصل 96 من الدستور حصر اختصاصات المحاكم المالية في مراقبة تنفيذ الميزانية، ولم يجعل مهام هذه المؤسسات تطال كل أوجه التدبير المالي العمومي، والفرق بين المجالين كبير وعميق.
فالمراقبة على تنفيذ الميزانية تجعل الرقابة العليا شكلية وذات طبيعة مسطرية محضة، ولا تُدرج في سياق الرقابة هنا مناقشة السياسات العمومية أو تقييمها، علما أن السياسات العمومية ذات تكاليف مالية تتجاوز بشكل واضح تدبير الميزانية في حد ذاتها.
إن حدود اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات كما وردت في النص الدستوري تضع عائقا أمام تفصيل المهام والاختصاصات على مستوى القانون المنظم لهذه المؤسسة، وإذا كان القانون المتعلق بالمحاكم المالية قد حاول توسيع مجالات اختصاصاتها، فإن ذلك بقي في حدود ما هو شكلي ومسطري أيضا في عمومه، وربط أمره بتنفيذ الميزانية مما يبعد السياسات العمومية والمخططات الإستراتيجية القطاعية من مجال تدخلها.
إن حماية المال العام تعتبر رهانا أساسيا الآن في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية والدستورية المنشودة، فما لم يتم تعزيز الرقابة القضائية على المالية العمومية والمالية المحلية، لا يمكن الحديث عن اعتماد مبادئ الحكامة المالية، وما لم يتم التنصيص على مستوى الدستور على الطابع القضائي الواضح للمجلس الأعلى للحسابات فلن نكون أمام ترسيخ رقابة القضاء المالي على التدبير العمومي.

الفرع الثاني : القضاء الإداري

سنعالج في الفقرة الأولى كبيعة رقابة القضاء الإداري على الأعمال الإدارية، ثم بيان آثاره في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: طبيعة رقابة القضاء الإداري

المقصود برقابة القضاء لأعمال الإدارة أن يتحقق القضاء من مدى مشروعية هذه الأعمال في مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون بمعناه الواسع، إذ لا يمكن للرقابة الإدارية أن تفي بالغرض المرجو من ضمان سيادة مبدأ المشروعية لان مرجع القرار قد يرفض الاعتراف بالخطأ ،وقد يجاريه رئيسه ، ولهذا فان رقابة الإدارة في كيفية ممارسة نشاطها يجب أن يعهد بها إلى القضاء الإداري المحاكم الإدارية وعلى هذا الأساس فأن الرقابة القضائية هي من أكثر صور الرقابة على أعمال الإدارة أهمية ، ذلك لان القضاء هو الجهة المؤهلة لحماية مبدأ المشروعية من انحراف الإدارة وتعسفها وتجاوزها حدودها أحيانا.
إن كفالة الرقابة القضائية على مشروعية الأعمال التي تقوم بها الإدارة لتحقيق المصلحة العامة وما يصدر عنها من تصرفات يعد من سمات الدولة الديمقراطية وفي هذا الشأن نجد أن هذه الرقابة إمّا تمارس من خلال أنظمة القضاء المزدوج حيث يباشر مثل هذه الرقابة قضاء مستقل يختص بنظر المنازعات الإدارية والفصل فيها أو أن تكون الدولة قد اعتمدت في منظومتها القضائية على نظام القضاء الواحد إلاّ أنها تمد ولاية هذا القضاء ليشمل الاختصاص بنظر المنازعات التي تكون بين الإدارة والأفراد.
إن القضاء هي الجهة الرقابية المختصة لضمان التزام الإدارة بالسلطات الممنوحة لها وحدودها التي منحها إياها المشرّع بموجب القانون وبما يكفل حماية وصون حقوق الأفراد المكفولة بموجب الدستور والقانون من أي تعسف وإساءة لاستعمال السلطة أو انحراف الإدارة عند مخالفتها للقوانين والأنظمة ويمنع مخالفتها للقواعد القانونية وتجاوزها لحدود السلطة الممنوحة لها خلافاً لقواعد المشروعية بما تمتلكه وتتمتع به من امتيازات السلطة العامة فيما قد تتخذه بمواجهة الأفراد من قرارات لا تلتزم بها صحيح القانون وتخالف بها القواعد القانونية وذلك من خلال مباشرة القضاء لسلطته فيما يعرض عليها من منازعات وما تصدره بشأنها من أحكام ويجعل عند ثبوت التجاوز أو المخالفة من جانب الإدارة تعرضها للمسائلة وبأن تكون الأعمال أو القرارات الصادرة من الإدارة معرّضة للإبطال والإلغاء من جهة القضاء وتثبت حق الفرد بالمطالبة بالتعويض.

الفقرة الثانية: آثار رقابة القضاء الإداري

نجد أنه عند وجود مثل هذه الآلية للرقابة بشكلها الأمثل المطلوب ستحقق كفالة ضمان الأفراد لحقوقهم وحرياتهم وتعمل على أن تلتزم الإدارة بتطبيق صحيح أحكام القانون والالتزام به لتجنّب المسـاءلة القضائية وأيضاً المسائل البرلمانية من خلال الصلاحيات الدستورية والأدوات الرقابية والسياسية التي يملكها أعضائه في مواجهة السلطة التنفيذية وفي ذات الوقت أيضاً ستجعل من يملك ويقوم بإصدار القرارات الإدارية أيضاً ملتزم بمراعاة القانون بما يدلّل على كفاءته في مباشرة أعمال السلطة والتزامه بالقانون ، وعليه فقد أصبح لزاماً لتمكين القضاء من تحقيق هذا الأمر وتعزيز وإرساء مبدأ المشروعية للتصرفات الإدارية أن تسخّر له كل التدابير التشريعية والتنفيذية التي تمكّن القضاء من خلالها من أداء المسئولية المناطة به.

المطلب الثاني: الرقابة المدنية

الرقابة المدنية من الآليات الرقابية الأكثر ديمقراطية، لما تتيحه من إمكانات ضبط العمل الإداري من خلال الرأي العام (الفرع الأول) أو من خلال الهيئات المستقلة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الرقابة عن طريق الرأي العام

يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة([18]
ان هذا النوع من الرقابة له الأثر البالغ في تنظيم أعمال الإدارة ومنعها من التعسف في استعمال السلطة لاسيما الصحافة التي تمارس حرية التعبير والرأي باعتبارها لسان الأمة والمعبرة عنها، والتي غالباً ما كشفت عن بعض التجاوزات من موظفي الإدارة العامة.
ويشترك في تكوين الرأي العام مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب عن طريق طرح أفكارها والدعوة إليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها.

الفقرة الأولى: مؤسسات المجتمع المدني

ان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتمثل الأسلوب الأمثل في التفاهم الوطني مع السلطة من خلال الاقتراحات التي تبديها في شأن الاختلالات التي تشوب الأعمال الإدارية، كما تسهم بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
و في هذا الصدد يزخر المغرب بالعديد من المنظمات التي تشتغل في الحقل الرقابي مثل ترانسبرنسي المغرب و الهيئة الوطنية لحماية المال العام، إضافة إلى عدد كبير من الجمعيات الوطنية و المحلية التي تعنى في أعمالها بمحاربة الفساد بكل أشكاله.
و لقد ازداد دور الجمعيات المدنية بروزا من خلال دستور 2011 الذي كفل لها تقديم العرائض إلى السلطات العمومية و الجماعات الترابية و كذا التقدم بملتمسات في مجال التشريع و هي آليات بالغة الأهمية في تطوير دورها الرقابي المدني.

الفقرة الثانية: دور الإعلام و الأحزاب السياسية

تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات و أقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرأية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الأكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.
من أساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الأحزاب السياسية إلى تحقيق الاتصال الجماهيري. فالدور الأساسي الذي تقوم به الأحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الأفراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها إذا ما وصلت إلى السلطة عبر الانتخاب. وحتى تحقيق ذلك تبقى الأحزاب مراقبة لعمل الإدارة لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون.

الفرع الثاني: رقابة الهيئات المستقلة

من الوسائل الجديدة التي اعتمدتها بعض الدول للرقابة على أعمال الإدارة، استحداث هيئات مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لتمارس وظيفة الرقابة على تصـرفات الإدارة والبحث في مدى موافقتها للقانون.

الفقرة الأولى: النماذج المقارنة

1- نظام الامبودسمان Ombouds man أو المفوض البرلماني
وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، و هو نظام استحدثته السويد في دستورها لعام 1809 و هو الشخـص الذي يلجأ إليه المواطن طالباً حمايته وتدخله إذ ما صادفته مشاكل أو صعوبات مع الحكومة أو الجهات الإدارية.
وللمفوض البرلماني الحق في التدخل من تلقاء نفسه أو بناءً على شكوى يتلقاها من الأفراد أو بأي وسيلة أخرى يعلم من خلالها بوقوع مخالفة فيعمل على توجيه الإدارة إلي وجوب إتباع أسلوب معين في عملها لتتدارك أخطائها، وله استجواب أي موظف في هذا الشأن وله إقامة الدعوى على الموظفين المقصرين في أداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويـض لمن لحقه ضرر من جراء التصرف غير المشروع.
و نظرا للنجاح الكبير لهذا النظام فقد أخذت العديد من الدول بأنظمة مشابهة له كما حصل في فنلندا عام 1919 ثم الدانمارك لعام 1953 و نيوزلندا والنرويج عام 1962 والمملكة المتحدة وكندا عام 1967.
2- الوسيط الفرنسي Le mediateur
أخذت فرنسا بنظام مشابه لنظام الامبودسمان واسمته " الوسيط" بموجب القانون رقم "6" في 3/1/1973، ويتمتع الوسيط باستقلال تام ويملك حق توجيه الإدارة إلي ما هو كفيل بتحقيق أهدافها، وتسهيل حل الموضوعات محل للنزاع وتوجيه الإدارة إلي اتباع أسلوب معين في العمل ويحدد الوسـيط مدة معينة تجيب الإدارة على هذا التوجيه فإذا امتنعت عن الإجابة أو رفضت الرأي المقترح برفع الوسيط تقريراً بذلك إلي رئيس الجمهورية.
هذا وقد أوجب القانون الفرنسي على المواطنين الإجابة على أسئلة واستفسارات الوسيط وله في ذلك أن يطلب من الوزراء تسليم المستندات والملفات التي تخـص الموضوعات التي بحثها ولا يجوز له الامتناع عن ذلك وان كانت الملفات سريه إلا إذا تعلق الأمر بالدفاع الوطني أو المصالح السياسية العليا .

الفقرة الثانية: رقابة الهيئات المستقلة بالمغرب (الوسيط)

اسم الوسيط يطلق على رئيس مؤسسة دستورية تحمل نفس الاسم و قد كانت تسمى فيما سبق بديوان المظالم و تختص في تلقي شكايات المواطنين ضد الإدارات العمومية غير المعروضة على القضاء و لقد أفرد لها المشرع الدستوري الفصل 162 من دستور 2011 الذي عرفها على الشكل التالي: "الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة و متخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة و المرتفقين، و الإسهام في ترسيخ سيادة القانون، و إشاعة مبادئ العدل و الإنصاف، و قيم التخليق و الشفافية في تدبير الإدارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية و الهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية."و قد تم إحداثه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.25 الصادر في 12 ربيع الآخر 1432 هجرية (17 مارس 2011).
يمارس وسيط المملكة نوعا جديدا من الرقابة إلى جانب المؤسسات المتواجدة، حيث يتعلق الأمر برقابة تقويمية، ذلك أنه ينظر في شكايات وتظلمات المرتفقين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا أي قرار أو عمل صادر عن الإدارات العمومية يتنافى مع سيادة القانون والإنصاف، وهذا من شأنه توجيه الإدارة في الاتجاه الصحيح ودفعها للالتزام بتلك الضوابط.
ولتجسيد هذه المهام، يقدم وسيط المملكة لرئيس الحكومة توصيات عامة بشأن التدابير الكفيلة بإحقاق الحق بخصوص التظلمات المعروضة عليه، كما يقدم له اقتراحات بشأن التدابير الكفيلة بتحسين فعالية الإدارات التي تصدر بشأنها شكايات، وتصحيح الاختلالات والنقائص التي قد تعتري سير المرافق التابعة لها وإصلاح النصوص القانونية المنظمة لها.
ويطلع رئيس الحكومة، عند الاقتضاء، على امتناع الإدارات المعنية عن الاستجابة لتوصياته.
و يتمتع هذا النظام بخصائص تميزه عن سائر وسائل الرقابة، فهي على عكس الرقابة القضائية لا تتطلب أي رسوم أو مصاريف، كما تتمتع بصفة السرعة التي تفتقر إليها الرقابة القضائية .
بالإضافة إلي عدم اشتراطها أية شكلية في تقديم الشكاوى وغالباً ما يراقب موضوع ملائمة قرارات الإدارة في مواجهة الأفراد ويستمد سلطته تلك من مبادئ العدالة والقيم العليا في المجتمع وروح القانون .
ومما يؤخذ على هذه الهيئة أنها ليست ملزمة باتخاذ إجراء معين في الشكوى المقدمة إليها من جهة ولا تتمتع بسلطة إصدار قرارات ملزمة للإدارة من جهة أخرى فهو يوجهها إلي اتباع أسلوب معين في تعاملها مع الأفراد ومن خلال ذلك يطلب تعديل أو إلغاء أو تبديل قراراتها، فسلطته أدبية في هذا الشأن .

الخاتمة

يتبين من خلال دراستنا هذه أن الآليات الرقابية على الأعمال الإدارية تعرف تنوعا من حيث طبيعتها و نسقها، و يتجلى ذلك من خلال بنيتها التنظيمية و الوظائف المنوطة بها، و هذا التنوع يمتد إلى مخرجات أنشطة تلك الآليات إن كانت ذات طابع إداري أم سياسي أم قضائي أم مدني فتلك المخرجات قد تكون تقويمية كما هو الشأن في الرقابة المدنية و السياسية و الإدارية، و قد تكون إلغائية أو ملائماتية كما هو الشأن في الرقابة لقضائية.
لكن الملاحظة الأهم هو أنه رغم تعدد الآليات الرقابية و التراكم الكمي و الكيفي الذي أنتجته طيلة فترات عملها و التقارير التي رفعتها و التي غالبا ما تضمنت اقتراحات قانونية و عملية للحد من الاختلالات التي تشوب الأعمال الإدارية إلا أن تلك الاختلالات لا تزال تتجلى في كثير من مظاهر النشاط الإداري، و بنفس الحدة التي كانت دافعا و مبررا لظهور الرقابة في مستوياتها المختلفة، فهل تشكل هذه الاختلالات حتمية للنشاط الإداري؟ و هل مطلوب في ظل الأداء الرقابي المتميز أن تختفي تلك الاختلالات؟ يبدو أن النشاط الإداري مرتبط بحتمية الخطأ لذلك اقترنت الرقابة بالعمل الإداري منذ نشأته.
و من زاوية أخرى، نستنتج أن الآليات الرقابية في المغرب تشتغل في معزل عن بعضها البعض، لكن رغم ذلك فهي تتأثر بما أنتجته، فالمؤسسة التشريعية مثلا عند مساءلتها للحكومة في شان التدبير الإداري و تجلياته من قرارات و عقود ... غالبا ما تستند إلى تقارير الأجهزة الرقابية بما في ذلك مخرجات الرقابة المدنية في على مستوى الرأي العام و وسائل الإعلام، كما أن حصيلة الرقابة القضائية غلبا ما تشكل محركا للإدارة لترسيخ و تعميق أدائها الرقابي لتفادي تكرار نفس الأخطاء التي تؤدي إلى خلق نزاعات قضائية، و هكذا.

قائمة المراجع

· حسين عبد العال ؛ الرقابة الادارية بين علم الادارة و القانون الاداري, دار الفكر الجامعي الاسكندرية .2004 ص73
· رشيد خلوفي , قانون المنازعات الإدارية, ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر, 2004 .
· الرقابة الإدارية على الهيئات اللامركزية الادارية،www.yourpdf.net
· عمر هشام ربيع الرقابة البرلمانية في النظم السياسية دراسة في تجربة مجلس الشعب المصري، منشورات مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الأهرام .
· زاهر هبد الحليم عاطف، الرقابة على الأعمال الدارية . الراية للنشر . الطبعة الأولى ؛مصر 2009 .
· سامى جمال الدين – القضاء الإداري والرقابة على أعمال الإدارة – دار الجامعة الجديد.
· سليمان محمد الطماوي,الوجيز في الإدارة العامة,دار الفكر العربي القاهرة 1996.
· علي زغدود الإدارة المركزية الشركة الوطنية للنشر 2004 .
· عمار عوابدي النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري طبعة ثانية الجزائر 2003.
· عمار عوابدي,مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية,المؤسسة الوطنية للكتاب,الجزائر,1984.
§ محمد الصغير بعلي الوسيط في المنازعات الإدارية دار العلوم للنشر الجزائر 2009 .
§ محمد بن علي شيبان العامري، الرقابة مفهومها و أهميتها، موسوعة تعلم معنا مهارات النجاح، 21/06/2014.
· محمد رفعت عبد الوهاب,القضاء الإداري,الكتاب الأول منشورات حلبي,دمشق2003ص81
· محمد عبد الوهاب محمد, البيروقراطية في الادارة المحلية, دار الجامعة الجديدة للنشر القاهرة,2004 .

الفهرس

[1]) ) زاهر هبد الحليم عاطف . الرقابة على الأعمال الدارية . الراية للنشر . الطبعة الأولى ؛مصر 2009 ص. 35

([2]) محمد بن علي شيبان العامري، الرقابة مفهومها و أهميتها، موسوعة تعلم معنا مهارات النجاح، 21/06/2014.

[3]:الرقابة البرلمانية في النظم السياسية دراسة في تجربة مجلس الشعب المصري ، د:عمر هشام ربيع ، منشورات مركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الأهرام . ص :65

[4] وإن سعى مجلس النواب في ظل دستور 1972 إلى التنصيص عليها في قانونه الداخلي، لولا اعتراض الغرفة الدستورية وإبطالها الأحكام ذات الصلة، ومع ذلك أحدثت لجنتان، تعلقت الأولى بالبحث والتقصي في قضية الزيوت المسمومة، وخصت الثانية الفيضانات التي أضرت ببعض المناطق المغربية. وقد جددت الغرفة الدستورية منعها إنشاء لجان تقصي الحقائق سنة 1977، حين قضت بعدم دستورية المواد 101_102_103_ من القانون الداخلي لمجلس النواب ، ومع ذلك شكلت لجنة للبحث والتقصي في قضية تسرب امتحانات الباكالوريا عام 1979، وعاودت الغرفة موقفها عام 1985 ، حين قضت بعدم دستورية الفصل 44 من النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي أجاز إنشاء لجان للتحقيق والتقصي ، ومرة أخرى أحدثت لجنة للتحقيق في الأحداث الدموية التي عرفتها كل من مدينة فاس وطنجة في 14 ديسمبر كانون الأول 1990 ، غير أن الأمر هذه المرة جاء عبر اللجوء إلى التحكيم الملكي (أنظر أمحمد المالكي، الإطار القانوني للرقابة البرلمانية على الحكومة في : مصر _الجزائر_المغرب_موريتانيا_تونس_)

[5]) ) حسين عبد العال , مرجع سابق, ص 74.

[6]) ) محمد عبد الوهاب محمد، البيروقراطية في الادارة المحلية، دار الجامعة الجديدة للنشر القاهرة,2004 ص 374

[7]) ) رشيد خلوفي , قانون المنازعات الإدارية, ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر, 2004 ص 21 .

[8]) ) حسين عبد العال ؛ الرقابة الادارية بين علم الادارة و القانون الاداري, دار الفكر الجامعي الاسكندرية .2004 ص73

[9]) ) سامي جمال الدين,القضاء الإداري,الرقابة على الأعمال منشأة المعارف القاهرة 2003ص283

[10]) ) سليمان محمد الطماوي,الوجيز في الإدارة العامة,دار الفكر العربي القاهرة 1996ص21

[11]) ) عزري الزين,مرجع سابق ص40

[12]) ) محمد رفعت عبد الوهاب,القضاء الإداري,الكتاب الأول منشورات حلبي,دمشق2003ص81

[13])) علي زغدود الإدارة المركزية الشركة الوطنية للنشر 2004 ص 30

[14]) ) محمد الصغير بعلي الوسيط في المنازعات الإدارية دار العلوم للنشر الجزائر 2009 ص 26

[15]) ) عمار عوابدي النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري طبعة ثانية الجزائر 2003ص366

[16]) ) عمار عوابدي,مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية,المؤسسة الوطنية للكتاب,الجزائر,1984ص57

[17]) ) الرقابة الإدارية على الهيئات اللامركزية الادارية , www.yourpdf.net

[18]) ) سامى جمال الدين – القضاء الإداري والرقابة على أعمال الإدارة – دار الجامعة الجديد ص182.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق